متابعات-
منذ تأسيسها قبل نصف قرن، فشلت منظمة التعاون الإسلامي في حل المشاكل الهائلة والمتنامية التي تواجه المسلمين في جميع أنحاء العالم، ولم تقدم شيئاً للقضية الفلسطينية التي من أجلها أنشئت.
وبقيت منظمة التعاون الإسلامي أسيرة لشروط نشأتها، ولم تنجح في توسيع نطاقات التعاون والتبادل التجاري والاقتصادي والعلمي والتكنولوجي بين دولها وشعوبها، ولم تستجب كفاية لمتطلبات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولم تترجم على نحو صحيح طموحات مليار ونصف مليار مسلم للحاق بركب التقدم والحداثة والتنمية على قاعدة توسيع وتعميق المصالح المشتركة لبلدانها الأعضاء.
ولعل هذا الفشل كان معطوفاً على ضيق بعض الدول الأعضاء الرئيسة، وفي مقدمتها السعودية التي تستضيف مقر المنظمة الإسلامية، بمحاولات "توظيفها" في حروبها وصراعاتها الإقليمية، وتحديداً ضد دول أعضاء أخرى وليس ضد إسرائيل، "العدو الرئيس" الذي نشأت المنظمة في مواجهته.
دور إيران
وعلى الطرف الآخر ساهمت إيران في إضعاف المنظمة الإسلامية؛ بسبب صراعها المستمر مع السعودية، وتعزيز نفوذها الاستراتيجي في الشرق الأوسط.
وبنت إيران شبكة من الحلفاء من الجماعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط يشار إليهم عادة بتعبير "مليشيات وكيلة"، وتمركزت بشكل رئيسي في العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن، وهو ما زاد من الخلافات بين الدول الإسلامية، وتزايد التوتر فيما بينها.
وتتهم دول عربية إيران بزعزعة الاستقرار في الدول العربية، ودفعت تحركات طهران في الشرق الأوسط بعض الدول العربية إلى قطع علاقتها معها.
والاثنين (3 فبراير 2020)، عقدت منظمة التعاون الإسلامي اجتماعاً طارئاً على مستوى وزراء الخارجية لبحث موقفها من "صفقة القرن" التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وبينما يعيش العالم الإسلامي أخطر مؤامرة في تقسيم دولة فلسطين لصالح الكيان الإسرائيلي، إلا أن الخلافات داخل المنظمة الإسلامية تتصاعد باستمرار، والتي ظهرت جلياً في القمة الحالية بعدم السماح لإيران بالمشاركة فيها.
واتهمت إيران السلطات السعودية بمنع وفد إيراني من حضور اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي بمدينة جدة، وقالت إنها قدمت شكوى لمنظمة التعاون الإسلامي، متهمة الرياض باستغلال وضعها كمقر للمنظمة.
ورغم إعلان السعودية بعد ذلك منح تأشيرة لممثل إيران للمشاركة في المؤتمر فإن طهران رفضت الحضور والمشاركة.
وتأتي هذه القمة بعد أيام من إعلان ترامب، في مؤتمر صحفي بواشنطن، "صفقة القرن"، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي تتضمن إقامة دولة فلسطينية في صورة أرخبيل تربطه جسور وأنفاق، وجعل مدينة القدس عاصمة غير مقسمة لإسرائيل.
فشل طويل
كان إحراق قوات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى الشريف عام 1969 دافعاً قوياً وراء التفكير في إنشاء المنظمة، لكن منذ تأسيسها اقتصرت أدوارها ووظائفها على تقديم الدعم والإسناد للجانب الفلسطيني، وتبنت تلقائياً المواقف والبيانات الختامية لجامعة الدول العربية، ونأت بنفسها عن "التورط العميق" في قضايا الخلاف داخل العالم الإسلامي وبين دوله، مكتفية بدعم مواقف دول إسلامية في نزاعاتها مع دول غير إسلامية.
وخلال الأعوام الـ50 الماضية، عقدت المنظمة دورات مختلفة لمؤتمر القمة الإسلامي، وعدداً من المؤتمرات الاستثنائية، ودورات لمجلس وزراء الخارجية، إلا أنها طوال تلك السنوات تقمصت دور المُدين لكل ما يحدث، ولم تخرج بياناتها إلا للشجب والتنديد خلال المؤتمرات والمحافل الدولية.
ولم تخرج المنظمة بأي حلول جذرية بشأن الأزمات الحالية، لا سيما في فلسطين واليمن والسودان وليبيا والعراق وسوريا وأفغانستان وباكستان والصومال ونيجيريا، كما لم تتخذ موقفاً من المجازر التي تعرّض لها المسلمون في بورما على يد البوذيين، والمسلمون في ميانمار، إضافة إلى المحتجزين الروهينغا في الصين.
ومما كان لافتاً أن الحروب التي عاشتها دول التعاون الإسلامي تسببت بأكبر نزوح في العالم؛ ففي مايو 2017، ذكر تقرير صادر عن منظمة التعاون أن النازحين من الدول الأعضاء فيها يشكلون ما نسبته 61.5% من مجموع نازحي العالم.
لم تقدم شيئاً
المحلل السياسي الفلسطيني ماهر شاويش قال: إن "الأمتين العربية والإسلامية معنيتان، بحكم الواجب وليس من باب المنة على القضية الفلسطينية، ويقع على عاتقهما ما يقع على عاتق أبناء الشعب الفلسطيني".
ويعتقد في حديثه أن منظمة المؤتمر الإسلامي "لا تقوم تجاه القضية الفلسطينية بما يتناسب مع حجم وإمكانيات هذه المنظمة وخصوصية تأسيسها، لا سيما أن ذلك جاء بعد إحراق المسجد الأقصى عام 1969".
وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن المنظمة تمثل نحو مليار ونصف مسلم، وهي ثاني أكبر منظمة على مستوى العالم بعد هيئة الأمم المتحدة، إلا أنها "بالعودة إلى سجل وتاريخ إنجازاتها نحو فلسطين وشعبها نجد أنها متواضعة ولا ترتقي إلى حجم التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، أو إلى إمكانياتها والمأمول منها".
ووصف دور المنظمة الإسلامية بـ"العاجز الذي يقترب من حد الفشل في ملامسة هموم ومعاناة شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات، لا سيما أننا لاحظنا أن قراراتها بعد إعلان ترامب القدس عاصمة للكيان لم تكن بمستوى الحدث".
ودعا في سياق حديثه إلى "وقفة جادة تكون مبنيّة على قاعدة القطع والمقاطعة؛ قطع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، ومقاطعة كل ما ينتج عنه وحتى من يدعمه حتى يشعر بضغط فعلي يجعله يتراجع هو ومن خلفه عن مثل هذه الصفقات والتسويات المجحفة والظالمة بحق شعبنا الفلسطيني"، داعياً في الوقت ذاته إلى "ضرورة وقف التطبيع بوصفه جريمة وخيانة لا ينبغي تمريرها".
وتابع: "إذا لم تتحرك هذه الأطر والمنظمات في هذا التوقيت الحرج والخطير الذي تستهدف فيه أسس ومرتكزات القضية الفلسطينية، وفي مقدمتها القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين، فمتى ستتحرك؟ وما جدوى وجودها؟".
السعودية.. تسلط وفشل
زاد الطين بِلّة في سنوات الفشل الأخيرة للمنظمة مضي المملكة في محاولاتها تشكيل ائتلافات ومحاور ذات طبيعة عسكرية؛ تارة في سياق الحرب على اليمن، وثانية في مواجهة إيران في إطار ما بات يُعرف بمشاريع "التحالف الشرق أوسطي"، أو "الناتو العربي" بقيادة أمريكية، أو "الناتو الإسلامي".
وتحاول السعودية الحفاظ على وحدة منظمة التعاون الإسلامي؛ ليس من أجل تحقيق نجاحات للمنظمة، بل من أجل الحفاظ على هيمنتها عليها، وتصف نفسها بأنها "الصوت الجماعي للعالم الإسلامي"، والتي يقع مقرها في جدة.
ولعل "السياسات المغامرة" التي انتهجتها المملكة في الأعوام الأخيرة، منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد بالسعودية، أفضت إلى "نفور" أقطاب عربية وإسلامية، واتجاه عدد منها لاعتماد سياسة "الإبقاء على مسافة من الرياض"، والتي كان آخرها عقد قمة إسلامية في كوالالمبور بمشاركة "قطر وتركيا وماليزيا وإيران"، وعدد من الدول الإسلامية.
ولعل المغامرة اليمنية (حرب اليمن) لمحمد بن سلمان، وجريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني في الرياض وإرغامه على الاستقالة، واعتقال العلماء، جعل الكثير من الدول الإسلامية ينفر من محور الرياض، الذي تلاشت هيمنته في الآونة الأخيرة.
السعودية وتدخلاتها
وفيما يتعلق بالتدخل السعودي في قرارات المنظمة الإسلامية قال المحلل السياسي ماهر شاويش: "لا يمكن التقليل من حجم تدخل المملكة العربية السعودية بقراراتها انطلاقاً من كون جغرافية المقر لها، وأنها المتحكم بالكثير من مسارات عملها".
لكنه في سياق حديثه لـ"الخليج أونلاين" يشير إلى أن ذلك "يفرض على بقية الدول الإسلامية المنضوية تحتها ضرورة الضغط باتجاه تحرير قراراتها من أي هيمنة وجعلها تصب في خدمة الهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله".
فيما يشير الباحث في العلاقات الدولية عبد الرحمن السماوي، إلى أن منظمة التعاون الإسلامي "لم تخرج بقرار واحد في صالح المسلمين المستضعفين في أي مكان في العالم".
ويرى في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أنه يجب حالياً على الدول الإسلامية "البحث عن بديل يكون أصلح للمسلمين، بعدما فشلت المنظمة التي لم تكن جديرة بمتابعة قضايا العالم الإسلامي".
وأكد أن السعودية فشلت في إدارتها لمنظمة التعاون، بل عملت في عكس أهدافها، ويدلل على كلامه بالقول: "هناك اختلاف في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ إذ تتحدث المملكة العربية السعودية من حين لآخر عن الحقوق الفلسطينية، لكن من الناحية العملية فقد تخلت عن القضية الفلسطينية، وانخرطت في التطبيع التدريجي مع إسرائيل".
وتابع: "تُعتبر الرياض مدفوعة بسياسة واقعية استبدادية، مع الاهتمام الضئيل بالتضامن الإسلامي، وربما لم يعد لها الموقف نفسه في العالم الإسلامي، هي الآن لا تبحث إلا عن إثبات ذاتها فقط، والمنظمة سبيل لها لإثبات واقعها بين الدول الإسلامية".