فيكتور ميخين | نيو إيسترن أوت لوك -
أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، "علي ربيعي"، أن الرئيس الإيراني "حسن روحاني" قد أرسل سلسلة من الرسائل إلى ملك المملكة العربية السعودية "سلمان بن عبدالعزيز آل سعود" في محاولة لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
وأكد "علي ربيعي" أن جميع دول الخليج لها مصالحها في المنطقة، وقال إنه حتى البلدان من خارج المنطقة، مثل الولايات المتحدة، "تعمل فقط على أساس مصالحها في المنطقة، وسوف تتخلى عن المنطقة إذا لم يتم احترام مصالحها".
وأكدت إيران مرارا استعدادها للتفاوض مع المملكة من أجل القضاء على أي سوء تفاهم بين البلدين، وقال "عباس موسوي"، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الشهر الماضي: "أعلنت الجمهورية الإسلامية أنها مستعدة دائما للمفاوضات مع جيرانها، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، سواء مباشرة أو من خلال وسيط.
وإذا كان هناك أي سوء فهم، فيمكن إزالته، وأضاف أن دول المنطقة يجب ألا تسمح بأي أحداث من شأنها أن تمكن "أطرافا ثالثة من الاستفادة من هذا الوضع".
مصالحة غامضة
ورغم تجاهل وسائل الإعلام للأمر، تم تأكيد المفاوضات السرية المستمرة عبر نائب وزير خارجية الكويت، "خالد الجارالله"، وذكر على وجه الخصوص أن بلده نقل رسائل معينة من إيران إلى السعودية والبحرين فيما يتعلق بالوضع في منطقة الخليج العربي.
ويُشار إلى أن أمير الكويت، الشيخ "صباح الأحمد الجابر الصباح"، لا يزال يدعم حلا سلميا لجميع نقاط الاحتكاك، لاسيما بين الدول المجاورة له، ولا يزال الأمير يعمل على تهيئة محادثات سلام بين السعودية وإيران، خاصةً بالنظر إلى وجود عدد كبير من الشيعة في الكويت.
وحتى الآن، وفقا لمصادر وسائل الإعلام السعودية، تدرس الرياض بعناية مقترحات طهران، التي تهدف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.
وقد يعمل هذا على تحسين الوضع في المنطقة بشكل عام، لكن حتى هذا الاحتمال الغامض لإصلاح العلاقات بين الجارين تتسبب في حالة من الهستيريا والخوف في الدول الغربية والموالية للغرب، خاصةً الولايات المتحدة و(إسرائيل).
ومن ناحية، تم نقل معدات الدفاع الجوي المطورة على الفور إلى المملكة مع أفراد أمريكيين، ومن ناحية أخرى، تم إجراء مفاوضات لا تعد ولا تحصى على مختلف المستويات، بما في ذلك بين وزير الشؤون الخارجية السعودي "عادل الجبير" ووزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو".
وذكّر وزير الخارجية الأمريكي نظيره السعودي بالتاريخ بعيد المدى لتطور العلاقات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، وأن الأخيرة تلعب دورا مهما في حماية المصالح السعودية وحماية علاقاتها مع جميع جيرانها في الخليج.
وأخيرا، وصلت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية "جينا هاسبل" إلى الرياض، ومع ذلك، تهرب ولي العهد "محمد بن سلمان" من هذا الاجتماع رفيع المستوى، وكان على الملك أن يتلقى محاضرة السيدة "هاسبل" بدلا منه.
وعلى الرغم من قدرته على التحمل، شعر الملك بعدم الارتياح، فبعد كل شيء، فهو سليل البدو الذين اعتادوا على رؤية المرأة مشغولة في الطهي في الجزء الخاص بها من الخيمة، ولكن الآن كان عليه أن يستمع إلى محاضرة من امرأة مع بعض التعبيرات المتعجرفة.
الرسائل الأمريكية
أوضحت "جينا هاسبل" للملك العواقب المستمرة لأحداث 11 سبتمبر/أيلول على العلاقات بين البلدين، وأوضحت العواقب المحتملة حال منحت الإدارة الحالية الفرصة لأقارب ضحايا هذه الأحداث لاتخاذ إجراءات قانونية، وفي هذه الحالة، لن تكون العائلة المالكة هي التي ستفلس، لكن المملكة العربية السعودية ككل ستتعرض للإفلاس، و حينها يجب نسيان جميع تريليونات الدولارات من الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة.
وألمحت "جينا هاسبل" إلى الملك، بشكل مباشر إلى حدٍ ما، إلى أن الهجوم الناجح الذي حدث مؤخرا بطائرات بدون طيار وصواريخ ما زال يُعتقد أنه تم تنفيذه من الحدود الغربية للبلاد، ما يوضح السبب في أن نظام الرادار بأكمله، الذي يضم العديد من القواعد الأمريكية في الكويت والبحرين وقطر والمملكة نفسها، لم يعمل مع الهجوم.
وأتبعت ذلك بتلميح آخر، بأنه بدون مساعدة أمريكية، قد تحدث مثل هذه الغارة مرة أخرى، ما يتسبب في أضرار كبيرة، ليس فقط لصناعة النفط، ولكن أيضا لخطط ولي العهد الطموحة لترتيب طرح عام أولي مربح لشركة "أرامكو" التي انخفض تقييمها بسبب الهجوم.
وفي الواقع، لم يرسل الرئيس "ترامب" "هاسبل" إلى الرياض في فسحة، فقد اعتادت مديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على التحدث بصراحة مع "زبائنها"، حيث قامت "جينا هاسبل" بتخويف الملك من خلال التلميح إلى أن المحكمة الدولية كانت تنتظر موافقة الولايات المتحدة للتعامل الفوري مع دور ابنه المفترض في اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".
ومن المثير للاهتمام أن وسائل الإعلام السعودية قصرت تغطيتها لهذا الاجتماع على عبارات مثل "المحادثات حول المصالح المشتركة بين البلدين".
وفي أعقاب الزيارة، حدث تحول حاد في السياسة الخارجية للرياض سريعا، فقد صرح وزير الشؤون الخارجية "عادل الجبير" على الفور وبصرامة أن سياسة الاسترضاء لن تنجح مع إيران، وأن الطريقة الوحيدة لإجبار طهران على الدخول في مفاوضات هي ممارسة أقصى قدر من الضغط عليها، وكما تظهر الحقائق، لا يملك الملك الحرية في اتخاذ قرارات مستقلة دون استشارة واشنطن.
وأضافت (إسرائيل) كالعادة، الوقود إلى نار الشرق الأوسط، وتعتقد وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية "الموساد"، والمخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، أن إيران قادرة على إنتاج أسلحة نووية، ليس في غضون بضعة أشهر، كما كان يُعتقد سابقا، ولكن في غضون بضعة أسابيع أو حتى أيام.
أما بالنسبة للقنبلة الذرية، فقد تنتج الجمهورية الإسلامية واحدة "في ما لا يقل عن عام واحد"، وجاءت إشارة مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي متوافقة مع نغمة تصريحات وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، الذي عبر عن مخاوفه من "تصعيد إيران في المجال النووي" خصوصا بعد المعلومات التي أفادت أن طهران استأنفت ليلة 7 نوفمبر/تشرين الثاني تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية في "فوردو"، التي يوجد بها 1044 جهاز طرد مركزي.
وتسببت هذه التصريحات في حدوث ارتباك وخوف في الرياض حيث يبدو أنه على الرغم من أن خصوم طهران قد أنفقوا الكثير من المال على شراء الأسلحة الغربية، التي تبين أنها هشة وغير قادرة على حماية المملكة، فإن الجمهورية الإسلامية هي التي عززت موقفها في النهاية.
وتغطي شبكة النفوذ الإيراني لبنان والعراق وسوريا واليمن ودولا أخرى، وللحفاظ على ذلك، تستخدم إيران نظاما فريدا من التحالفات الأيديولوجية وتقوم بتوظيف الميليشيات الوكيلة.
ومن المفارقات أن المحرك الرئيسي وراء زيادة نفوذ إيران كان هو سقوط نظام "صدام حسين" في جمهورية العراق المجاورة عام 2003، الذي تم تنفيذه بواسطة تحالف تقوده الولايات المتحدة، ولا يوجد تناقض هنا، فالدولة العراقية، التي كان يحكمها العرب السنة سابقا، كانت بمثابة حاجز موثوق به ضد إيران، ولقد سحق الجيش الأمريكي هذا الحاجز، دون النظر للنتائج.
وتتجه السعودية الآن لأوقات عصيبة، ونظرا لأن الملك متقدم في العمر، فقد يحدث تغيير في السلطة في أي وقت.
والسؤال الكبير هو ما إذا كان ابنه، ولي العهد، سيكون قادرا على الجلوس على العرش والهروب بالبلاد من المعضلات المعقدة التي تعاني منها المملكة على الصعيدين المحلي والخارجي.