جيمس دورسي - أوراسيا ريفيو - ترجمة الخليج الجديد-
مع استمرار المد والجزر بين الحرب والسلام في المنطقة، تتصاعد حدة التوترات في الخليج، دون أن تصل إلى درجة الحرب بين أطراف الصراع.
وتراجع الزعماء السعوديون والإيرانيون هذا الأسبوع عن حافة الهاوية، في إشارة إلى أنهم يريدون تجنب المواجهة العسكرية الصريحة، وإدارة الخلافات بدلا من الصراع.
وفي الواقع، توجد كل الأسباب الممكنة للاعتقاد بأنه لا الرياض ولا طهران لديها مصلحة راسخة في حل نهائي لمشاكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المتعددة.
ويقول مركز "أوراسيا ريفيو" الأمريكي للدراسات والبحوث، إم ما يصفها بـ"الخدعة" التي يلعبها الرجال مثل ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" والرئيس الإيراني "حسن روحاني"، هي إيجاد طريقة يمكن من خلالها التحكم في تلك المشاكل للحفاظ على التنافس المرير دون خوض حرب إقليمية مدمرة.
انهيار التحالف المناهض لإيران
وللقيام بذلك، بحسب ما يقول المركز الأمريكي في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، يبدو أن كلا الرجلين يصدران بياناتهما على خلفية سياسة الولايات المتحدة المتطورة التي تجبر المملكة العربية السعودية على إعادة التفكير في سياستها الخارجية والدفاعية المستمرة منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وتجبر إيران على البحث عن طرق لامتلاك أوراق تفاوضية.
وجاء في تغريدة لـ "مارتن إنديك"، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية، والمبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط: "لا يعد التحالف المناهض لإيران متعثرا فحسب، بل إنه ينهار. لقد ذهب (جون) بولتون، وبيبي (بنيامين نتنياهو) ذاهب، وأبرم محمد بن زايد صفقة مع إيران، وليس محمد بن سلمان ببعيد عن الركب".
وفي إشارة إلى حدوث تغيير في النغمة، التزمت السعودية بالرجوع إلى التحقيقات أولا قبل إعلان المسؤول عن هجمات الشهر الماضي على منشآت نفطية سعودية رئيسية، بعد أن كانت في السابق تسارع بإلقاء اللوم على إيران.
وفي الوقت نفسه، رحب "بن سلمان" بوجود محادثات محتملة وجها لوجه بين "دونالد ترامب" و"روحاني"، قائلا: "بالتأكيد هذا ما نطلبه جميعا".
لكن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، "عادل الجبير"، أوضح مطالب المملكة من مثل هذه المحادثات.
ودون توضيح ما إذا كانت هذه الشروط مسبقة للمحادثات، أو قضايا قد يتم مناقشتها، شملت مطالب الجبير "إنهاء تورط إيران في شؤون الدول الأخرى، ووقف الدعم للمنظمات الإرهابية، والتخلي عن سياسة التدمير والتخريب، وتجميد خطة تطوير الأسلحة النووية وبرنامج الصواريخ الباليستية".
وردا على ذلك، أصرت إيران على تجميد السعودية لمشترياتها من الأسلحة بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة، ووقف تدخلها في اليمن، وإنهاء التمييز ضد الأقلية الشيعية في المملكة.
وتعد الفرص ضئيلة للغاية لأن يقبل كل بلد شروط الطرف الآخر.
سياسة الباب المفتوح
ومع ذلك، في حين تسعى فرنسا والعراق وباكستان للتوسط، أبقى "روحاني" الباب مفتوحا لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة، التي انسحبت العام الماضي من الاتفاق الدولي لعام 2015 الذي يقيد البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية، وفرضت منذ ذلك الحين عقوبات اقتصادية قاسية على إيران.
وفي كلمته أمام الحكومة الإيرانية هذا الأسبوع، وصف "روحاني" خطة من 4 نقاط، قدمها الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، بأنها "مقبولة".
وتدعو الخطة الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران، والسماح لها بتصدير نفطها بحرية، وجمع العائدات، مقابل التزام إيراني بعدم السعي إلى امتلاك أسلحة نووية، والمساعدة في ضمان أمن الخليج.
ويتضمن اقتراح "ماكرون"، خط ائتمان بقيمة 15 مليار دولار أمريكي لتمكين إيران من تصدير النفط، كما سيتم استعادة إطار "5 + 1"، الذي يجمع الدول الموقعة على الاتفاقية النووية، وهي فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا والولايات المتحدة.
وكما هو الحال مع مطالب "الجبير"، فإن السؤال هو ما الذي يأتي أولا، "الدجاجة أم البيضة؟".
ويرى "ترامب" رفع العقوبات كنتيجة للمحادثات، بينما يصر "روحاني" على إلغاء العقوبات قبل المفاوضات.
ولتكثيف الضغوط، تنتهك إيران تدريجيا شروط الاتفاق النووي، وتزيد من التوترات التي تقرب المنطقة من حافة الحرب، في محاولة لوضع المفاوضات كبديل وحيد.
وقد ظهر المزاج العام الجديد في حديث وزير النفط الإيراني، "بيجان زنغنه"، في مؤتمر الطاقة الروسي برئاسة الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، عندما وصف نظيره السعودي الأمير "عبد العزيز بن سلمان"، نجل الملك "سلمان"، بأنه "صديق".
وقال "زنغنه": "لقد كان الأمير عبد العزيز بن سلمان صديقا لأكثر من 22 عاما".
وقد شوهد الرجلان فيما بعد يدا بيد مع الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، "محمد باركيندو"، على هامش اجتماع المنظمة في أول لقاء من نوعه منذ الهجوم على المنشآت النفطية.
الانخراط في المزاج الروسي
ويمكن للمزاج العام الجديد بمرور الوقت، على خلفية الشكوك المتزايدة في الخليج بشأن موثوقية مظلة الدفاع الإقليمية للولايات المتحدة، أن يجعل الاقتراح الروسي المدعوم من الصين من أجل بنية أمنية متعددة الأطراف في الخليج أكثر جاذبية.
ويرتكز الاقتراح الروسي على فكرة أن الأمن في الخليج سيكون أفضل من خلال بنية تقلل من التنافس الإقليمي بدلا من إبرازه.
ويمكن للنهج الروسي من الناحية النظرية، استيعاب استراتيجيات البقاء لكل من النظام الإيراني والأسرة السعودية الحاكمة.
ويتطلب التمسك بالواجهة الإيرانية الثورية في طهران، وجود تهديد أجنبي إمبريالي يمنح الحياة للمصالح الاقتصادية المكتسبة للمتشددين المتمركزين في "الحرس الثوري الإسلامي" في البلاد.
وقد ترغب السعودية، التي تعتقد أنها تحتاج إلى 6 أعوام على الأقل لتطوير إمكاناتها من الغاز الطبيعي إلى الحد الذي تستطيع فيه المنافسة مع إيران، في رؤية نظام إيراني ضعيف، وربما زعزعة استقراره، لكن ليس انهياره تماما.
وقالت باحثة السياسة الخارجية السعودية "ياسمين فاروق": "الوقت هو كل شيء. تقدم لنا هذه اللحظة في السياسة الدولية للشرق الأوسط حوافز هائلة يمكن للسعودية الاستفادة منها في مفاوضاتها مع إيران. وكلما طال انتظار المملكة، قل تأثيرها على النتيجة النهائية لصراعها مع إيران، وعلى أي إطار متعدد الأطراف للأمن في الخليج في المستقبل".