جاي سولومون- معهد واشنطن-
برزت سلطنة عُمان الخليجية النائمة كورقة حاسمة في مسعى إدارة ترامب للحدّ من نفوذ إيران في الشرق الأوسط. ويُعتبر حاكم البلاد السلطان قابوس بن سعيد أشبه بدوارة ريح لتقييم انتقال ميزان القوى في المنطقة وسط الخلاف المتزايد الذي تشهده طهران مع السعودية. كما أنه كان حليفاً مهماً للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، لا سيما من خلال مساعدة إدارة أوباما على إقامة قناة خلفية دبلوماسية سرية مع إيران والسعي للتوصل إلى حل للحرب الأهلية في اليمن من خلال المفاوضات. لكن الوضع مختلف اليوم، حيث أن الموقف المتشدد للرئيس ترامب بشأن إيران واحتضانه لولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد يعرّضا عُمان لخطر تنامي حدة الخلاف بين الوكلاء، وفقاً للمسؤولين الأمريكيين والعرب والإسرائيليين الذين يعملون في الشؤون الخليجية.
خدمة السياسة الأمريكية في عهد أوباما
تقول شخصيات بارزة في إدارة أوباما، بمن فيهم وزير الخارجية جون كيري، إن عدداً قليلاً فقط من الأشخاص سهلوا أهداف أمريكا في الشرق الأوسط خلال فترة ولايتهم أكثر من السلطان قابوس والمقربين منه. فبعد مرور أسابيع قليلة على بدء الولاية الأولى للرئيس أوباما، زار مبعوثو السلطان واشنطن وقالوا إنهم سيكونون بمثابة خط دبلوماسي مع إيران. وقد ثبُت حسن نية مسقط عندما ضمنت الإفراج عن ثلاثة من المتجولين الأمريكيين الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن الإيرانية في عام 2009. كما ساعدت عُمان على تأمين عودة الأمريكيين المحتجزين من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
ولعل الأهم من ذلك، أن مسقط كانت على مدى أشهر مركز المفاوضات النووية السرية بين الدبلوماسيين الأمريكيين والإيرانيين ابتداءً من منتصف عام 2012. ولغاية الأسابيع الأخيرة من ولاية أوباما، حاول المسؤولون العُمانيون مساعدة الإدارة الأمريكية على التوسط لوقف إطلاق النار بين الفصائل المتحاربة في اليمن، فاستضافت المحادثات المباشرة بين كيري والحوثيين في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. لكن تلك العملية باءت بالفشل عند نهاية ولاية أوباما ولم تُستأنف.
تنامي الضغوط في عهد ترامب
في الأشهر الأخيرة، كانت كل من الرياض ودولة الإمارات وواشنطن تضغط على مسقط لوقف تدفق الأسلحة الإيرانية التي يُزعم أنه يتمّ تهريبها إلى الحوثيين عبر أراضي عُمان ومياهها الساحلية. وعليه، ربما لم يعد الدور السابق للسلطان كباني جسور مع طهران ميزة. وفي هذا السياق، قال مسؤول أمريكي رفيع المستوى إنه "يتمّ إجبار الدول الخليجية بشكل متزايد على الانحياز إلى طرف ما في النزاع السعودي-الإيراني"، مضيفاً "إن سلطنة عمان لا تُستثنى من ذلك". فعلى سبيل المثال، فرضت الرياض والإمارات حصاراً اقتصادياً على قطر في العام الماضي، وعاد ذلك جزئياً إلى العلاقات الودية التي تجمع هذه الأخيرة بطهران.
واتهم مسؤولون إسرائيليون أيضاً أوباما بالسماح لإيران بممارسة أنشطتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، في إشارة إلى إدعاءات تهريب الأسلحة واستعداد مسقط لتخزين المواد المستخدمة في برنامج إيران النووي. وكانت طهران قد أبرمت اتفاقاً عام 2016 تقوم بموجبه عُمان بتخزين أي مياه ثقيلة فائضة تنتجها إيران وتتجاوز الكمية المسموح بها وفق الاتفاق النووي. ومن بين الأهداف الأخرى، يمكن استخدام المياه الثقيلة في المفاعلات النووية لإنتاج البلوتونيوم. وإذا استمرت هذه المخاوف، فإنها يمكن أن تقوّض علاقة عُمان الجيدة تاريخياً مع إسرائيل التي يُعتبر فيها السلطان بمثابة جسر للقادة العرب.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يحاولون إرساء توازن مع عُمان، بحيث يبقون على السلطان كقناةً قيّمة تربطهم بطهران ووكلائها مع الحرص في الوقت نفسه على عدم المبالغة في تأييد المعسكر الإيراني. وقد ذكر مسؤول سابق كان يُعنى بشؤون اليمن، أنه "عندما مارسنا الضغوط على عُمان بشأن قضايا الأسلحة، كان (العمانيون) يتعاونون عموماً" .
غير أن مركزية عُمان بالنسبة للدبلوماسية الإقليمية قد تضاءلت بشكل واضح منذ انتخاب الرئيس ترامب. فلم تُظهر أي من طهران أو واشنطن اهتماماً كبيراً باستئناف المحادثات المباشرة التي أصبحت مألوفةً في عهد أوباما. وعلاوةً على ذلك، أدى احتضان إدارة ترامب الكبير للسعودية وولي عهدها الصاعد إلى ازدياد الدعم اللوجستي والاستخباري الذي تقدمه الولايات المتحدة لحرب الرياض في اليمن. ويقول دبلوماسيون أمريكيون وعرب الآن إنهم لا يرون أملاً يذكر في التوصل إلى تسوية تفاوضية للصراع في المستقبل القريب.
اتهامات التهريب والتجسس
يتنامى انتقاد السعودية والإمارات لعُمان أيضاً، حيث تشكك الحكومتان في حياد مسقط في قضية اليمن. ففي أيلول/سبتمبر، قال حاكم محافظة مأرب شمالي اليمن لصحيفة "الحياة" السعودية إن السلطات المحلية احتجزت ثلاث سيارات تحمل لوحات عُمانية كانت تحاول تهريب الأسلحة إلى الحوثيين. وقد نقل مقال آخر نشره موقع "إنتليجنس أون لاين" الإلكتروني عن مسؤولين سعوديين اتهموا عُمان بالتغاضي عن المهرّبين في محافظة ظفار الغربية. ووفقاً لهؤلاء المسؤولين، كان يتمّ تخزين الأسلحة المزودة من إيران في جزر صغيرة قبالة ساحل ظفار ونقلها إلى مطار المحافظة في صلالة حيث يمكن للحوثيين استلامها.
وقد نفى المسؤولون العمانيون جميع هذه الاتهامات. فقد صرح وزير الخارجية يوسف بن علوي لصحيفة "عكاظ" اليومية السعودية في تشرين الأول/أكتوبر قائلاً إن "الأسلحة لا تمر عبر حدودنا"، مضيفاً أننا "على استعداد لتوضيح هذا الأمر أمام إخواننا في السعودية". وقد أوضح مسؤولون عُمانيون آخرون للمراسلين الصحفيين أن الحرب في اليمن تلحق الضرر بالمصالح الأمنية القومية السعودية والإماراتية. وفي رأيهم أن دبلوماسية مسقط لم تهدف سوى إلى مساعدة الرياض وأبوظبي على الخروج من صراع مكلف أدّى إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص وقيام ظروف تشبه المجاعة في اليمن.
وعلى نطاق أوسع، كانت عُمان تتوخى الحذر من السعودية والإمارات منذ بعض الوقت، لا سيما منذ أن زادت الدولتان عملياتهما العسكرية على طول حدود السلطنة مع اليمن. وفي عام 2011، اتهمت مسقط الإمارات علناً بإدارة حلقة تجسس داخل مكاتبها العسكرية والحكومية، وهي تهمة نفتها أبوظبي. ويعتقد الدبلوماسيون أن العملية تركزت على جمع المزيد من المعلومات عن علاقات السلطان الوثيقة مع طهران.
ما هو المنحى الذي ستسلكه عُمان؟
تخضع عُمان لعدة تجاذبات في وقت واحد، ومن غير الواضح كيف ستؤثر هذه الأولويات المتضاربة على وضعها خلال الأشهر القادمة. فمن الشمال، حاولت السعودية استمالة الدولة المفتقِرة إلى الموارد إلى معسكرها رغم انعدام الثقة المتبادلة بينهما. وفي هذا الشهر، على سبيل المثال، أعلنت الرياض أنها ستساهم بمبلغ 210 مليون دولار لتمويل منطقة صناعية في ميناء الدقم جنوبي عُمان.
وفي الوقت نفسه، واصلت عُمان تنسيق أنشطتها الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية مع إيران في الأشهر الأخيرة، معوّلةً على العلاقات الثنائية الوثيقة التي يعود تاريخها إلى سبعينيات القرن المنصرم عندما أرسل الشاه آلاف الجنود بالإضافة إلى مروحيات هجومية إلى ظفار للمساعدة على إخماد انتفاضة قبلية. وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، اجتمع قائد القوات الجوية العُمانية مع نظيره في طهران كجزء من لجنة عسكرية مشتركة. وخلال الشهر نفسه، زار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مسقط لمناقشة خط أنابيب مقترح لنقل الغاز الإيراني إلى الهند.
أما بالنسبة للغرب، فتبدو الإشارات الرسمية متباينة في الوقت الراهن. ففي إشارة إلى أن عُمان لا تزال وسيطاً مهماً مع إيران، زار وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون مسقط في الشهر الماضي في إطار الحملة التي تقوم بها لندن للإفراج عن مواطن بريطاني-إيراني مسجون في طهران منذ عامين تقريباً. غير أن التطورات الجارية في اليمن قد تحفز قريباً واشنطن وشركائها في الرياض على زيادة الضغط على عُمان. وفي الأسابيع الأخيرة، أطلقت الميليشيات الحوثية صواريخ باليستية على السعودية شملت هجمات صاروخية على مطار الرياض الدولي. وتعتقد إدارة ترامب أن إيران قامت بتهريب هذه الصواريخ إلى الحوثيين، وبينما لم تَتَهِم عُمان علناً بضلوعها في عملية النقل، يبدو أن السُحب بدأت تتكون وتلف العلاقة بين البلدين.