الخليج أونلاين-
تثير العلاقات بين دولة الإمارات العربية وإيران أسئلة كثيرة ومحيّرة؛ فهما تتعاركان في شوارع السياسة وتتعانقان في غرف الاقتصاد، حتى إن الأرقام السنوية للتبادل التجاري بينهما تجعلهما أقرب ما يكونان إلى حالة "الزواج العرفي".
الإمارات، شأنها شأن حليفتيها السعودية والبحرين، لا تكفّ عن إبداء العداء لطهران، بل إنها تعتبر علاقات "حسن الجوار" معها تهمة تجب مقاطعة صاحبها ومحاصرته، على غرار ما هو حاصل مع دولة قطر منذ يونيو 2017.
وكما هو معروف في عالم السياسة فإن الخلاف في الرأي وكَيل الاتهامات والشتائم في وسائل الإعلام قد لا يفسد للاقتصاد قضية، فكثيراً ما نرى زعيماً هنا أو رئيساً هناك يسبّ نظيراً له في بلد ما دون أن يمنع ذلك وجود علاقات اقتصادية بينهما، فرابطة المال كثيراً ما تكون أقوى من رابطة الدم.
الغريب في الإمارات وإيران هو أن البلدين يبدوان في صراع شبه دائم، وتبدو نقطة الالتقاء بينهما غير موجودة على الخريطة "السياسية" من الأساس، فإذا ابتعدا عن وسائل الإعلام ومخاطبة الجماهير وانفرد بعضهما ببعض كان "الاقتصاد" ثالثهما.
الإمارات أكثر العرب تعاملاً مع إيران
ورغم الحرب الإعلامية التي تخوضها وسائل الإعلام الإماراتية أو المدعومة إماراتياً ضد قطر بزعم "تعاونها" مع إيران، فإن إحصاءات رسمية حديثة تقول إن أبوظبي تصدّرت قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع طهران خلال العام 2017، بما قيمته 11 ملياراً و114 مليون دولار، شكّلت الصادرات الإيرانية 4.458 مليارات دولار، في حين بلغت الصادرات الإماراتية إلى "العدو اللدود" 6.656 مليارات دولار.
ولم يقف مستوى التبادل بين أبوظبي وطهران عند هذا الحد فحسب؛ بل قفزت صادرات الإمارات إلى إيران بنسبة 16.8% خلال عام 2019، وفق بيانات رسمية صادرة عن الاتحاد الكوري للتجارة الدولية، والمركز الفرعي للوكالة الكورية لتشجيع التجارة والاستثمار في طهران.
كما أن 80% من التحويلات المالية الإيرانية تتم عبر الإمارات، في حين تقدَّر الاستثمارات الإيرانية في الدولة الخليجية بـ300 مليار دولار.
أما وكالة "فارس" الإيرانية فقد ذكرت في تقرير أن "الإمارات خفضت ضغوطها على الصرافات الناقلة للأموال إلى إيران بشكل ملحوظ جداً"، لافتة إلى أن 70 إلى 80% من التحويلات المالية الإيرانية تتم عبر الإمارات.
بدوره قال محافظ المركزي الإيراني إن الإمارات سحبت ضغوطها الاقتصادية على إيران.
وتسير شركات الطيران 200 رحلة أسبوعياً من شتى المدن الإيرانية إلى الإمارات لنقل 100 ألف سائح إيراني، فضلاً عن 600 ألف مواطن إيراني آخرين يقطنون جارة بلادهم الجنوبية، ما يجعلهم أكثر الجاليات المقيمة في البلاد عدداً.
وتتحدث الإحصاءات الإيرانية عن استيراد طهران 10% من كل وارداتها من الإمارات، فيما تصدر نحو 15% من كل صادراتها عن طريق الأخيرة.
ووفقاً لصحيفة إيران الرسمية فإن ثمانية آلاف رجل أعمال إيراني ينشطون على الساحة الإماراتية عبر نحو ستة آلاف شركة تم تسجيلها هناك.
بدوره قال رئيس جمعية "اقتصاد إيران"، مسعود دانشمند، إن حجم التبادل التجاري الراهن بين إيران والإمارات يتراوح بين 10 و15 مليار دولار، فيما كانت الأرقام تشير إلى 30 مليار دولار حتى قبل فرض العقوبات الأمريكية على إيران.
وتوقع الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية الإماراتية المشتركة أن يبلغ حجم التبادل التجاري بين بلاده وأبوظبي في المرحلة المقبلة 20 إلى 25 مليار دولار، كاشفاً أن رؤوس الأموال الإيرانية تشكل 10% من الاستثمارات في الإمارات.
الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإيران
هذه الحميمية فيما يخصّ الاقتصاد تتناقض تماماً مع ذلك الجفاء المعلن في مجال السياسة، ليس فقط لأن الإمارات تعتبر التعامل مع إيران جريمة وحسب، بل لأن الأخيرة ما زالت تحتلّ 3 جزر إمارتية (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) منذ 50 عاماً، وهو أمر يصعب ابتلاعه من أجل المال في عرف الدول ذات السيادة والحسّ الوطني.
في الثالث من يناير 2016، كان المشهد غامضاً ومتناقضاً؛ حينما خرج عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي السابق، معلناً قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الرياض وطهران؛ على خلفيّة الاعتداء على المقار الدبلوماسية السعودية بالداخل الإيراني.
وفي اليوم نفسه قطعت البحرين علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، واستدعت قطر والكويت سفراءهما في طهران، في حين اكتفت الإمارات بتخفيض تمثيلها الدبلوماسي في طهران من سفير إلى قائم بالأعمال، دون أن تتأثر العلاقات التجارية بين البلدين أو يصيبها ضرر.
هذا الموقف وهذه الأرقام المعلنة عن حجم التبادل التجاري تتناقض وادعاءات دول حصار قطر بشأن موقفها الموحّد المناهض لإيران.
ويمكن القول إنه لا يوجد من بين الدول الخليجية، باستثناء الإمارات وعُمان، من يملك علاقات تجارية وثيقة مع إيران، إذ تنظر هذه الدول إلى طهران باعتبارها خطراً استراتيجياً، لا يكاد يمرّ يوم أو مناسبة معيّنة دولية أو إقليمية حتى تكرّر هذه الدول عباراتها المستمرّة، ويخرج بيانها الختامي ليندد بالتدخلات الإيرانية ويستنكر ممارساتها بالمنطقة، داعياً إلى تصدّي المجتمع الدولي لها.
ومع ذلك تستحوذ الإمارات على 80% من التبادلات التجارية بين طهران ودول مجلس التعاون، كما تعد إيران رابع شريك تجاري للإمارات، حيث يوجد أكثر من عشرة آلاف شركة إيرانية (أرقام غير رسمية) تعمل في قطاعات اقتصادية مختلفة مثل تجارة التجزئة والعقار، وهو ما يجعل الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لإيران.
ولا تخفي الإمارات هذا الأمر، فقد أكّد وزير الاقتصاد الإماراتي، سلطان المنصوري، صراحة أن حجم التبادل التجاري بين بلاده وإيران بلغ 17 مليار دولار بنهاية عام 2014، في حين قُدّر حجم هذا التبادل التجاري بـ15.7 مليار دولار في عام 2013، و17.8 مليار دولار في عام 2012، و23 مليار دولار في عام 2011، و20 مليار دولار في عام 2010.
متنفّس رئيسي
ومنذ فرض العقوبات الدولية على إيران كانت الإمارات، وإمارة دبي تحديداً، بمنزلة المنفذ الرئيسي للاقتصاد الإيراني وللجزء الأكبر من الواردات التي يحتاج إليها.
عملت دبي كمنطقة ترانزيت للتجارة الإيرانية، ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل وصل إلى حدّ تأكيد العديد من التقارير والتصريحات الرسمية الأمريكية أن الكثير من الشركات العاملة في تجارة إعادة التصدير في دبي كانت ممراً رئيسياً لعبور بعض المكوّنات ثنائية الاستخدام المدني- العسكري التي أسهمت في تمكين إيران من مواصلة تطوير برنامجها النووي.
وشكّل قطاع الطيران والقطاع المالي مجالاً رئيسياً للتعاون بين البلدين، وتعتبر دبي مركزاً استراتيجياً لخدمات الطيران في المنطقة. وبينما تسبّبت العقوبات على طهران بتدهور القطاع المالي بها تحتضن دبي المقرات الإقليمية لمعظم البنوك الكبرى الراغبة في الاستثمار في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو الأمر الذي تستفيد منه إيران لقربها منها، فالرحلة الجوية بين طهران ودبي لا تستغرق سوى ساعتين.
وفي مايو 2017، استعادت إيران 4 مليارات و150 مليون دولار من مستحقاتها من شركة "إينوك" الإماراتية.
وحسب تقديرات مجلس الأعمال الإيراني، يمتلك الإيرانيون في الإمارات استثمارات وأصولاً تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار.
وإلى جانب العوامل الاقتصادية والجغرافية، تقف العوامل المتعلّقة بمنطق العلاقات الدولية؛ الذي يقوم على الشدّ والجذب، وعدم خلق العدو بصورة صريحة، وعدم تضييق الخناق عليه، ومنحه منفذاً للهرب أو مجالاً للحوار، حتى لا ينتهي الأمر إلى تصعيد عسكري تكون نتائجه كارثية.
وإجمالاً يمكن القول إن إيران تبدو في هذه الحالة أشبه بـ"بلطجي الحارة" الذي يختلق مشكلة هنا ويحدث أزمة هناك ولا يتورّع عن زعزعة الأمن في كل البيوت، وتبدو الإمارات أشبه برجل كثير الكلام قليل الفعل يقيم شراكة اقتصادية مع هذا البلطجي حتى لا يفكّر في اقتحام بيته، خاصة أنه (البلطجي) سطا وما زال على ثلاث غرف من هذا البيت.