القدس العربي-
تتزايد الإشارات على وجود أخذ وردّ دبلوماسيّ بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك بين الأذرع السياسية والعسكرية للطرفين، وهو ما انعكس تغيّرات ملحوظة في أكثر من بلد يتجابه فيه الطرفان.
يمكن قراءة بعض هذه الإشارات في تقرير يظهر تأكيد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن الدبلوماسيين الإيرانيين والسعوديين سيزورون الرياض وطهران بعد انتهاء موسم الحج، وهو أمر كانت قد سبقته أنباء على لسان وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي الذي صرّح أن السعودية طلبت من بلاده التوسط بين الرياض وطهران حيث تلقت إيران الطلب بشكل إيجابي ووعدت السعودية بالتجاوب مع شروط إيرانية.
ورغم أن جهات مسؤولة في البلدين نفت الأمر لكن الحراك الدبلوماسي استمرّ، فبعد استقبال الرياض رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ووزير داخليته المذكور، عادت فاستقبلت الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، كما أن وزيري الخارجية السعودي عادل الجبير والإيراني محمد جواد ظريف تصافحا على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول وقال التلفزيون الإيراني إن الجبير هو الذي بادر بالتحية وأنه اقترب من ظريف واحتضنه.
تلعب روسيا، في هذه الأثناء، دور الدولة الراعية للتقارب بين البلدين، فحسبما أعلنت وسائل إعلام روسية أن وزارة الخارجية الروسية وجهت دعوة للسعودية وإيران لعقد اجتماع مشترك برعاية ووساطة موسكو.
لاحتمالات التقارب أسباب عديدة داخليّة وخارجية. على الصعيد الداخلي فإن أكثر ما يهمّ القيادة السعودية الحاليّة هو تمرير خطة توريث وليّ العهد محمد بن سلمان، وهذا يقتضي تخفيض بؤر التوتّر داخل السعودية وعلى حدودها.
وفي هذين الملفّين هناك تأثير كبير لإيران، التي تعلّمت هي أيضاً، على ما يبدو، من تصعيدها الكبير إثر إعدام الزعيم الشيعي نمر النمر، الذي أدّى لاقتحام سفارة السعودية في طهران، أن تتعامل بحذر شديد مع الشؤون الداخلية السعودية، والملاحظ أن حدثاً غير بسيط، كهدم الحي القديم في بلدة العوّامية الشيعية لمطاردة المسلحين وهروب آلاف السكان منها، مرّ من دون ردود فعل إيرانية تذكر.
أما على حدودها اليمنية فالملاحظ إن الحوثيين، الذين صعّدوا كثيراً في الأسابيع الأخيرة ضد السعودية، أصبحوا حاليّاً شديدي القلق والانشغال من انقلاب حليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضدّهم، وإذا حصل هذا الأمر فعلاً فلا يمكن أن يتمّ من دون علم السعودية أو موافقتها الضمنية عليه.
إشارات الأخذ والردّ السعودية ـ الإيرانية امتدّت إلى الساحة السورية حيث رأينا تغيّراً مشهوداً في الموقف السعودي من «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة التي طُلب منها فتح أبوابها لما يسمى منصتي موسكو والقاهرة اللتين تضمّان سوريين أكثر قرباً من النظام السوريّ وأكثر استعداداً لقبول استمرار بشار الأسد في السلطة.
لا يمكن فصل إشارات التقارب هذه عن الموقف الأمريكيّ الرماديّ في هذه المنطقة، فالضجيج الكبير الذي رافق زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى السعودية في أيار/مايو الماضي حول مواجهة إيران انحسر بسرعة لتستفيق المنطقة بأكملها على… مواجهة كبرى مع قطر!
تمخّض جبل الصراع مع إيران لتبقى في شبكة ما سمّي بـدول الحصار»، خطط غير قابلة للتطبيق في الموضوع الفلسطيني، وأحاديث الصفقات الخلّبية مع الشركات الأمريكية، وظهور خطوط جديدة للصراع في اليمن وسوريا وليبيا، مع تشدد أكبر مع الحركات الإسلامية السنّية.
خلف الخطوط أيضاً بدأ يتّضح الدور الإماراتيّ في كل ما يحصل، فوراء خطابات البلاغة الشديدة ضد إيران هناك خطوط التجارة الهائلة المفتوحة معها، ووراء القتال ضد الحوثيين هناك تفتيت لجبهة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وتعويم هادئ للرئيس المخلوع علي صالح، ووراء الصراع مع النظام السوري بدأت تتضح خطوط تسوية تقبل ببقاء بشار الأسد… أي باختصار إعادة النظام العربي القديم برموزه السابقة وإنهاء تامّ لأي اعتراض عليه.
وهذا كلّه يفسّر (أو لا يفسّر) هذا التقارب السعودي مع إيران!