كامران بخاري - جيوبوليتيكال فيوتشرز-
إذا كان الشرق الأوسط قد تحول - في جزء منه على الأقل- إلى ساحة للحرب بين السعودية وإيران، فإن لبنان هي الجبهة الغربية لهذا الصراع. وعلى مدى ما يقرب من جيلين، تنافست الرياض وطهران على النفوذ هناك، حيث كانت البلاد، مع بضع انقطاعات من الاستقرار، موطنا لهذه المنافسة التي استمرت هذا الأسبوع ويبدو أن الرياض تخسرها.
وفي 4 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن رئيس الوزراء اللبنانى «سعد الحريري» استقالته فى رسالة مسجلة بثتها وسائل الإعلام السعودية. وانتقد «الحريري» في رسالته إيران لتدخلها في الشؤون العربية وانتقد حزب الله لسيطرته على البلاد. وقال «الحريري» إنه استقال بسبب وجود مؤامرة لقتله من قبل حزب الله، وفي اليوم التالي اتهم وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي لبنان بإعلان الحرب على بلاده. وبعد ذلك، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، أشار تقرير لرويترز إلى أن «الحريري» أجبر على الاستقالة من قبل السعوديين وأنه محتجز في المملكة. ومنذ ذلك الحين دعت الحكومة السعودية جميع مواطنيها في لبنان إلى العودة الى ديارهم على الفور. وقد بدأت التوترات عالية قبل ذلك، ولكن الأسبوع الماضي كان ملتهبا بشكل خاص.
بلد منقسم
ويعد لبنان بلدا منقسما بين المجتمعات الشيعية السنية والمسيحية والدرزية. وقد مزقت الحرب الأهلية البلاد لمدة 15 عاما حتى تم التوصل إلى اتفاق تقاسم السلطة في عام 1989. كانت المعاهدة في جزء منها مصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران، حيث دفع كل جانب وكلاءه لتسوية خلافاتهم، كما منح الاتفاق سوريا دور المشرف على لبنان. وعلى مدى العقدين القادمين، أصبح حزب الله، وهو حركة إسلامية شيعية تدعمها سوريا وإيران، تدريجيا أقوى قوة في لبنان.
ويعود الفضل في صعود حزب الله إلى الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، حيث ظل الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان حتى عام 2000، وبذلك أعطى حزب الله ذريعة للحفاظ على جناح مسلح هائل حتى بعد دخوله إلى الحياة السياسية. وواجه الحزب انتقادات واسعة بعد أن عثرت محكمة دولية على أدلة على تورطه بصحبة النظام السوري فى اغتيال رئيس الوزراء الأسبق «رفيق الحريري». وقد اضطرت سوريا الى سحب عشرات الآلاف من القوات التي كانت متمركزة في لبنان لكنها حافظت على نفوذها من خلال أجهزة الاستخبارات ومن خلال حزب الله الذي أدارته مع إيران بشكل مشترك.
لسنوات، كان الجناح المسلح لحزب الله أقوى من الجيش اللبناني. وبفضل الدعم الذي تلقاه من إيران كان الحزب قادرا على الصمود أمام الغزو الإسرائيلي وقد أضاف هذا الصمود إلى نفوذه وبالتالي إلى نفوذ إيران. وأصبح نفوذ الحزب مؤثرا لدرجة أنه تمكن من هندسة الإطاحة بـ«سعد الحريري» في يناير/كانون الثاني 2011. وبعد بضعة أسابيع، بدأ الربيع العربي، وبحلول مارس / آذار، وصل حزب الله إلى سوريا.
بالنسبة للرياض، كانت الانتفاضة في سوريا هبة من السماء. كانت المملكة قد بدأت تخسر الأرض أمام طهران منذ فترة لذلك إذا كان للأغلبية السنية في سوريا أن تطيح بحكومة «بشار الأسد» - المتحالفة مع إيران – فإن بإمكان الرياض كسر القوس المتصل من الإيراني نحو البحرالابيض المتوسط إضافة إلى إضعاف حزب الله.
غير أن ذلك لم يحدث بأي شكل. تمكنت الحكومة السورية بدعم من إيران وروسيا من استعادة الأراضي التي فقدتها أمام المعارضة. وبعد سنوات لا تزال الحكومة في سوريا قائمة إلى الآن. وقد أراد السعوديون والإيرانيون دوما إبقاء لبنان بعيدة عن الصراع. بالنسبة إلى السعودية، وبعد أن فقدت سوريا والعراق لصالح إيران فإنها ظلت تمتلك اليد العليا في لبنان، ولم تكن لديها أي دوافع للمساس بهذا الوضع.
وكانت السعودية تدعم في الوقت نفسه الجهاديين السلفيين في الصراع السوري، معربة عن أملها أن يؤدي ذلك إلى تغيير النظام. ولكن الرياض مكنت عن غير قصد في هذه الحرب لتنظيمات مثل القاعدة والدولة الإسلامية متسببة في تقويض موقفها في لبنان. وكان الفصيل السني السياسي الرئيسي هناك، وهو تيار المستقبل الذي يتزعمه «الحريري»، يعيش حالة من الانحلال حتى قبل أن يطعن في شرعيته من قبل المتشددين السنة. وكانت الفصائل غير السنية خائفة من ما يمكن أن تقوم به الجماعات السنية الراديكالية في سوريا إذا خسر «الأسد» الحرب. ونتيجة لذلك فإن مشاركة حزب الله في الحرب السورية أفادت خصوم الرياض في لبنان.
خيارات محدودة
كان اتفاق السلام اللبناني لعام 1989 مقبولا للمملكة العربية السعودية لكنه لم يكن الأمثل. ووفقا للاتفاق كان منصب الرئيس من نصيب المسيحيين وذهب منصب الوزراء للسنة، فيما كان رئيس البرلمان شيعيا على أن يتم تمثيل جميع الطوائف في مجلس الوزراء. وكانت الرئاسة اللبنانية لسنوات تشغل من قبل أفراد محايدين لكنهم أكثر قربا إلى السعودية. ومع ذلك، تم انتخاب حليف رئيسي لحزب الله، «ميشال عون»، رئيسا قبل عام تقريبا. وقد قبل السعوديون رئاسة «عون» لأنها سمحت لهم بالتفاوض على عودة «سعد الحريري» من المنفى السياسي.
ولكن الكثير يمكن أن يحدث في عام، وإيران صارت أكثر تهديدا مما كانت عليه في السابق. وتسبب انهيار تنظيم الدولة في تقوية موقفها في سوريا والعراق، وحكومة «الأسد»، التي تعتمد الآن أكثر من أي وقت مضى على إيران، لا تزال تستعيد الأراضي. وفي الوقت نفسه يخوض السعوديون حربا خاسرة في الفناء الخلفي الخاص بهم ولن يستطيعوا تحقيق أي انتصار على الحوثيين الموالين لإيران.
المكان الوحيد الذي تستطيع السعودية مواجهة إيران فيه هو لبنان. تعتقد السعودية أنها إذا كانت قادرة على إنهاء السلام غير المستقر الذي مرت به البلاد على مدى السنوات القليلة الماضية، فإنها قد تجبر إيران وحزب الله على قضاء وقت واهتمام أقل في سوريا والعراق وأكثر في لبنان. ولكن المملكة العربية السعودية لديها مشاكلها الخاصة ومن غير المرجح أن تكون ناجحة في هذا الصدد. إن العبث بلبنان هو اعتراف صريح بمدى ضعف الرياض..