الخليج أونلاين-
يدان ممدودتان تتعانق كفاهما في هيئة مصافحة، يشير تشابك الأصابع بقوة إلى وجود رغبة لدى صاحبيهما في إقامة علاقة قوية، في حين توحي الابتسامة التي رسمت على وجهيهما، ونظرة كل واحد منهما إلى كاميرات الصحفيين، إلى وجود ثقة كبيرة لبدء فصل جديد.
ذلك الشرح المختصر لصورة انتشرت، الثلاثاء (30 يوليو الجاري)، عبر وسائل الإعلام، معلنة الحدث الأبرز في ذلك اليوم، بلقاء جمع قائد قوات حرس الحدود الإيراني، العميد قاسم رضائي، وقائد قوات خفر السواحل الإماراتي، العميد محمد الأحبابي، بعد سنوات من توتر العلاقة.
وقالت وسائل إعلام محلية تابعة للدولتين: إن اللقاء جاء "لبحث سبل توسيع العلاقات الدبلوماسية، وتعزيز أمن الحدود بين البلدين".
التعريف بمناسبة اللقاء بحسب ما صدر عن الجهات الرسمية المسؤولة لوسائل الإعلام ليس مقنعاً إذا ما قورن بما ظهر في الصورة التي جمعت القائدين، وهذا ما تأكد في اليوم التالي؛ إذ كانت أسئلة الصحفيين في إيران تركز على هذا اللقاء.
حيث تحدث وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، مبدياً رغبة بلاده في إقامة علاقات جيدة مع الإمارات وبلدان خليجية أخرى، في حين أعلن مدير مكتب الرئيس الإيراني، محمود واعظي، أن أبوظبي ترغب بالتواصل مع طهران.
هذا التغيير في النهج الإماراتي يأتي بعد أن بلغ التشنج والتوتر بين طهران وأبوظبي أشدهما في السنوات القليلة الماضية، خاصة مع تأزم العلاقات الإيرانية-السعودية؛ على إثر الاعتداء على البعثة الدبلوماسية للمملكة في إيران، عام 2016، ودخول الإمارات في الحرب باليمن إلى جانب السعودية لمقاتلة مليشيا الحوثيين، في حين يتلقى الحوثيون دعماً إيرانياً.
فضلاً عن ذلك فإن الإمارات إلى جانب السعودية والبحرين تعتبر من البلدان المؤيدة بشدة للوجود الأمريكي في الخليج؛ وذلك لصد النفوذ الإيراني الذي تعده هذه البلدان مصدر خطر في المنطقة.
ولا ينبع هذا الخوف فقط من تمكن إيران عسكرياً؛ بل أيضاً من وجود نسبة كبيرة من مواطني هذه البلدان يؤمنون بولاية الفقيه، التي تعتبر أساس العقيدة لدى مجموعة كبيرة من الشيعة.
وتتبنى حكومة إيران معتقد ولاية الفقيه، ما يجعلها محل استقطاب من الشيعة في بلدان عدة، يصل إلى حدّ الاتباع والولاء لإيران على حساب بلدانهم، وهو ما أعلنه مواطنون في عدة بلدان عربية، منهم قادة مليشيات عراقية.
الصورة لم تكن الأولى
الصورة التي جمعت القائدين المبتسمين لم تكن أول خطوة في طريق التراجع الإماراتي عن التصريحات الانفعالية والتهديدات الرنانة التي أطقلها مسؤولوها طوال الفترة الماضية.
ففي 26 يونيو الماضي، تراجعت أبوظبي عن تلميحاتها إلى تورط إيران في الهجوم الذي استهدف ناقلات بميناء الفجيرة، خصوصاً بعد تصعيد حدة التصريحات الإيرانية تجاه المتعاونين مع واشنطن.
في ذلك اليوم قال وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، إن بلاده لا يمكن أن تحمّل أي دولة مسؤولية الهجمات الأخيرة على ناقلات النفط؛ لعدم كفاية المعلومات.
وأضاف بن زايد في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في العاصمة الروسية موسكو: إن "هناك مناقشات أولية لتشكيل تحالف دولي بشأن الأمن البحري في الخليج".
وفيما يخص اليمن تابع الوزير الإماراتي بالقول: إن "أبوظبي تدعم جهود المبعوث الدولي لليمن"، متعهداً بالعمل مع الأمم المتحدة للوصول إلى حلّ سياسي للأزمة.
وكان حساب قناة "العربية" على موقع "تويتر" نقل، يوم 15 يونيو الماضي، تغريدة على لسان الوزير الإماراتي قال فيها إن بصمات إيران واضحة على الهجمات التي استهدفت ناقلات نفط، يوم 12 مايو الماضي.
واختفت التغريدة بعد ذلك من على موقع "تويتر". ولم يصدر عن قناة "العربية" تعقيب على السبب.
ونقل بيان نشرته وكالة أنباء الإمارات "وام"، لاحقاً، عن الوزير قوله: إن "هذه عملية منضبطة تقوم بها دولة.. ولكن إلى الآن لم نقرر أن هناك أدلة كافية تشير إلى دولة بالذات".
واستهدفت هجمات عدداً من ناقلات النفط في خليج عُمان، في يونيو الماضي، وقبله في ميناء الفجيرة الإماراتي، في مايو الماضي، ولم تسفر عن إصابات، لكنها أججت التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وتبادلت فيها الدولتان الحرب الكلامية. واتهمت واشنطن طهران بالمسؤولية عنها، الأمر الذي ينفيه الإيرانيون.
المصالح تلوي عنق القوة
التوتر في منطقة الخليج لا يصب في مصلحة دول المنطقة، هذا ما تدركه جيداً حكومات تلك الدول؛ إذ تعتبر مياه الخليج العربي وبحر عُمان ومضيق هرمز عصب الحياة لها، فمن خلال هذه المياه تنطلق ناقلات النفط إلى مختلف الدول.
إيران أثبتت أنها تستطيع قطع هذا العصب، لتشل بذلك الحياة في هذه الدول؛ خاصة عندما احتجزت مؤخراً سفينة بريطانية، وأكدت أنها لن تطلق سراحها دون تحقيق شرطها بإفراج بريطاني مقابل عن سفينة إيرانية احتجزتها بريطانيا في جبل طارق.
وهنا يطرح سؤال نفسه: هل انحنت لغة القوة للغة المال؟
على الرغم من ارتباط إيران بتعاملات تجارية كبيرة مع دول الخليج منذ سنين طويلة، لكن أعظم هذه التعاملات والتبادلات التجارية هي مع الإمارات.
في عام 2017 تصدّرت الإمارات قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران، بقيمة 13 مليار دولار تقريباً.
وتستحوذ دبي على نحو 90% من إجمالي حجم التبادل التجاري، بينما بلغت الصادرات الإيرانية نحو خمسة مليارت دولار، في حين بلغت الصادرات الإماراتية إلى إيران نحو سبعة مليارات دولار.
وبحسب المصادر الرسمية الإيرانية، فإن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران، إذ تشكل صادرتها نحو 30% من واردات إيران.
في هذا الشأن يرى كريستيان كوخ، رئيس مؤسسة مركز الخليج للأبحاث في جنيف، أن أي صراع آخر في المنطقة سيعني ضرراً اقتصادياً للجميع.
لكن كوخ أكد في تصريح سابق لـ"إذاعة صوت ألمانيا" (DW) أن "الإمارات ستتضرر بشكل خاص؛ لأنها تعتمد على التصدير وتحتاج إلى مضيق هرمز لنقل البضائع وليس النفط فقط؛ وهو ما يخشى حدوثه إن أغلقت إيران مضيق هرمز إذا تعرضت لضربة عسكرية".