الخليج أونلاين-
توترات كبيرة يحفل بها المشهد السياسي في الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران؛ على خلفية مقتل رجل إيران القوي، قاسم سليماني، وسط خوف ورعب يخيم على الإمارات، التي كانت أول الدول الحليفة لواشنطن التي تتلقى تهديدات بقصفها من قبل طهران.
وعلى الرغم من العلاقات التي بدت مؤخراً أكثر انفتاحاً بين أبوظبي وطهران فإن تهديد الحرس الثوري الإيراني، في الـ8 من يناير 2020، بإنهاء اقتصاد الإمارات، يطرح تساؤلات حول ما إن كانت تلك العلاقات لم تأتِ إلا بسبب خوف الأخيرة من انهيار اقتصادها وتأثيرها في المنطقة.
ويشكل التقارب الجغرافي بين البلدين تهديداً مباشراً للإمارات من جانب الجزر الثلاث المحتلة، وهو ما يدفع أبوظبي إلى الحد من التصعيد من جانبها تجاه إيران، إلى جانب مراعاتها لحجم التبادلات التجارية معها.
تهديدات إيرانية.. وتهدئة إماراتية
كان مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في 3 يناير الجاري، أول علامات الخطر على الإمارات؛ فالطائرات الأمريكية التي قصفت سيارته تقول إيران إنها انطلقت من القاعدة العسكرية الموجودة فيها.
وعلى ضوء ذلك هدد الحرس الثوري الإيراني، في 8 من الشهر ذاته، بشن هجمات على الإمارات في حال انطلقت طائرات أمريكية منها لقصف مواقع إيرانية، وقال إن تلك المقاتلات "إذا تحركت من الظفرة نحونا فعلى الإمارات أن تودع الانتعاش الاقتصادي".
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن قيادات في الحرس الثوري قولها: "سنقصف مدناً إماراتية إذا تحركت طائرات أمريكية لقصف إيران من الإمارات (..) طائرات أمريكية تحلق فوق قاعدة الظفرة بالإمارات ومستعدون لقصف القاعدة إذا استهدفتنا".
وأشارت إلى أن قيادات الحرس الثوري هددوا بـ"موجة ثالثة من الصواريخ تدمّر دبي وحيفا إذا ردت واشنطن على الهجوم"، في إشارة لهجوم شنته طهران على قاعدة عسكرية في العراق، في وقتٍ مبكر من 8 يناير الجاري.
وردت أبوظبي على تلك التهديدات بالقول إنها تأمل ألا يكون هناك أي تصعيد آخر في المنطقة.
وقال وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي: "نحتاج إلى الهدوء والاستقرار في سوق النفط"، مبدياً أمله "في أن تؤدي حكمة الولايات المتحدة وإيران إلى تهدئة التوترات".
وعقب ذلك خرج وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، أنور قرقاش، داعياً إلى "تغليب الحلول السياسية على المواجهة والتصعيد".
تواجد القوات الأمريكية بالإمارات
تشكل قاعدة الظفرة مركز الوجود الرئيس للقوات الأمريكية في الإمارات، إلا أن الجيش الأمريكي له قوات كذلك في ميناء "جبل علي" الذي تستخدمه قوات المارينز.
وتقع قاعدة الظفرة الجوية في أبوظبي، وتوجد فيها القوات الجوية والعسكرية الأمريكية منذ عام 1990-1991، خلال حرب الخليج.
وتقدم الإمارات دعماً كبيراً للولايات المتحدة؛ حيث سمحت لها بنشر الطائرات العسكرية واستخدام مجالها الجوي، ومنحها كافة التسهيلات من قواعدها العسكرية وحتى عملية توفير المعدات والوقود كجزء من عمليات المراقبة في جنوب العراق.
وتوجد في القاعدة الفرقة الجوية الأمريكية رقم "380"، وفيها منصات انطلاق طائرات الاستطلاع "يو-22"، وطائرات إعادة التزود بالوقود.
وحسب بعض التقديرات؛ تصل القوات الأمريكية في قاعدة الظفرة الجوية إلى 5000 فرد، كما يوجد في ميناء "جبل علي" سفينة حربية كبيرة، وتنتشر في قاعدة الظفرة طائرات أمريكية من نوع "غلوبال هوك"، وطائرات "الأواكس" (طائرات الإنذار المبكر والتحكم المحمول جواً).
بالإضافة إلى أن ميناءي زايد ورشيد مستعدان لاستقبال السفن الأمريكية على أرصفتهما، في حين تكتسب قاعدة الظفرة الجوية أهميتها من كونها مواجهة لإيران.
لماذا تخاف أبوظبي من طهران؟
وبموازاة صراع الخليج المتصاعد بين طهران وأمريكا، وباتجاه معاكس مع جارتها الخليجية السعودية، سعت الإمارات خلال الأشهر الماضية للسير على حبال إيران دون أن تسقط، فهي لا تبدو في مسعاها مكترثة كثيراً بمشكلاتها القديمة مع إيران، ولا للتناقض في دعاوى شيطنة مَنْ يتعامل معها.
وخفضت أبوظبي من التوتر مع إيران من خلال الزيارة المفاجئة لوفد إماراتي إلى العاصمة الإيرانية طهران، أواخر يوليو 2019، لحضور الاجتماع المشترك لقيادات خفر السواحل الإماراتية والإيرانية بعد توقف دام 6 سنوات، إضافة إلى الغزل المتبادل بين المسؤولين في البلدين.
كما كشفت أبوظبي مؤخراً ملامح سياساتها من خلال تقليص لوجودها العسكري في اليمن، حيث تواجه الحوثيين الذين يُوصفون بـ"ذراع إيران في الجنوب"، وهو ما اعتبر أنه سعي من الإمارات إلى تهدئة الأمور مع إيران.
ويبدو أن ذلك الخوف ظهر جلياً منذ أن تضررت الإمارات بشكل مباشر حين استُهدفت ناقلات في مياهها، في مايو 2019، ورفضت توجيه الاتهامات إلى إيران، على عكس ما صعَّدت به الرياض رغم بُعد الحوادث عن مياهها.
كما أن الإمارات أيضاً فيما يبدو لا تريد أن تتفجر الأوضاع في المنطقة وأن ينالها من إيران أو حلفائها أكثر مما نالها في العمق، حين استُهدف مطار عاصمتها أبوظبي، ونشر الحوثيون صوره أمام العالم، وسبق ذلك الإعلان قصف مطار دبي الدولي، واستهدف مفاعل "براك" النووي في مدينة أبوظبي، ولكن السلطات الإماراتية نفت ذلك.
الخوف من النهاية لدولة هشة
في هذا الإطار يرى الباحث في الشأن الإيراني، عدنان هاشم، أن الخطوات السابقة لإعادة العلاقات جاءت بعدما شعرت الإمارات بأن عداءها للإيرانيين بات خطراً عليها، في حين بدا لها أن الصبر الاستراتيجي الذي تحلت به الحكومة الإيرانية بدأ ينفد.
ويقول في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إن أبوظبي سابقاً كانت تدرك جدياً أن أي تصعيد بين طهران وواشنطن ستكون هي أول ضحاياه، وهذا ما حدث جلياً، خصوصاً أن الاتهامات وجهت للإمارات بإقلاع الطائرات الأمريكية التي قصفت سليماني من أراضيها.
ويضيف: "العواقب الاجتماعية والاقتصادية لأي هجمات ضد الإمارات ستكون مدمرة جداً، خاصة إمارة دبي؛ باعتبارها مركزاً رئيسياً للموانئ يربط بين آسيا وأفريقيا والعالم العربي".
وتابع: "كل ما يتطلبه الأمر صاروخان إيرانيان يضربان دبي، والنتيجة ألا يبقى حجر فوق حجر، وأن يدفع الاقتصاد الإماراتي الثمن الأكبر، وهذا ما تخشاه الإمارات".
ويؤكد أن صدى التهديد الإيراني المباشر باستهداف الإمارات "بالتأكيد حالياً يتردد في عقول المسؤولين الإماراتيين، وأعينهم على الاقتصاد الذي يدركون أنه لا يتحمَّل توتراً إقليمياً، فكيف بضربةٍ تستهدف عقر دارهم؟".
خوف سابق.. والسب الجزر الثلاث
وتملك الإمارات ثلاث جزر تحتلها إيران منذ نحو 50 عاماً، ولم تستطع استعادتها حتى اليوم، بل ذهبت في 2015 بقواتها إلى اليمن لإعادة الشرعية هناك وقتال الحوثيين الموالين لطهران، وتجاهلت جزرها المحتلة.
وتسيطر إيران على جزيرة طنب الصغرى التي تقع غرب جزيرة طنب الكبرى، وكانت تتبع لإمارة رأس الخيمة، وتبلغ مساحتها نحو 2 كيلومتر مربع، إضافة إلى جزيرة طنب الكبرى التي تقع بالقرب من مضيق هرمز شرقي الخليج، وتبلغ مساحتها ما يقارب تسعة كيلومترات مربعة.
وجاءت السيطرة على الجزيرتين في نوفمبر 1971 بعد اقتحامها عسكرياً، وأعلن قيام اتحاد الإمارات (المكوّن من أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين)، في 2 ديسمبر 1971، وانضمت له إمارة رأس الخيمة، ما حول قضية "الاحتلال" الإيراني لطنب الكبرى والصغرى إلى قضية وطنية تعني الإمارات كلها.
أما الجزيرة الثالثة فهي "أبو موسى"، التي تقع على بعد نحو 43 كيلومتراً من شاطئ الإمارات، و67 كيلومتراً عن الشاطئ الإيراني، وكانت مأهولة عند احتلالها بنحو 1000 مواطن إماراتي يعملون في حرفة صيد السمك.
وقرر حكام إيران توسيع الاستخدام العسكري لجزيرة أبو موسى؛ فنصبوا فيها صواريخ مضادة للسفن، وأقاموا فيها قاعدة للحرس الثوري، وفيلقاً بحرياً، وهي الجزيرة التي تخشى أبوظبي أن تأتي نهايتها منها.