الخليج أونلاين-
حين فرضت السعودية والإمارات والدول الأخرى حصارها على قطر وضعت عدة شروط للمصالحة معها، كان أبرزها وأولها خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، وقطع أي تعاون عسكري، وعدم إقامة أي نشاط تجاري معها، ولكن لم يمر وقت طويل حتى نسفت تلك الدول هذا الشرط بنفسها، من خلال الهرولة إلى طهران وعقد الاتفاقيات والتقارب معها.
وطوت الإمارات، أبرز المحرضين على قطر، صفحة خلافها الحدودي مع إيران بإبرامهما اتفاقاً للتعاون الحدودي بينهما، في أواخر يوليو 2019، نص على عقد اجتماعات كل ستة أشهر، وسط توتر أمني في الخليج ونذر حرب وتحشيد عسكري أمريكي على أرض السعودية حليفة أبوظبي.
الإمارات وعلاقة الود مع إيران
الاتفاق الذي وقعته آنذاك جاء، بحسب وكالة "إرنا" الإيرانية، بعد محادثات عقدها قائد قوات حرس الحدود الإيراني العميد قاسم رضائي، وقائد قوات خفر السواحل الإماراتي العميد محمد علي مصلح الأحبابي والوفد المرافق له في طهران، "لبحث سبل توسيع العلاقات الدبلوماسية وتعزيز أمن الحدود بين البلدين".
لم تكتف الإمارات بهذا الحد من التقارب، فقد كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن وجود مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، في العاصمة الإيرانية طهران، منذ 48 ساعة.
وأوضح الموقع البريطاني، الاثنين (14 أكتوبر)، أن طحنون، وهو شقيق ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، تلقى تكليفاً بالسفر إلى إيران في مهمة وصفتها بـ"السرية"؛ تهدف إلى نزع فتيل الأزمة مع طهران.
وفي 26 يونيو 2019، رفضت الإمارات اتهام إيران بالوقوف خلف هجمات استهدفت أربع ناقلات نفط قبالة سواحلها (مايو 2019)، كما لم تتهمها بقصف منشأتي أرامكو منتصف سبتمبر الماضي، ودعت إلى ضرورة خفض حدة التوتر في المنطقة.
ورغم أن الولايات المتحدة والسعودية حمَّلتا إيران علناً المسؤولية عن تلك الهجمات وعن هجوم استهدف سفينتين بخليج عُمان، فإن الإمارات تبنّت رواية طهران، ورفضت تحميلها أي مسؤولية عن الهجمات.
السعودية ورسائلها المسربة إلى طهران
كذلك لم تقطع السعودية هي الأخرى علاقاتها مع إيران، فقد كشف رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، قبل أيام، أنه يؤدي دور الوسيط لحلحلة التصعيد مع إيران بطلب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان.
وأكد كلام خان، الذي زار طهران مؤخراً، الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال، الاثنين (14 أكتوبر)، إن رئيس الوزراء الباكستاني يعمل على حل القضايا الإقليمية، من بينها الخلاف بين إيران والسعودية وحرب اليمن، مبيناً أن الأخير "سيحمل وجهات نظرنا إلى الرياض بعد زيارته الأخيرة إلى طهران".
ووسط محاولات سعودية وتفاعل غير مسبوق مع مبادرات إنهاء الحرب اليمنية، أكد روحاني أن "إنهاء الحرب في اليمن سيمهد الطريق أمام تهدئة التوتر في المنطقة. الأزمات الإقليمية يمكن حلها بالدبلوماسية والتعاون بين دول المنطقة".
كما كشفت وسائل إعلامية إيرانية تفاصيل لقاء جمع مسؤولاً إيرانياً بآخر سعودي في مكة المكرمة، أغسطس الماضي، أكدا فيه التعاون بين بلديهما.
وبحسب ما ذكرت "وكالة الأنباء الإيرانية" (إرنا)، فإن اللقاء جمع رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية، علي رضا رشيديان، ووزير الحج والعمرة السعودي، محمد صالح بن طاهر بنتن.
وهذا اللقاء يأتي تأكيداً لما أدلى به وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، في أغسطس، إذ قال إن موقف بلاده الأخير حيال الملف الإيراني كان بالتنسيق مع السعودية بهدف تفادي المواجهة، وتغليب العمل السياسي.
لا خلاف في المال
وبلغة الأرقام تتصدر الإمارات قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران، بقيمة 13 مليار دولار تقريباً.
وتستحوذ دبي وحدها على نحو 90% من إجمالي حجم التبادل التجاري الإماراتي مع إيران، وبينما بلغت الصادرات الإيرانية إلى الإمارات نحو خمسة مليارات دولار، وصلت الصادرات الإماراتية إلى إيران نحو سبعة مليارات دولار.
وبحسب المصادر الرسمية الإيرانية، فإن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران، إذ تشكل صادراتها نحو 30% من واردات إيران.
وبرر الكاتب السعودي المقرب من الديوان الملكي عبد الرحمن الراشد، توطيد العلاقات الإماراتية الإيرانية بالقول: إن "كانت أبوظبي، حقاً، قررت التصالح مع طهران فإنه حقها السيادي، وهي أدرى بمصالحها، وربما يكون في صالح الجميع، أما إذا كانت الرواية أكذوبة فالتكتل مستمر ضد إيران".
اتهامات باطلة
الكاتب والإعلامي القطري البارز، جابر الحرمي، يرى أن دول حصار قطر تعيش حالة من الارتباك بعد افتعال الأزمة وفرض الحصار، إذ اتضح أن كل الاتهامات التي سيقت "باطلة".
ويقول الحرمي لـ"الخليج أونلاين": "الإمارات تناقض نفسها من حيث علاقاتها مع إيران، إذ ترتبط بصفقات تجارية مميزة معها تبلغ نسبتها 17 مليار سنوياً وهو ما يشكل 90% من إجمالي تجارة دول مجلس التعاون مع طهران".
ويضيف الحرمي في حديث سابق: "الادعاء والشرط الأول لقطع العلاقات مع قطر وفرض الحصار عليها وافتعال الأزمة، كان سببه العلاقات بين قطر وإيران، واليوم الإمارات تقوم بالزيارات الرسمية لها، وهو ما يشكل ضربة وطعنة بخاصرة وقلب الرياض التي تمثل إيران بالنسبة لها عدواً رئيسياً".
ويوضح أن سبب حرب اليمن الذي قادته السعودية والإمارات، هو قطع يد إيران فيه وهي الحوثيين، ولكن الإمارات تصافح إيران وتنسق معها أمنياً، ويتم الإعلان رسمياً عبر الإعلام لتعزيز جوانب النقل، وتسهيل انتقال المعلومات بين البلدين.
ويبين أن جميع المؤشرات تؤكد وجود خلافات متزايدة بين أبوظبي ودبي التي يتوقع أن أي هزة تصيبها ستساهم بمغادرة المستثمرين خاصة في ظل الوضع الحالي.
ويشير إلى أن من يقود الدول الأربع في حصار قطر هي أبوظبي، "حيث تحدد الخيارات لتلك الدول، وتدفعها نحو الوقوع في مخالفات قانونية دولية؛ في حين أنها تتجنب تلك الإجراءات حتى لا تتعرض للمساءلات القانونية".
خطأ بالحسابات
أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط المعاصر في جامعة قطر، محجوب الزويري، يرى أن سبب التناقض الإماراتي من خلال الهرولة نحو إيران، يعود إلى خطأ في حساباتها من البداية، وعدم فهم لمجريات السياسة الأمريكية الخارجية ومساراتها.
ويقول الزويري في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "الإمارات منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم، وجدت ذلك فرصة ذهبية لتحجيم إيران، ولكن الإدارة الجديدة للولايات المتحدة راوحت مكانها في التعامل مع طهران، بسبب انقسام المجتمع الدولي حولها، ولم تقم بأي خطوة ضدها".
ويضيف الزويري: "الإدارة الأمريكية غير مستعدة للقتال من أجل أي أحد، وهذا علمته الإمارات ولكن مؤخراً، لذلك اتجهت إلى توطيد علاقاتها مع إيران".
ويشير إلى أن التوجه الإماراتي الجديد تجاه إيران في هذا التوقيت، سيؤثر على الصورة الأخلاقية لحكومة أبوظبي وسمعتها في العالم، ويكشف غياب المصداقية لديها، وحالة الازدواجية التي تمر بها.
ويوضح أن الاندفاع الإماراتي نحو إيران يضاعف من الشك والريبة حول شروط دول الحصار التي فرضتها على قطر، والتي تعد غير منطقية وغير مقبولة لدى الدول.
وحول إمكانية خروج موقف رسمي وعلني من السعودية بعد التقارب الإماراتي الإيراني، يبين أستاذ تاريخ إيران والشرق الأوسط، أن المملكة غير راضية عن ما يحدث، وربما تحمل الأيام والشهور القادمة موقفاً رسمياً لها.
عزلة إقليمية
الكاتب والمحلل السياسي المقيم في لندن، أنور القاسم، يصف التحرك الإماراتي الجديد نحو إيران والذي لم ينقطع بين الدولتين، بأنه هرولة وهروب من السفينة السعودية التي تغرق في اليمن.
ويؤكد القاسم في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن التحرك من قبل الإمارات يعكس واقعية سياسية متأخرة، ويكشف عزلة سعودية وقصوراً إقليمياً في تشكيلة حلفائها، ولكنه قد يكون بداية تصحيح لمسار خاطئ.
ويقول القاسم: "إذا كان هذا حلالاً على أبوظبي فكيف يستقيم تحريمه على الدوحة مثلاً؟ علماً أن هذا التعاون كان سبباً رئيسياً ساقته الرياض وأبوظبي ضد قطر لإعلان الحصار الطائش والظالم عليها".
ويوضح أن مطالب الإمارات لفك الحصار عن قطر كانت عدم التعامل مع إيران، ووقف التعامل الدبلوماسي القطري مع إيران، ولكن "أبوظبي تناقض نفسها الآن".
ويتابع: "إذا كان تفسير التحرك الإماراتي هو التنسيق حول أمن الخليج ومضيق هرمز فإن هذا يؤخذ عليها وعلى السعودية، لأنهما كانتا سبباً لدفع هذه المنطقة الحيوية إلى التوتر الحاصل الآن، والذي قد يقود إلى إدخالها تحت وصاية أمريكية وغربية جديدة".