العربي الجديد-
كشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية، أن (إسرائيل) تزود السعودية بالمعلومات الاستخبارية اللازمة لمواجهة إيران وما تسميه «الإسلام المتطرف»، وهو ما اعتبره مراقبون تأكيدا لتعاظم العلاقات السرية بين الجانبين.
ونقلت الصحيفة، عن اثنين من كبار رجال الاستخبارات السابقين في (تل أبيب)، قولهما إن المعلومات الاستخبارية التي تقدمها للسعودية تسهم في خدمة مصالحها الوطنية، على اعتبار أن هذه المعلومات تستخدم في مواجهة أعداء مشتركين.
وحسب «رام بن براك»، الذي عمل نائبا لرئيس الموساد ومديرا عاما لوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، و«يعكوف عامي درور» مستشار الأمن القومي الأسبق لرئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو» وقائد «لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية» (أمان)، فإن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين السعودية و(إسرائيل) يؤكد أن الاتجاه الواضح والمتواصل لتطور العلاقات بين الجانبين، «جدي أكثر بكثير مما يبدو».
مواجهة إيران
وتحت عنوان «أين تشارك (إسرائيل) السعودية بمعلوماتها الاستخبارية؟»، قال «بن براك» إن ما كشف عنه رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي «غادي إيزنكوت»، في المقابلة التي أجراها معه موقع «إيلاف» السعودي، بشأن التعاون الاستخباري مع السعودية، «لم يشكل مفاجأة، فالسعوديون يكافحون الإرهاب، والإسلام المتطرف، والتوسع الإيراني في المنطقة، وهذه مخاطر تقلقنا وتقلقهم.. فعندما تتوحد المصالح بشكل كاف لطرفين ما فإنه من الطبيعي أن يعملا معا، ويطوران قاعدة للشراكة»، بحسب «العربي الجديد».
وأجرى رئيس أركان الاحتلال الإسرائيلي الجنرال «غادي إيزنكوت»، أول حوار لمسؤول إسرائيلي مع صحيفة سعودية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن «التعاون الاستخباري بين السعودية و(إسرائيل) يرمي إلى مساعدة السعوديين لمواجهة الخطر الشيعي، في حين يساعد (إسرائيل) على تحسين قدراتها على مواجهة المخاطر التي تتعرض لها في الضفة الغربية».
وأضاف «بن براك»: «يتم على أساس المعلومات التي تنقلها (إسرائيل) للسعودية توقيف أشخاص».
وقال: «عندما نتمكن من توقيف شخص ما، أو نزودهم بمعلومات استخبارية تساعد على توقيف (شخص ما)، وفي حال قمنا بجمع المعلومات الاستخبارية وعملنا معا ضد الأمور الكبيرة المتعلقة بالشيعة (من ناحية السعودية)، أو تلك المتعلقة بالعمليات (الإسرائيلية)، فهذه مساع جديرة بالاهتمام»، على حد تعبيره.
تبادل منفعة
وشدد على أن تبادل المعلومات الاستخبارية بين (إسرائيل) والسعودية يقوم على مبدأ «تبادل المنفعة»، مبرزا أن تصريحات «إيزنكوت» لـ«إيلاف» تؤكد أن (إسرائيل) «مستعدة لمنح المعلومات الاستخبارية للسعودية وتلقيها منها في الوقت نفسه»، مبينا أن «هذا المبدأ هو الذي يحكم التعاون بين الأجهزة الاستخبارية».
واستدرك نائب رئيس الموساد السابق بقوله، إن «تبادل المعلومات الاستخبارية بين (إسرائيل) والدول الأخرى يخضع لمعايير محددة، حتى مع تلك الدول التي تعد الأقرب لها»، مشيرا إلى أنه «لا يمكن لدولة أن تسمح بحصول دول أخرى على كل المعلومات الاستخبارية التي تقوم بجمعها».
ولفت إلى أن «إسرائيل بلورت نظاما يحدد معايير مشاركة المعلومات الاستخبارية مع الدول الأخرى، حيث أن هذه المعايير تسمح بتحديد الدول التي بإمكان إسرائيل تزويدها بالمعلومات الاستخبارية، إلى جانب تحديد مستوى هذا التعاون».
كما شدد «بن براك»، على أن تزويد الدول الأخرى بالمعلومات الاستخبارية يخضع أيضا لجوهر الهدف، الذي تحاول (إسرائيل) تحقيقه من وراء ذلك.
وحول الكيفية التي يتم بها نقل المعلومات الاستخبارية للدول الأخرى، أوضح المسؤول الإسرائيلي السابق، أنه يتم نقل المعلومات «الحساسة» مشافهة (من خلال اللقاءات وجها لوجه)، في حين يتم نقل المعلومات الأقل حساسية بشكل آلي إلكترونيا.
وأوضح أن «منح (إسرائيل) المعلومات الاستخبارية للسعودية لا يعني بالضرورة أن يرد السعوديون بمنح (إسرائيل) ضوءا أخضر لاستخدام مجالهم الجوي في ضرب المنشآت النووية الإيرانية».
وتعتبر السعودية، بحسب تصريحات رسمية، إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم.
واستدرك أنه «لا يستبعد هذه الإمكانية في حال تعاظم مستوى الدفء في العلاقات بمرور الوقت»، معتبرا أن «السماح باستخدام الجوي السعودي من قبل (إسرائيل) سيمثل مستوى متطورا جدا من التعاون»، على حد تعبيره.
أعداء مشتركون
من ناحيته، قال «يعكوف عامي درور»، إن «(إسرائيل) تحرص على تقديم المعلومات الاستخبارية التي تطلبها الأطراف التي تواجه إيران أو تنظيم الدولة الإسلامية».
وأضاف: «أي طرف يقاتل إيران يأتي ويقول: احتاج شيئا ما لمقاتلتهم، حينها (إسرائيل) ستبادر بتقديم الخدمة للمساعدة في قتال الأعداء المشتركين».
وأشار إلى أن «مجرد توجه السعودية لمحاربة إيران، يمثل المقابل التي تحصل عليه (إسرائيل) لقاء تزويد الرياض بالمعلومات الاستخبارية»، موضحا أن «تزويد (إسرائيل) للسعوديين بالمعلومات لا يعني أنها تحصل منهم على مقابل، مثل منح إذن لسلاح الجو الإسرائيلي بالتحليق في الأجواء السعودية، لضرب إيران».
وأكد أن «ما يهم (إسرائيل) هو أن تشارك السعودية في مواجهة إيران».
وأضاف: «هناك في السعودية من بات يعتقد بوجوب تطوير العلاقات مع (إسرائيل)، وأعتقد أن هذا التوجه تجاوز مرحلة التردد»، معتبرا سماح السعوديين لموقع «إيلاف» بإجراء المقابلة مع «إيزنكوت» تطور مهم جدا.
أمر غير واقعي
من ناحيته، استهجن معد التقرير معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة «يونا جيرمي بوب»، أن «تحصل السعودية تحديدا، والتي كانت تعد من ألد أعداء (إسرائيل)، على المعلومات الاستخبارية الأكثر أهمية التي يتمكن الجيش والمخابرات الإسرائيلية من جمعها».
وتساءل: «هل نحن مازلنا نائمين ونحلم؟. لا، هذا واقعي!».
وفي وقت سابق، كشف رئيس المؤتمر اليهودي الأمريكي «جاك روسن»، عن تعاون استخباراتي بين السعودية و(إسرائيل)، لافتا إلى أنه «غير مندهش بذلك».
واتخذت العلاقات السعودية الإسرائيلية، منحى جديدا عام 2017، خاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» للمملكة الصيف الماضي، وصعود نجم ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان».
وبدأت هذه العلاقات للظهور على الساحة، بعدما كشفت وكالة الصحافة الفرنسية «فرانس برس» أن المسؤول السعودي الذي زار (إسرائيل) سرا في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، هو ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، وهو ما نفته الرياض.
وكشف وزير الطاقة الإسرائيلي «يوفال شتاينيتس»، أن (إسرائيل) تقيم علاقات سرية مع دول عربية معتدلة بينها السعودية، كما أشار وزير الدفاع الإسرائيلي «أفيغدور ليبرمان»، إلى أن السعودية أدركت أن عدوها ليس (إسرائيل)، وإنما إيران وأتباعها.
كما ظهر هذا التطبيع جليا في لقاءات رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير «تركي الفيصل» الأخيرة، وظهوره بمؤتمرات إسرائيلية داخل المعابد اليهودية في الولايات المتحدة، وتمنيه فتح سفارة إسرائيلية في الرياض قريبا.
وسبق أن وصفت شبكة «إن بي سي» الأمريكية، الدفء في العلاقات السعودية الإسرائيلية بـ«السر المعلن»، معتبرة هذا التحالف «غير مريح» وقائما على مواجهة التأثير الإيراني بالشرق الأوسط.
العلاقات لم تقف عند التعاون الاستخباراتي او السياسي فحسب، بل شهدت الفترة الأخيرة، تقاربا اقتصاديا غير رسمي بين الرياض و(تل أبيب)؛ حيث زار رجال أعمال ومسؤولون سعوديون سابقون (إسرائيل)، والتقطت عدسات الكاميرات مصافحات بين مسؤولين إسرائيليين وأمراء سعوديين؛ وهو أمر غير مسبوق.
ووفق محللين، تأتي الموجه الإعلامية السعودية تجاه (إسرائيل) ضمن خطة من «بن سلمان»، لتهيئة الشارع السعودي لأي اتفاق محتمل مع الاحتلال.