فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
تخوض المملكة العربية السعودية، في هذه الأيام، تحديات غير مسبوقة، ارتفعت بفعل النيران الحوثية إلى مستوى التهديدات الوجودية، مع اقتراب الصواريخ من قلب المملكة، وسخونة الوضع الإقليمي بين إيران من جهة والولايات المتحدة والتحالف العربي من جهة أخرى، وهو ما يزيد من التوتر، ويلقي الضغوط على صانع القرار، الذي يسير تحت أفق مشتعل بالنار داخليًا، وفوق بحر سيال بالدماء خارجيًا.
غامر ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، طوال سنوات خمس ماضية، بكل النفوذ السعودي المتحقق في حربه الجنونية على اليمن، وباتت المملكة مهددة بفقدان ما تبقى من تأثير في محيطها تمامًا، بعد عقود طويلة من بناء دور، تكلف ما لا يحيط به الحصر من المال.
الكارثة أن الحفاظ على دور السعودية في المنطقة، كان أصعب كثيرًا من تقديمها لمحيطها كقوة إقليمية، وهذا ما سقط من حسابات المخططين بالمملكة، فباتت الأخبار والتقارير السلبية عن كل ما يدور بالمملكة وما يحيط بها، مادة أساسية في الإعلام العربي –القطري خصوصًا- والعالمي، المنزعج من استمرار حرب اليمن، والرافض بشدة لتورط غربي في مواجهة إيران.
الحقيقة التي ينبغي أن نقولها لأنفسنا، بثقة وشجاعة، أن الدور السعودي تراجع وخسر كثيرًا، بفعل الرعونة الشديدة في التعامل مع الملفات الإقليمية، فالدول على مسرح العالم، مثلها مثل الأشخاص على مسرح الحياة، تغازلها أحلام القوة والمجد والنفوذ، وقد تتلاعب بها أوهام العظمة، الفيصل بين الصعود إلى الحلم أو السقوط أسيرة للوهم خط فاصل دقيق يدعى القيادة الرشيدة، التي تستطيع إبقاء كل التصرفات في دائرة التعقل أو الممكن تحقيقه، توازن بين التكلفة والعائد إن أرادت ممارسة دور إقليمي أو عالمي.
الخطورة التي يحملها المستقبل للمملكة، بشكلها الذي تأسست عليه، هو أن الفاعلين الدوليين كافة يبتعدون عن السعودية في أي حديث يخص مستقبل الشرق الأوسط، لم يعد الرهان على الدولة العربية الأهم والأغنى والأكثر هدوءاً، بل ذهب الرهان بعيدًا إلى دول أخرى، وآخر صفعة في هذا الإطار كان مخطط طريق الحرير الجديد، الذي يتجاوز المملكة تمامًا، ويذهب إلى تهميشها بالكلية.
الصين القائدة الجديدة للعالم، والتي أثبتت خلال أزمة هواوي الأخيرة، قدرة ومرونة هائلتين، تدخل المنطقة من بوابة التنمية الاقتصادية، والمشاركة الواسعة مع الأطراف المحلية، أعلنت الشهر الماضي، عن مخططات طموحة للغاية لمستقبل حركة التجارة عبر كل دول الشرق الأوسط، ووضعت حلم طريق الحرير الجديد موضع التنفيذ فعلًا.
الصين تستهدف من خلال "طريق الحرير"، إلى الحلول محل "عالم الدولار"، وتقليل السيطرة الأميركية على اقتصاد العالم، من خلال إعادة إحياء الطرق البرية والبحرية الواصلة من الصين إلى أوروبا، والمارة بالشرق الأوسط، اعتمادًا على موقعها الجديد كأكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم، وصاحبة الاقتصاد الأول والأكثر نموًا، وفي تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أكتوبر/تشرين الأول 2017، فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين يبلغ 23.19 ترليون دولار، فيما يبلغ نظيره الأميركي 19.41 ترليون دولار فقط، وتبلغ قيمة الاحتياطي الصيني نحو 3 ترليونات دولار، كما أنها تحقق مليارات الدولارات شهريًا من فائض ميزانها التجاري مع دول العالم.
تخطط الصين لمضاعفة تجارتها مع الدول العربية من 240 مليار دولار، حاليًأ، إلى 600 مليار دولار، وتستهدف رفع رصيدها من الاستثمار غير المالي في الدول العربية من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار، بالإضافة إلى الوصول بحجم تجارتها مع إفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول العقد المقبل فقط.
إيران والعراق وسوريا على رأس قائمة المستفيدين الأكبر، والسكك الحديدية التي أعلنت الدول الثلاث عن إقامتها ووصلها تضمن لهم مرتبة متقدمة على قائمة الأولويات الصينية، والتي أصلًا ترغب في عبور الطريق المفتوح من طهران إلى بغداد ثم دمشق، وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، وفي هذه المخططات الطموحة، فإن الدور السعودي والموقع خارج إطار اللعبة القادمة.
المصلحة الأهم حاليًا للمملكة، والتي يتعلق بها المستقبل ذاته، هي مصالحة واسعة مع كل الأعداء في المنطقة، اليمن وقطر وسوريا، وعودتها للسياسة الهادئة، التي تشبه سياسة "صفر مشاكل"، والتي اتبعتها تركيا خلال مطلع الألفية، وتمكنت بها من التغلغل بهدوء في الشرق الأوسط، وخلق دور جديد لها من العدم.
المملكة خارج "طريق المستقبل".. الا اذا..!
فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
تخوض المملكة العربية السعودية، في هذه الأيام، تحديات غير مسبوقة، ارتفعت بفعل النيران الحوثية إلى مستوى التهديدات الوجودية، مع اقتراب الصواريخ من قلب المملكة، وسخونة الوضع الإقليمي بين إيران من جهة والولايات المتحدة والتحالف العربي من جهة أخرى، وهو ما يزيد من التوتر، ويلقي الضغوط على صانع القرار، الذي يسير تحت أفق مشتعل بالنار داخليًا، وفوق بحر سيال بالدماء خارجيًا.
غامر ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، طوال سنوات خمس ماضية، بكل النفوذ السعودي المتحقق في حربه الجنونية على اليمن، وباتت المملكة مهددة بفقدان ما تبقى من تأثير في محيطها تمامًا، بعد عقود طويلة من بناء دور، تكلف ما لا يحيط به الحصر من المال.
الكارثة أن الحفاظ على دور السعودية في المنطقة، كان أصعب كثيرًا من تقديمها لمحيطها كقوة إقليمية، وهذا ما سقط من حسابات المخططين بالمملكة، فباتت الأخبار والتقارير السلبية عن كل ما يدور بالمملكة وما يحيط بها، مادة أساسية في الإعلام العربي –القطري خصوصًا- والعالمي، المنزعج من استمرار حرب اليمن، والرافض بشدة لتورط غربي في مواجهة إيران.
الحقيقة التي ينبغي أن نقولها لأنفسنا، بثقة وشجاعة، أن الدور السعودي تراجع وخسر كثيرًا، بفعل الرعونة الشديدة في التعامل مع الملفات الإقليمية، فالدول على مسرح العالم، مثلها مثل الأشخاص على مسرح الحياة، تغازلها أحلام القوة والمجد والنفوذ، وقد تتلاعب بها أوهام العظمة، الفيصل بين الصعود إلى الحلم أو السقوط أسيرة للوهم خط فاصل دقيق يدعى القيادة الرشيدة، التي تستطيع إبقاء كل التصرفات في دائرة التعقل أو الممكن تحقيقه، توازن بين التكلفة والعائد إن أرادت ممارسة دور إقليمي أو عالمي.
الخطورة التي يحملها المستقبل للمملكة، بشكلها الذي تأسست عليه، هو أن الفاعلين الدوليين كافة يبتعدون عن السعودية في أي حديث يخص مستقبل الشرق الأوسط، لم يعد الرهان على الدولة العربية الأهم والأغنى والأكثر هدوءاً، بل ذهب الرهان بعيدًا إلى دول أخرى، وآخر صفعة في هذا الإطار كان مخطط طريق الحرير الجديد، الذي يتجاوز المملكة تمامًا، ويذهب إلى تهميشها بالكلية.
الصين القائدة الجديدة للعالم، والتي أثبتت خلال أزمة هواوي الأخيرة، قدرة ومرونة هائلتين، تدخل المنطقة من بوابة التنمية الاقتصادية، والمشاركة الواسعة مع الأطراف المحلية، أعلنت الشهر الماضي، عن مخططات طموحة للغاية لمستقبل حركة التجارة عبر كل دول الشرق الأوسط، ووضعت حلم طريق الحرير الجديد موضع التنفيذ فعلًا.
الصين تستهدف من خلال "طريق الحرير"، إلى الحلول محل "عالم الدولار"، وتقليل السيطرة الأميركية على اقتصاد العالم، من خلال إعادة إحياء الطرق البرية والبحرية الواصلة من الصين إلى أوروبا، والمارة بالشرق الأوسط، اعتمادًا على موقعها الجديد كأكبر مصدر وثاني أكبر مستورد في العالم، وصاحبة الاقتصاد الأول والأكثر نموًا، وفي تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي أكتوبر/تشرين الأول 2017، فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين يبلغ 23.19 ترليون دولار، فيما يبلغ نظيره الأميركي 19.41 ترليون دولار فقط، وتبلغ قيمة الاحتياطي الصيني نحو 3 ترليونات دولار، كما أنها تحقق مليارات الدولارات شهريًا من فائض ميزانها التجاري مع دول العالم.
تخطط الصين لمضاعفة تجارتها مع الدول العربية من 240 مليار دولار، حاليًأ، إلى 600 مليار دولار، وتستهدف رفع رصيدها من الاستثمار غير المالي في الدول العربية من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار، بالإضافة إلى الوصول بحجم تجارتها مع إفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول العقد المقبل فقط.
إيران والعراق وسوريا على رأس قائمة المستفيدين الأكبر، والسكك الحديدية التي أعلنت الدول الثلاث عن إقامتها ووصلها تضمن لهم مرتبة متقدمة على قائمة الأولويات الصينية، والتي أصلًا ترغب في عبور الطريق المفتوح من طهران إلى بغداد ثم دمشق، وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، وفي هذه المخططات الطموحة، فإن الدور السعودي والموقع خارج إطار اللعبة القادمة.
المصلحة الأهم حاليًا للمملكة، والتي يتعلق بها المستقبل ذاته، هي مصالحة واسعة مع كل الأعداء في المنطقة، اليمن وقطر وسوريا، وعودتها للسياسة الهادئة، التي تشبه سياسة "صفر مشاكل"، والتي اتبعتها تركيا خلال مطلع الألفية، وتمكنت بها من التغلغل بهدوء في الشرق الأوسط، وخلق دور جديد لها من العدم.