باول بيلار - لوب لوغ-
يبدو أن "محمد بن زايد"، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات، قد قرر بوضوح أن سياساته الإقليمية الرئيسية لم تعمل بشكل جيد، وأن الأمر يتطلب إعادة نظر.
وبدأ "بن زايد" في سحب بلاده من المشاركة في الحرب في اليمن، ويحاول جديا تخفيف حدة المواجهة مع إيران. وتعد هذه التطورات مؤشرات مبكرة على عملية إعادة توجيه لسياسات الإمارات الحالية في المنطقة.
وتعد الإمارات واحدة من 3 دول تعتمد إدارة "ترامب" عليها في سياستها الخاصة بالشرق الأوسط، بجانب كل من (إسرائيل) والسعودية. ويمكن للإمارات تعقيد مشروع الإدارة في الشرق الأوسط إلى حد كبير إذا قررت فجأة أن تسير في اتجاه مختلف في السياسة الدولية كما فعلت في السياسة الإقليمية.
تحركات جديدة
وإذا لم تتحرك إدارة "ترامب" في نفس الاتجاه الجديد، فستكون الولايات المتحدة أكثر عزلة في الشرق الأوسط مما كانت عليه قبل تحركات "بن زايد". وبالنسبة للشريكين المتبقيين، لا يمكن للمرء أن يستبعد حدوث تحولات مماثلة من قبل ولي عهد السعودية وحاكمها الفعلي، "محمد بن سلمان".
ولا يمكن لـ "بن سلمان" إخراج المملكة بسهولة من الحرب اليمنية، التي هي في الأساس من بنات أفكاره، كما تخرج الإمارات نفسها الآن. لكنه يواجه بعض النكسات والتحديات نفسها التي أجبرت الإمارات على الانسحاب، وهو يواجهها الآن دون نفس القدر من الدعم من قبل صديقه "بن زايد".
وإذا قام "بن سلمان" بإصلاح السياسة السعودية وإدخال تغييرات عليها، فسوف تصبح إدارة "ترامب" وحيدة في مسارها الحالي، وستفعل كل شيء بمفردها، باستثناء شراكتها السياسية مع الحكومة اليمينية في (إسرائيل).
ولطالما كانت خطوط الصراع في الشرق الأوسط أكثر تعقيدا بكثير من الصورة التي روجت لها إدارة "ترامب"، التي تنص على أن الشيء الوحيد الذي يهم هو مواجهة إيران. وتوضح الحرب في اليمن نفسها مدى هذا التعقيد.
وقد بدأ تمرد الحوثيين هناك بسبب المظالم المحلية الراجعة إلى تدني اهتمام الحكومة المركزية بمصالح اليمنيين في الشمال الغربي. ولم تبدأ إيران النزاع، وشرعت فقط في استغلاله عبر إرسال المساعدات المادية للحوثيين، الذين واصلوا اتخاذ قراراتهم الخاصة دون ضغط خارجي، حتى عندما تعارض موقفهم مع النصائح الإيرانية. والخلاصة هنا هي أن طهران استغلت قرار "بن سلمان" المتهور بالذهاب إلى الحرب كطريقة رخيصة لاستنزاف السعوديين وشغلهم.
وفي الآونة الأخيرة ازداد التعقيد مع اندلاع القتال بين الانفصاليين الجنوبيين، الذين دعمتهم الإمارات، والقوات المتحالفة مع الرئيس المعترف به دوليا "عبد ربه منصور هادي"، حليف الرياض الذي يعيش في المنفى في المملكة. وكان من المفترض أن يكون طرفا هذه المعركة شركاء في التحالف الذي يحارب الحوثيين. وربما أدى هذا البعد الجديد من الفوضى إلى زيادة ميل "بن زايد" لإخراج الإمارات من المستنقع اليمني.
وتعرف أهداف الانفصاليين في الجنوب خطوط النزاع في اليمن اليوم بقدر ما يفعله تمرد الحوثيين. وقبل أعوام ليست بالكثيرة كان للجنوبيين بلدهم المستقل بالفعل. وكانت دولة "جنوب اليمن" هي الدولة الوحيدة التي أزيلت من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب ببساطة لأنها لم تعد موجودة بعدما اندمجت مع شمال اليمن عام 1990 لتشكيل جمهورية يمنية موحدة.
ولا يزال التهديد الإرهابي الدولي عاملا في الجنوب، مع وجود فرع لتنظيم القاعدة هناك. وتجعل التطورات الأخيرة في اليمن حق النقض الذي مارسه الرئيس "ترامب" ضد قرار الكونغرس الذي دعا إلى إنهاء تدخل الولايات المتحدة في حرب السعودية هناك يبدو أكثر سوءا.
إعادة الضبط
ويؤكد الموقف الإماراتي الأخير، الذي يهدف إلى تخفيف التوترات مع إيران بدلا من مفاقمتها، إلى أي مدى يمثل موقف إدارة "ترامب" تجاه إيران هوسا أكثر منه استراتيجية. ولا يريد الإماراتيون - أكثر من غيرهم من سكان الخليج - شن حرب في المنطقة ربما تكون لها آثار مدمرة للغاية على مصالحهم الاقتصادية والأمنية.
وكل ما تريده الإمارات هو أن تظل إيران، كمنافس إقليمي، ضعيفة ومعزولة. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الانحياز في مثل هذه المنافسات الإقليمية ليس في مصلحة واشنطن، على الرغم من أنه يصب في صالح الإمارات. لكن ما لا يخدم مصلحة الإمارات، كما أدرك "بن زايد" بوضوح، هو أن يتبع الإماراتيون المسار الأمريكي، وأن يخدموا أهداف صقور الحرب مثل "جون بولتون" عبر افتعال نزاع مسلح في الخليج.
ويبدو أن إدارة "ترامب" أخطأت حين افترضت أن دول الخليج ستكون مهووسة بمحاربة إيران بحكم التنافس التاريخي بين المعسكرين. ولا يمكن لحكام الخليج مثل "بن زايد" تحمل أن تصبح الهواجس محورا لسياساتهم الخارجية. فهم يعيشون في الجوار إلى جانب إيران في حين لا تفعل الولايات المتحدة ذلك.
ومن هنا تعد إعادة توجيه بوصلة السياسة الخارجية للإمارات نحو إشراك إيران أمرا منطقيا. وقد ارتكب "بن زايد" أخطاء بالفعل، ولكنه رجل ذكي يبدو على استعداد للاعتراف بالأخطاء وتصحيحها. وهو يدرك أن المصالح الاقتصادية والأمنية لدولة الإمارات سوف تحظى بحماية أفضل من خلال قدر من التقارب مع إيران.
وهو يدرك أيضا أن المسار الحالي لإدارة "ترامب"، الذي يعني بالمواجهة المستمرة التي لا تنتهي أبدا، لا يمكن أن يؤدي إلى أي شيء جيد. وستكون الإمارات بعد هذا التحول الآن أكثر انسجاما مع دول الخليج الأخرى، وهي الكويت وعمان وقطر، التي كانت مواقفها بالفعل مختلفة في هذا الملف.
وسيكون من الجيد بالنسبة للولايات المتحدة إذا أجرت إدارة "ترامب" نفس النوع من التعديلات التي تجريها الإمارات، ليس لأن الولايات المتحدة يجب أن تتبع "حليفها" بشكل أعمى، ولكن لأن وقائع الصراع في الشرق الأوسط تقول إنه من مصلحة الولايات المتحدة القيام بذلك.