حسين صالح السبعاوي- الخليج أونلاين-
انشغل أغلب الكتاب والباحثين، اليوم، في سياسة التخادم بين أمريكا وإيران في المنطقة، وهذا ما ذكرناه قبل سنوات؛ بأن لا صراع ولا صدام بين أمريكا وإيران، وأن كل ما يجري بينهما هو مجرد حرب كلامية إعلامية، أحدهم يستخدم التقية في هذه الحرب المزعومة في حين يستخدم الآخر الكذب والخداع للعالم العربي من خلال مفردات رنانة تحمل عدة معانٍ في طياتها مع إخراج هوليوودي جيد استطاع أن يخدع المتابع العربي.
ومع كل هذه التقية من جهة، والكذب المنمق من الجهة الأخرى، أصبح المتابع العربي مدركاً بأن لا صراع بين أمريكا وإيران في المنطقة، بل هي سياسة تخادم بينهما، وهذا الفهم لم يقتصر على الباحث والمفكر العربي بل لدى عموم المواطنين العرب، وخاصة مواطني دول الخليج.
لكن ما لم يتكلم به الباحثون والنخب العربية هو عن سياسة التخادم السعودي الإماراتي من جهة، وإيران من جهة أخرى، علماً أن سياسة التخادم بين هذه الأنظمة قد مضى عليها سنين طويلة، وربما لم ينتبه لها المواطن العربي بسبب انشغاله بالحرب الكلامية بين أمريكا وإيران وسياسة التخادم بينهما، وأيضاً بسبب ما تدعيه الولايات المتحدة من أن دول الخليج هم حلفاؤها الاستراتيجيون.
الحرب الكلامية بين السعودية وإيران هي كذلك مجرد حرب إعلامية، ومن أهم مفرداتها أن السعودية تمثل (العالم السني)، وإيران تمثل (الشيعة)، وهنا اشتبكت الأمور واختلطت الأوراق على المواطن العربي، لكن في حقيقة الأمر أن ما بين هذه الأنظمة من مصالح وتوافق وتخادم هو أكبر بكثير مما بينهم من خلاف مزعوم.
ولكي لا أشغل القارئ بالتحليلات وأذهب به بعيداً سوف أسرد أهم النقاط المشتركة في سياسة التخادم بين السعودية والإمارات من جهة، وإيران من جهة أخرى:
1. دعم السعودية لحلفاء إيران في المنطقة مثل العراق وبشار وبعض المليشيات الكردية في سوريا (قسد)، وجميع هؤلاء مدعومون من إيران أيضاً.
2. جميع هذه الأنظمة المتخادمة تحارب الديمقراطية والحريات في الدول العربية، وخاصة ثورات الربيع العربي.
3. أكبر جالية إيرانية موجودة في الإمارات العربية، مع أكبر حجم تبادل تجاري بينهما في دول الخليج، والبالغة أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً.
4. كلاهما اتفق وتعاون مع الأمريكيين في احتلال العراق سنة 2003.
5. كلاهما دعما الانقلاب على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي رحمه الله.
6. كلاهما لم يدخل في أي حرب مباشرة مع الكيان الصهيوني، والسعودية اليوم ذاهبة إلى التطبيع مع الصهاينة بدون أي خجل، في حين أن إيران أول من اعترف بالكيان الصهيوني سنة 1950، بعدما أعلن دولته المزعومة سنة 1948 وبقيت سياسة التخادم بينهما في سنة 1973 في حرب أكتوبر ثم فضيحة إيران كونترا في ثمانينيات القرن الماضي.
7. جميع هذه الأنظمة لم تدخل حرباً إلا مع الشعوب العربية والإسلامية.
8. إيران دعمت القاعدة وفتحت لها معسكرات تدريب، وسهلت لهم الدخول إليها والخروج إلى الدول الأخرى، وكما هو معلوم بأن القاعدة تحمل فكراً سلفياً تكفيرياً لا تلتقي مع الشيعة الاثنا عشرية في إيران، بل يكفّر بعضهم بعضاً.
9. كلا النظامين يعتبران من الأنظمة الثيوقراطية التي تحكم باسم الدين أو باسم الله تعالى.
10. كلاهما تعاونا مع أمريكا في احتلال أفغانستان وتدميرها.
جميع هذه النقاط، التي لا يختلف عليها أحد، ضمن سياسة التخادم بينهما، وهناك نقاط أخرى فرعية لا داعي لذكرها ضمن سياسة التخادم بينهما، فكيف نصدق بأن هناك صراعاً بين السعودية والإمارات من جهة، وإيران من جهة أخرى؟!
لهذا السبب لا يمكن مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة مع وجود هذه الأنظمة المتخادمة مع إيران. أعتقد أن هناك سبباً واحداً لحدوث الصراع الفعلي بين إيران من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، وهو إذا بدأت إيران المعركة وأنهت هذا التخادم بينهما، وهنا سيكون الخاسر الأكبر هو دول الخليج عموماً وخاصة الدول الصغيرة المحاذية لإيران.
هذا السيناريو ممكن؛ لأنه معروف عن إيران نقض الاتفاقات والعهود حال تمكنها وتغيير الظروف لديها، وهذا أيضاً يشمل الولايات المتحده في تخليها عن حلفائها العرب وقد بانت بوادره من خلال تعامل ترامب معهم، وإهاناته المتكررة لهم، على خلاف تعامله مع إيران، ولهذا أعتقد أن الظروف مهيأة لمثل هذا السيناريو.