جورجيو كافييرو - إنسايد أرابيا- ترجمة شادي خليفة -
استهدف هجوم بسيارة مفخخة في السادس من ديسمبر/كانون الأول الجاري، مركزا للشرطة في مدينة "جابهار" الساحلية، الواقعة في إقليم "سيستان وبلوشستان" المضطرب جنوبي شرق إيران، مما أسفر عن مقتل 4 أشخاص وإصابة 42 شخصا على الأقل.
وأعلنت جماعة تدعى "أنصار الفرقان" مسؤوليتها عن هذا الهجوم، واتهم وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" ما سماها "أطرافا خارجية" بتقديم الدعم لهذه الجماعة، مذكرا باعتقال السلطات الأمنية الإيرانية لمجموعة من العناصر الإرهابية القادمة من الإمارات العربية المتحدة عام 2010.
ونلاحظ هنا أن مثل هذا النمط من هجمات الجماعات المسلحة أصبح شبه متكرر مقارنة بفترات سابقة، وهو ما يضع الجمهورية الإسلامية في مواجهة تهديدات جدية من مجموعات تعتنق الفكر السلفي الجهادي، في وقت يواجه فيه الوضع الداخلي مزيدا من التحديات الأمنية، فعقب 6 أيام فقط من هجوم 22 من سبتمبر/أيلول الماضي على عرض عسكري في محافظة خوزستان، والذي أسفر عن سقوط 29 قتيلا، أعلنت قيادة الحرس الثوري عن قتل 4 "إرهابيين" في تبادل لإطلاق النار في مدينة سارافان الواقعة في إقليم سيستان وبلوشستان قرب الحدود المشتركة مع باكستان.
وعلى المستوى الاجتماعي، ولأسباب عديدة، وعلى رأسها التحديات الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية، تصاعدت على مدار الأعوام السابقة شكاوى السكان المحليين في الإقليم، وتدور أغلبها حول ما يرونه تمييزا طائفيا وتهميشا يتعرضون له داخل الجمهورية الإسلامية، ومن هذه الشكاوى ما يتعلق بالخدمات الحكومية، مثل الشكوى من ندرة مياه الشرب.
وفي أوقات سابقة تعرضت مناطق في الإقليم لعواصف رملية، مما أسفر حينها عن توقف كامل لكافة الخدمات الحكومية بما فيها المدارس.
علاوة على ذلك، تتكرر في كافة أنحاء الإقليم اشتباكات بين قوات الحرس الثوري ومجموعات مسلحة مثل "جيش العدل" و"جند الله"، مما أدى الى تفاقم المشكلات الأمنية في كافة المناطق المتاخمة للحدود، خاصة أذربيجان الشرقية وخوزستان وكردستان، وهي مناطق ألقى نظام الجمهورية الإسلامية بثقله الأمني فيها لفترة طويلة من أجل قمع التمردات العنيفة التي ظهرت فيها، بل وحتى التظاهرات السلمية.
الرابط الخليجي
وفي ما يتعلق بالعلاقات السعودية الإيرانية، فقد أضاف ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، العام الماضي، زخما جديدا للاحتكاكات الدائمة بين بلاده وإيران، بعد تصريحاته حول أن أي مواجهات عسكرية بين السعودية وإيران سوف تكون الأراضي الإيرانية مسرحها، وأشار المسؤولون الإيرانيون إلى هذا التصريح كثيرا في معرض اتهاماتهم للرياض بالضلوع في هجوم 22 سبتمبر/أيلول في الأحواز.
وفي نفس السياق، يستند النظام الحاكم في طهران إلى حد كبير في قراءته للعنف المتصاعد في إقليم "سيستان وبلوشستان" إلى صلات "قد تكون حقيقية أو مصطنعة" بين العناصر المناهضة للشيعة في المحافظات ذات الأغلبية السنية وبين حكومات إقليمية ودولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية و الإمارات، وساهمت الصلات الوثيقة بين قومية البلوش ودول الخليج العربي في إضفاء مزيد من الزخم لوجهة نظر نظام طهران، التي تشير إلى شبكات إرهابية مدعومة من الرياض وأبوظبي، تمارس أنشطتها في إقليم سيستان وبلوشستان.
وسواء كانت طبيعة التحالف المزعوم بين السعودية والإمارات من جهة، والبلوش في إيران من جهة أخرى واضحة أم لا، إلا أن تعدد محاولات فهم حقيقة هذه الطبيعة قد أشعل سيلا من المناقشات والروايات حول علاقة البلدين بالميليشيات المناهضة للشيعة في إقليم سيستان وبلوشستان.
ورغم عدم وجود أدلة واضحة على أي دعم من إدارة الرئيس الأمريكي "ترامب" وحلفائه المقربين في الخليج للميليشيات في سيستان وبلوشستان، في إطار سياساتهم المعلنة في مواجهة إيران، إلا أن الرياض رأت دائما أن استغلال التوترات الطائفية في هذا الإقليم يمثل أحد الخيارات المحتملة في مواجهة طهران.
وفي عام 2017، كتب المحلل الإيراني "محمد حسن حسين بور"، الذي ينحدر من أصول بوشية، تقريرا لمركز "الخليج العربي للدراسات الإيرانية" ومقره في السعودية، دعا فيه إلى اتخاذ "إجراءات مضادة" من جانب المملكة تجاه التطلعات الإيرانية للنفوذ الإقليمي، تعتمد في الأساس على التحالف بين الرياض وقومية البلوش في إيران، مضيفا: "بالتأكيد سيكون تحديا هائلا، إن لم يكن مستحيلا، أن تتمكن الحكومة الإيرانية من حماية هذه المسافات الطويلة، وتأمين ميناء جابهار ذي الأهمية الجيوستراتيجية، في مواجهة المعارضة البلوشية واسعة الانتشار، خاصة إذا كانت هذه المعارضة مدعومة من دول إقليمية مناهضة لإيران ومن قوى عالمية.
وفي وقت نشر هذه الدراسة، كانت العناصر المسلحة الموالية للسعودية تتلقى بشكل دائم دعما ماليا من المملكة عبر المدارس الدينية السنية المحافظة المناهضة للشيعة، أو المعاهد الدينية في بلوشستان.
وتشهد الحدود المشتركة بين إيران وباكستان أنشطة للمسلحين السنة، تساهم في زعزعة استقرار المناطق الشرقية في إيران، تزامنا مع عدد من المصاعب الاقتصادية التي تمثل ضغطا متزايدا على نظام الجمهورية الإسلامية، كما يظهر جليا في سلسلة من الاحتجاجات التي ضربت البلاد خلال عامي 2017 و2018. وفي ظل وجود ولي العهد السعودي على رأس السياسة الخارجية للسعودية، يكون من الصعب جدا تجاهل استفادة الرياض المحتملة من أي توتر إضافي في استقرار إقليم سيستان وبلوشستان، بالنظر إلى المخاوف الجيوسياسية للمملكة حيال ما يوفره ميناء جابهار من تقوية وتعزيز لموقع طهران الاستراتيجي في الخليج العربي، وغرب آسيا، والمحيط الهندي.
ولا يوجد أدنى شك أن الاضطرابات العنيفة في سيستان وبلوشستان ستؤثر بالسلب على آفاق تحول ميناء جابهار إلى أيقونة نجاح إيرانية.
ومن وجهة نظر المملكة، تمثل فكرة بث خلاف بين كل من إيران والهند أولوية كبيرة، بهدف منع أي فرصة لإقامة علاقات وثيقة بين البلدين في قطاع الطاقة. وبالطبع ستتولد لدى الرياض رهانات كبيرة حول القرارات المستقبلية لنيودلهي عندما ينتهي الإعفاء المؤقت الذي منحته الولايات المتحدة لبعض الدول من الالتزام بالعقوبات الأمريكية على طهران.
وفي هذا الإطار، يرى السعوديون أن النمو المحتمل للتجارة المشتركة بين الهند وإيران في قطاع الطاقة يشكل تهديدا خطيرا، نظرا لأن الاقتصاد الهندي في هذه الحالة يتيح لإيران فرصا للالتفاف على العقوبات الأمريكية.
الرؤية الأمريكية
ويضاف إلى ما سبق، المشروع الذي أعده مستشار الأمن القومي في الإدارة الأمريكية الحالية، "جون بولتون"، بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، بناء على طلب من "ستيف بانون"، مستشار "ترامب" السابق، ويدعو هذا المشروع واشنطن الى دعم "المعارضة الديمقراطية الإيرانية" في سيستان وبلوشستان، بالإضافة إلى بلوشستان الباكستانية الواقعة على الجانب الأخر من الحدود.
ودعا المشروع الإدارة الأمريكية لزيادة دعمها للعناصر المناهضة للنظام في المناطق الكردية الواقعة في الأراضي الإيرانية، وهي مناطق قام الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران بتنفيذ العديد من الهجمات فيها مؤخرا.
وحدثت هذه الهجمات في خضم مناقشات بين الأطراف الكردية حول استراتيجيات التوحد ضد النظام في طهران. ومؤخرا، قام "جون بولتون"، في خطابه الذي ألقاه في مؤتمر قمة التوحد ضد إيران النووية، الذي تم عقده في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتصعيد الخطاب بشكل ملحوظ ضد القيادة الإيرانية، مصرحا: "لدى آيات الله قرار لاتخاذه، فلقد أسسنا طريقا نحو مستقبل زاهر ومشرق لكل إيران، وهذا هو ما يستحقه الشعب الإيراني، الذي رزح لأعوام طويلة تحت ظل حكم النظام الاستبدادي".
ومن المرجح أن تستمر العلاقات الأمريكية الإيرانية في التدهور، خاصة بعد قيام إدارة "ترامب" بإعادة فرض العقوبات التي رفعتها إدارة "أوباما" السابقة عن إيران بعد الاتفاق على خطة العمل المشتركة.
وبينما تستمر هذه الإدارة في عزل واشنطن عن حلفائها في حلف "الناتو"، إلى جانب روسيا والصين، في ما يتعلق بملف إيران النووي، فإنها تبدو أكثر انسجاما في رؤيتها للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه إيران مع النظرة السعودية لطهران.
حيث ينظر الرئيس الأمريكي ودائرته المحيطة الى التهديد الإيراني من وجهة النظر السعودية، ولقد فهمت طهران ردود فعل "ترامب" ومندوبته السابقة في الأمم المتحدة "نيكي هايلي" على هجوم سبتمبر/أيلول في الأحواز على أنها موافقة ضمنية ترقى إلى مرتبة الموافقة الصريحة على استهداف المسلحين للنظام الإيراني.
ورغم طبيعة وحقيقة العلاقات بين الولايات المتحدة والحكومة السعودية مع الجماعات المناهضة للنظام الإيراني في سيستان وبلوشستان تبقي غير واضحة المعالم، بيد أن كبار المسؤولين في واشنطن والرياض وأبوظبي، يتطلعون على الأقل إلى مثل هذا التحالف مع هذه الجماعات المسلحة السنية في الإقليم الإيراني، وهي جماعات من الممكن استخدامها كوسيلة لإضعاف الجمهورية الإسلامية وزعزعة استقرارها، من أجل إجبار طهران على تكريس المزيد من الموارد والجهود للشأن الداخلي، على حساب مغامراتها التوسعية إقليميا ودوليا.