فورين بوليسي- ترجمة شادي خليفة-
يبدو أنّ الرئيس «دونالد ترامب» يرى «محمد بن سلمان»، الذي عين في يونيو/حزيران وليًا جديدًا للعرش السعودي، تلميذًا نجيبًا يمشي على خطاه في الشرق الأوسط. ويتفق عداء ولي العهد الشاب تجاه إيران وموقفه ضد قطر مع موقف «ترامب» المتصاعد والعدواني تجاه إيران.
لكن من خلال تسليط الضوء على الخلافات الداخلية بين دول مجلس التعاون الخليجي وتعزيز السرد القائل بأنّ إيران هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، يمكن أن يسلم «ترامب» طهران منطقةً استراتيجية، مثلما فعل الرئيس السابق «جورج بوش» حين أسقط العراق.
وسيخطئ السعوديون كثيرًا إذا وضعوا الكثير من الأمل في دعم «ترامب» لسياساتهم الإقليمية. وبغض النظر عما تفعله الولايات المتحدة، فإنّ الزيادة الحادة في العداء تجاه إيران، وفي الوقت نفسه فرض حصار عضو في مجلس التعاون الخليجي، ستضعف على الأرجح الموقف السعودي وما تبقى من نظامٍ سياسيٍ عربيٍ مهدد أصلًا. ومن المرجح أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تعزيز نفوذ طهران.
السعودية تقوض موقفها
فكيف تقوض السعودية موقفها من خلال تصعيد الصراع مع إيران والعمل على مواجهة القوة بالقوة؟ في حين تستمد المملكة، من خلال علاقتها الأمنية مع الولايات المتحدة، العديد من المزايا العسكرية أمام إيران، تأتي معظم القوة السياسية السعودية في المنطقة من موقف المملكة القوي في العالم العربي. لكنّ النظام العربي أصبح هشًا بشكلٍ خاص بسبب الحروب الأهلية في العراق وليبيا وسوريا واليمن. وعلى الرغم من أنّ إيران تمثل بوضوح تهديدًا للمصالح السعودية، إلا أنّ ضعف الصفوف العربية، الناجم عن آثار الربيع العربي والحروب الأهلية، يشكل أكبر تحدٍ للرياض وأكبر فرصة لطهران. ومن المرجح أن يؤدي تصعيد العداوة مع إيران إلى إطالة أمد هذه الحروب، مما يعرض العالم العربي لمزيد من الضعف، وبالتالي يضعف موقف السعودية أمام إيران. وكلما طالت المعارك بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران في الحروب الأهلية في المنطقة، كلما زاد خطر اندلاع الحروب الأهلية إلى بلدان عربية أخرى مثل الأردن ولبنان، وكلما زاد احتمال الانقسامات في العالم العربي، وكلما زادت مكاسب إيران في لعبة النفوذ الإقليمي.
ما يحدث في سوريا يمثل صورةً واضحة على نتيجة الانقسام العربي والذي تستفيد منه طهران. وعلى النقيض من الائتلاف الشيعي الذي تقوده إيران، والذي يدعمه بإحكام، والذي يدعم الحكومة السورية، فإنّ المعارضة السنية شديدة الانقسام. وهناك المئات من الجماعات المعارضة المختلفة، والتي تتراوح بين الجماعات المسلحة الجهادية مثل حركة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، إلى الجماعات السلفية غير الجهادية مثل جيش الإسلام وأحرار الشام، وحتى البعض من الفصائل الأقوى مثل الجيش السوري الحر العلماني، وكلها مشغولة بالدفاع عن مناطق في سوريا لا تزال خارج سيطرة الحكومة، مثل محافظة إدلب. ونظرًا لدعم الحكومة السورية من قبل إيران وروسيا وميليشياتها الشيعية، فمن غير المحتمل أن تشكل جماعات المعارضة السنية هذه تهديدًا وجوديًا للأسد (أو إيران) في وقتٍ قريب.
لكن مع الجهود الأخيرة لتخفيف حدة التوتر من جانب إيران وروسيا وتركيا، يمكن أن تتحول هذه الجماعات في النهاية بعيدًا عن المعسكر العربي السني، مما يزيد من إضعاف النسيج السياسي العربي، ويحتمل أن يشكل تحدياتٍ أمنية وسياسية للسعودية. وبعبارةٍ أخرى، يمكن للجماعات السنية التي خضعت للاختبار في سوريا أن تمتد إلى أجزاء أخرى من العالم العربي، الأمر الذي يزيد من ضعف الموقف السعودي أمام إيران.
مضاعفة الضعف
ومن المحتمل أن تضاعف السعودية من هذا الخطر من خلال الانقسام الخطير داخل المجتمع العربي السني، والبداية مع قطر. وتعتبر السعودية جماعة الإخوان المسلمين منظمةً إرهابية، في حين حافظت قطر على قنواتٍ مفتوحة أمام هذه المنظمة السياسية، التي تعمل منذ قرابة قرنٍ من الزمان، ولها جذورٌ عميقة في العديد من البلدان العربية.
وبينما يمكن للمرء أن يناقش الدوافع وراء أعمال قطر، فإنّ الخلط بين الإخوان وبين تهديدات الجماعات الجهادية مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة ينزع الشرعية عن الاختلاف في الطيف الأيديولوجي السني، وهو أمرٌ يمكن أن ينفجر في وجه الرياض، ومن خلال دفع الإخوان إلى خارج العمل السياسي السني، تدفعها السعودية (جنبًا إلى جنب مع الإمارات) تجاه المنظمات الأكثر تطرفًا، وربما تلك التي لها جذور عميقة في سوريا مثل «هيئة تحرير الشام»، والتي قد تشكل تهديدًا كبيرًا للسعوديين وللعالم العربي بشكلٍ أوسع.
صمامات الأمان
وعلاوةً على ذلك، يعتبر الشرق الأوسط اليوم نظامًا إقليميًا يتعرض للضغط على نحوٍ خطير، مع عددٍ قليلٍ من صمامات الأمان لتخفيف حدة الصراع. ويمكن اعتبار قطر (مع عمان والكويت) بمثابة صمامات لتخفيف هذا الضغط. ومن خلال بناء الجسور مع الإخوان المسلمين وإيران، فإنّها تخلق مساراتٍ للحوار وحل النزاعات داخل وخارج العالم العربي.
وفي الوقت الذي يشعر فيه السعوديون بالغموض تجاه موقف قطر، إلا أنّه يخدم بعض خطوط الصراع، مما قد يخلق مساراتٍ دبلوماسية نحو تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران في نهاية المطاف. وقد يؤدي اللوم السعودي الموجه لقطر يؤدي إلى الإضرار بهذه القيمة. كما أنّه من المحتمل أن يقسم العالم العربي بين البحرين ومصر والسعودية والإمارات من جهة والكويت وعمان وقطر من جهةٍ أخرى، الأمر الذي يضعف الموقف السعودي في نهاية المطاف.
وهناك خطرٌ آخر يتمثل في إخراج قطر من مدارها الخليجي. وفي الوقت الذي تتبع فيه قطر سياسةً خارجيةً مستقلة، فقد تعاونت مع السعودية في العديد من المبادرات، بما في ذلك الحرب في اليمن. ومع احتمال أن تصبح الدوحة أكثر اعتمادًا على تركيا وإيران، والتي توفر الآن لقطر شريان الحياة، ستكون خسارة صافية وتامة للرياض.
ومن الممكن أن يقود إلى تعزيز محور تركيا وإيران، وهو أمرٌ كان يتطور بالفعل بسبب التهديد المشترك من حزب العمال الكردستاني، والتعاون التكتيكي مع بعضهما البعض ومع وروسيا بشأن المفاوضات السورية في أستانة، عاصمة كازاخستان. وهناك خطرٌ أيضًا في أن تضطر باكستان، التي حافظت على خطٍ محايد في الأزمة السعودية مع قطر، إلى الانحياز إلى أحد الجانبين بطريقة لا ترضي الرياض.
تعزيز المتشددين
كما يمكن للمسار السعودي الحالي أن يعرقل الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية ويهددها. وتخلق الهجمات الأخيرة التي شنتها الدولة الإسلامية على إيران وتزايد التهديد بالاعتداءات على تركيا من الناحية النظرية، تقاربًا للمصالح بين إيران والسعودية وتركيا. لكن في بيئة العداء الحالية، يبدو أنّ تنظيم الدولة الإسلامية سيبقى العدو الثاني من حيث أهمية، حيث ترى كل من طهران والرياض أنّ الآخر هو التهديد رقم واحد لأمنه.
ونظرًا للحاجة إلى بذل جهودٍ متضافرة لضمان عدم قيام تنظيم الدولة الإسلامية بإعادة التجمع بشكلٍ فعال بعد تحرير الموصل والرقة، فإنّ الانشغال عن هدف ألا تملأ الجماعات الأخرى المماثلة هذه المساحات، قد يؤدي إلى أنباءٍ غير طيبة للمنطقة أو السعوديين. ويمثل تنظيم الدولة الإسلامية والمنظمات الجهادية الأخرى تمردًا ضد النظام العربي، وسوف يؤدي استمراره إلى إلحاق ضررٍ بالعالم العربي أكبر مما سيلحقه بالدول غير العربية مثل إيران وتركيا.
وأخيرًا، من المرجح أن تعزز الإجراءات السعودية الفصائل المتشددة داخل المؤسسة الخارجية الإيرانية، والتي تتمتع بأكبر قدرٍ من القدرة على استغلال مواطن الضعف في العالم العربي. وبالطبع لا يعد السعوديون مخطئين بشأن القلق تجاه إيران، حيث تستفيد طهران بشكلٍ فعال من مغامرتها في المنطقة، من خلال أنشطتها في العراق وسوريا واليمن. ويتولى «قاسم سليماني»، قائد فيلق القدس الإيراني، مسؤولية إعطاء عمقٍ استراتيجي لإيران من خلال استغلال فراغات السلطة التي أوجدتها الحروب الأهلية العربية. ومن المرجح أن يعزز العداء السعودي أصواتًا مثل صوت «سليماني» الذي يدعو إلى المواجهة الصريحة مع المملكة، ويضعف من الأصوات المعتدلة التي تأتي من وزارة الخارجية ومن مكتب الرئيس «روحاني».
وإذا أخفقت المملكة العربية السعودية في تعديل مسارها الحالي، فمن المرجح أن يضعف موقفها الإقليمي ويقوى موقف إيران. وقد يتحول الشرق الأوسط من منطقة مركزية عربية إلى منطقة عربية إيرانية تركية. وبدلًا من ذلك، يجب أن تصبح الرياض شريكًا بناءً للسلام في الحروب الأهلية في سوريا واليمن، مما يعزز قاعدتها في قلب الوطن العربي. أما الاستمرار في الحرب بالوكالة مع إيران في اليمن، يصبح مثل إشعال النار في منزلك لإنقاذه. ويمكن للسعودية فقط، من خلال العمل على معالجة الانشقاقات الأيديولوجية والسياسية والعسكرية في الصفوف العربية، أن تشعر بأمانٍ في موقفها أمام إيران.
وما يجب على الولايات المتحدة القيام به، بالإضافة إلى دعم وتوجيه السعودية لخلق توازن قوى ضد إيران، هو تشجيع الرياض على فتح مسارٍ دبلوماسيٍ موازٍ مع طهران، ومحاولة إيجاد حلٍ سلميٍ للأزمة مع قطر. ومع هذا كله، يجب العمل على احتواء إيران من خلال المسارات الدبلوماسية، وإيقاف التآكل الحادث في المنطقة كلها بسبب الحروب الأهلية.