ستيفن كوك - مجلس العلاقات الخارجية- ترجمة وتحرير شادي خليفة -
قرر الملك «سلمان» الأسبوع الماضي تغيير خط الخلافة وتصعيد ابنه وولي ولي العهد «محمد بن سلمان» ليكون وليًا للعهد بدلًا من ابن عمه «محمد بن نايف». وذلك بعد عامين من تراكم العديد من السلطات في يد الأمير الشاب، مثل محفظة الدفاع والمحفظة الاقتصادية، بالإضافة إلى ترأس شركة أرامكو العملاقة للنفط.
وعلى الرغم من أنّ الخطوة كانت متوقعة، إلّا أنّها كانت مفاجئة في هذا التوقيت وجاءت دون توافق كبير في الآراء، حال غالبية القرارات في المملكة الفترة الأخيرة، غير أنّ الصراع قد انتهى الآن.
والسؤال هو إلى أي شيء يطمح «بن سلمان» الآن، بينما تدور كل الإجابات حول افتقاره للخبرة، وقد أطلق رؤيته للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي تحت مسمى «رؤية 2030» في يونيو/حزيران 2016، وتدور حول تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، وقد أعدتها شركات استشارية أجنبية.
ويبدو هذا معقولًا، لكن خارج النطاق الاقتصادي، تتجه قرارات «بن سلمان» لزعزعة الاستقرار. فما يحاوله بن سلمان، في مجمله، يرقى إلى التحول الجذري في الأنماط الراسخة للسياسة المتبعة في المملكة العربية السعودية.
ولكن بقدر ما تشكل هذه العوامل من تحديات لنمو المملكة وتطوير اقتصادٍ ديناميكي، فإنّها تخدم غرضًا هامًا آخر، فهي حاسمة للحفاظ على النظام الذي يضمن السلام والاستقرار المحليين لفترة طويلة. ويجادل مؤيدو ولي العهد بأنّ رؤية 2030 هي الطريق الوحيد إلى الأمام، وأنّه يجب ألا يُسمح لها بالفشل. لكن يوجد قلق بين السعوديين بشأن مخاطر هذا التغيير.
التهور مع قطر
وكان ولي العهد الجديد أيضًا لاعبًا رئيسيًا في الجهود الأخيرة لعزل قطر. وهناك أدوارٌ إماراتية ومصرية هامة في هذه القصة، ولكن سياسيًا ودبلوماسيًا، لم يكن ممكنًا أن يحدث الحصار في هذا التوقيت بدون السعوديين. ولا شك أنّ هناك توافقًا حول ما يجب القيام به بشأن القطريين بين «محمد بن سلمان» ونظيره في أبوظبي، «محمد بن زايد»، والقيادة المصرية. ويشكل القطريون مشكلة نظرًا لدعمهم لحماس في قطاع غزة والإخوان المسلمين في مصر، وكذلك انتقادات الجزيرة المستمرة لجيران قطر. كما أنّ لديهم رؤية أكثر دقة لكيفية التعامل مع إيران، الأمر الذي يجعل السعوديين غير راضين بشكلٍ خاص. لكن لا يبدو أنّ «محمد بن سلمان» فكر في كل الآثار المترتبة على معاقبة القطريين.
ويؤدي انقسام مجلس التعاون الخليجي إلى إضعاف الجهود المبذولة ضد إيران، وكان أفضل دليل على ذلك هو تسليم طهران 450 طنًا من المواد الغذائية إلى العاصمة القطرية الدوحة بعد ستة أيام فقط من بدء الحصار الذي تقوده السعودية. وهناك حدودٌ تؤطر العلاقة بين قطر وإيران، ولكن بوقوف الدول العربية ضد بعضها البعض، تكون الأمور جيدة بالنسبة للإيرانيين.
كما دفعت الجهود المبذولة لإجبار القطريين لتلبية رغبات السعودية والإماراتية قطر للتقارب بشكلٍ أقرب مع تركيا، والتي تتمتع بعلاقاتٍ تجارية وأمنية معها، وقد قامت تركيا بإنشاء جسرٍ جويٍ إلى الدوحة، لإيصال المنتجات الطازجة ومنتجات الألبان وغيرها من الضروريات إلى محلات السوبر ماركت القطرية. وليس هناك ودٌ كبير للرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» بين قادة الخليج، لكنّ تركيا هي جزءٌ من التحالف المناهض لإيران الذي اعتقد الرئيس «دونالد ترامب» أنّه كان يبنيه، عندما زار الرياض في أواخر مايو/أيار، وتحدث إلى قادة ومسؤولين من أكثر من 50 دولة عربية وإسلامية.
كما أنّ الجهود المبذولة لعزل قطر تضع الولايات المتحدة في موقفٍ محرجٍ نوعًا ما، يتمثل في العمل كحكمٍ بين الحلفاء. وتستضيف قطر قاعدة العمليات الأمامية للقيادة المركزية الأمريكية التي تقود الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وقد تكون الولايات المتحدة تبحث عن بدائل، لكنّ القواعد المتحركة أو إنشاء قواعد جديدة تستغرق وقتًا طويلًا. وأصبحت قاعدة العديد الجوية، حيث تقع القيادة المركزية الأمريكية، أكثر أهمية للبنتاغون بعد أن طالب السعوديون بأن تغادر القوات الأمريكية بلادهم عام 2003.
كما يبدو أنه «محمد بن سلمان» لم يتوقع أن يصمد القطريون كل هذا الوقت. وبعد كل شيء، استفاد القطريون من احتياطيات المال الهائلة، وقاموا بجلب أبقار الألبان جوًا من أستراليا للتغلب على العقوبات، واستفادوا أيضًا من دعم أصدقاء مثل الأتراك وإلى حدٍ ما الإيرانيين، الأمر الذي منح قطر مجالًا للمناورة. ثم هناك الولايات المتحدة، التي على الرغم من تغريدة «ترامب» التي انحازت إلى السعوديين، إلا أنّها لا ترغب في وجود صراع داخل الخليج قد يعرقل أهدافها الاستراتيجية في المنطقة. وفي ظل هذه الظروف، يبدو أنّ محاولة عزل قطر كانت خطوة متهورة من قبل «محمد بن سلمان».
نزيف اليمن
هناك كذلك غزو السعودية لليمن، والذي بدأ في مارس/آذار عام 2015، وهي السياسة التي تم تبنيها مع قدوم «محمد بن سلمان» وزيرًا للدفاع. ومن وجهة النظر السعودية، كان تدخلها مسألة أمن قومي حيوي بسبب التدخلات الإيرانية في دعم استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، وجزء كبير من البلاد.
لكن القصة في الواقع أكثر تعقيدًا من ذلك، ويعود العداء السعودي الحوثي إلى الثلاثينات من القرن الماضي. ونعم، اجتهدت إيران لاستغلال عدم الاستقرار في أفقر بلدٍ في المنطقة. وقد قتل أكثر من 10 آلاف يمني في هذه الحرب، إضافةً إلى الجنود السعوديين الذين قتلوا في المعركة دون بياناتٍ موثوقة. ولو لم يكن العالم مشغولًا بالأزمة في سوريا، لكان هناك المزيد من الضوء المسلط على الكارثة الإنسانية في اليمن، حيث انتشرت المجاعة وتفشت الكوليرا على نطاقٍ واسع، ما يهدد بمقتل المزيد.
وقد كلفت الحرب أيضًا السعودية مليارات الدولارات، في الوقت الذي كانت فيه أسعار النفط منخفضة. وفي وقتٍ مبكر، أقنع السعوديون أنفسهم بأنّهم «يقاتلون من أجل العالم الحر»، لكنّ الشيء الوحيد الذي حققوه هو ما يخشونه أكثر من غيرهم، وجودًا إيرانيًا ثابتًا ووكيل أكثر قوة للإيرانيين في شبه الجزيرة العربية.
وبناءً على سجل «محمد بن سلمان»، ربما يكون من الأفضل للسعوديين أن يأملوا أن ينضج أكثر خلال منصبه الحالي. وقد أظهر بعض الفكر الجيد في بعض الأمور، لكنّ رؤيته 2030 تتطلب الحنكة الدبلوماسية بدلًا من سياسات القوة التي اتبعها حتى الآن. وفي بعض النواحي، تبدو قطر واليمن كمختبرات للسياسات الخارجية والدفاعية السعودية الجديدة. لكن لم ينتج عنها سوى المزيد من الضرر. وهناك دورٌ هنا، في حالة استمرار «ترامب» في سياسته الضارة، لوزير الخارجية «ريكس تيلرسون»، أو وزير الدفاع «جيمس ماتيس»، أو مستشار الأمن القومي «هيربرت ماكماستر»، أو الثلاثة معًا، للمساعدة في تشكيل نهج «محمد بن سلمان» في المنطقة. وإذا لم يستطيعوا ذلك، سيواجه واضعو السياسات الأمريكيون مشكلةً أكبر بكثير من الأمير المتهور، تتمثل في زعزعة الاستقرار داخل المملكة.