كيفين نيوتن - معهد الشرق الأوسط-
على مدى الأشهر القليلة الماضية، كانت هناك "مغازلة" محرجة بين العراق وجارتيه الأكثر استقطابا، حيث تحاول كل من طهران والرياض إقناع بغداد بمزايا البقاء ضمن مدارها.
وبينما يشير الجانبان إلى نقاط مقنعة، فإن الحقيقة هي أن العراق سعيد للغاية بالوقوف في الوسط بين القوتين الإقليميتين، حيث يقيم علاقات جيوسياسية واقتصادية معهما معا.
وفي الواقع، قد يكون ذلك أفضل فرصة لظهور نوع من التماسك في البلاد وتقليل الخلافات الداخلية بين الفصائل العراقية القومية منها والشيعية.
تنافس ثنائي
وكانت المملكة العربية السعودية تتقدم بشكل خاص في جهودها لإقامة علاقات أوثق مع العراق، ولأكثر من عقد من الزمن، سعت المملكة إلى تغيير علاقتها مع جارتها الشمالية.
وفي هذا التواصل، يمكن للسعوديين أن يبنوا على معارضتهم الصوتية للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، كما أن لديهم الكثير ليقدموه كذلك.
وإلى جانب مليار دولار من القروض وغيرها من المساعدات، فقد وعدوا بإنفاق ما يقرب من 500 مليون دولار لتعزيز التجارة بين البلدين، وافتتحت المملكة مؤخرا قنصلية في بغداد، تسمح للعراقيين بالتقدم للحصول على تأشيرات في العراق بدلا من زيارة عمان لهذا الغرض، وقد وعدت الرياض بفتح 3 قنصليات أخرى في الأشهر المقبلة.
وكان العراق حريصا على الرد على هذه العروض، حيث قام رئيس الوزراء "عادل عبدالمهدي" بزيارة إلى الرياض مؤخرا لإجراء محادثات مع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان".
ولا يعني هذا أن السعودية في طريقها للتفوق على إيران في العراق، وقد ناضلت طهران جاهدة للحفاظ على العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع العراق، على الرغم من تأثير العقوبات الأمريكية على اقتصادها.
ولقد حققت الكثير من ذلك من خلال اتفاقيات تجارية متبادلة، وتبلغ قيمة التجارة الحالية بين البلدين نحو 12 مليار دولار في العام، وتهدف بغداد وطهران إلى زيادة ذلك إلى أكثر من 20 مليار دولار.
وللقيام بذلك، ركزت إيران على بناء علاقات تجارية ويوجد خط سكة حديد جديد يربط بين جنوب إيران ومدينة البصرة العراقية في طريقه للعمل، بينما سيتم استئناف بناء خط يربط الموانئ السورية الساحلية ببغداد وطهران بعد أعوام من الحرب الأهلية.
ويأتي هذا في وقت حرج بالنسبة لإيران، حيث تعني الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة فيما يتعلق بكل من الحرس الثوري والإعفاءات من العقوبات المفروضة على مشتريات الخام الإيراني أنه من الضروري لإيران أن تبقي أصدقاءها على مقربة.
وتخاف إيران من احتمال أن تتعرض القوى المعارضة لها لمصالحها، وستستفيد من نفوذها الكبير في بغداد لضمان عدم حدوث ذلك، لكن العلاقة بعيدة عن أن تكون من جانب واحد؛ حيث يبدو أن العراق ملتزم بالحفاظ على العلاقات كذلك، وقد سعى إلى زيادة مشتريات الطاقة من إيران خلال الشهر الماضي.
وبالنسبة للسعودية وإيران، فإن مزايا إقامة روابط أوثق مع العراق تتجاوز بكثير الأموال التي قد يتم جنيها من زيادة التجارة؛ أولا، لا يمكن التقليل من شأن الاتجاه الصعودي المتمثل في حرمان منافس إقليمي رئيسي من السوق العراقي الكبير.
ومع ذلك، قد يكون الفوز الأكبر هو ادعاء النصر الجيوسياسي على الطرف الآخر، وهنا يعد العراق ساحة معركة أخرى في الحرب الباردة الأوسع بين القوتين الإقليميتين.
وتبقى مسألة تحديد ما إذا كانت الشيعة أو القومية العربية هي العامل الأكثر أهمية في العراق هي السؤال الذي تسعى لإجابته كل من المملكة العربية السعودية وإيران عببر سياستهما الخارجية.
في الوسط
لكن بالنسبة للعراق، من المهم للغاية الحفاظ على مكانها وسط القوتين الإقليميتين، فببساطة، هناك الكثير لتخسره إذا قررت الاختيار بين الدولتين.
ومن شأن الانجراف نحو إيران أن ينفر العرب السنة وبالمثل، فإن التحرك نحو السعودية قد يحرض شيعة العراق، الذين يشككون في تعامل المملكة مع الشيعة.
ويجب أن نذكر أن الأكراد لا يثقون في أي من الجانبين، لكنهم يشعرون بأنهم أقرب إلى السعوديين، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى معارضة الرياض لتوجهات أنقرة العثمانية الجديدة.
وفي حين أن مجرد الخروج وتشكيل مسار مستقل عن القوتين قد يكون أمرا مغريا، لكن الحقيقة هي أن العراق، على الأقل في الوقت الحالي، يفتقر إلى المؤسسات أو الشخصيات السياسية اللازمة لجعل هذه الخطوة ممكنة، وبدلا من ذلك يبقى العراق خاضعا للضغط من قبل جيرانه.
وفي الحقيقة، يعترف العراقيون ضمنيا بذلك، وفي الشهر الماضي، دعت بغداد أعضاء الحكومتين الإيرانية والسعودية لحضور قمة سعت إلى التأكيد فيها على رغبة العراق في تحقيق الرخاء من خلال العمل بين الدولتين.
وإذا كان للعراق فرصة للاستقرار، فيجب عليه إيجاد طريقة لإدارة العلاقات مع كل من إيران والسعودية، وقد يثبت ذلك التحدي أنه الأصعب للجميع، لا سيما بالنظر إلى المناخ الإقليمي الحالي.
وتتمتع إيران بنفوذ كبير في العديد من طبقات المجتمع العراقي، حيث يمتلك قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، "قاسم سليماني"، تأثيرا سياسيا كبيرا في بغداد.
وفي الوقت نفسه، تحتاج بغداد بشكل ماس إلى الاستثمار، حيث تسعى لإعادة بناء البلاد وتقليل اعتمادها الاقتصادي على طهران، ويمكن للرياض أن تلعب دورا رئيسيا في ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، وبشكل أكثر واقعية، يمكن للسعوديين أن يساعدوا حرفيا في إبقاء الأنوار مضاءة في العراق، الأمر الذي يجعل الجميع سعداء، خاصة مع اقتراب الصيف.
ولكي ينجح العراق، من الضروري أن يحقق التوازن بين الجانبين، على الرغم من أن هذا لن يكون سهلا، ويبدو أنه يزداد صعوبة كل يوم مع استمرار التوترات في الخليج.