في مقطع رسوم متحركة، صدر في ديسمبر/كانون الأول 2017، يظهر ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان"، وهو يشرف على غزو إيران بعد أن هاجمت قوارب إيرانية سفينة إنسانية سعودية، وفي نهاية مقطع الفيديو، تقتحم القوات السعودية مجمعا عسكريا يستسلم فيه الجنود الإيرانيون، ويرتجف "قاسم سليماني"، قائد "فيلق القدس"، ويجثو على ركبتيه.
وكان الفيديو، الذي أنشأته مجموعة تطلق على نفسها اسم "سعودي سترايك فورس" (القوة الهجومية السعودية)، قد تم إنتاجه بلغات متعددة، بما في ذلك لغة "الماندرين" الصينية، وتم مشاهدته أكثر من 1.5 مليون مرة.
وبالعودة إلى الحياة الواقعية، فقد مات "سليماني" الآن، ولم يتم قتله على أيدي السعوديين، بل في غارة أمريكية في 3 يناير/كانون الثاني الماضي خارج مطار بغداد، بعد أن كان قد عاد لتوه من لبنان وسوريا في إحدى مهامه الكثيرة كمهندس لشبكات القوى الإقليمية الإيرانية.
وقد عبر السعوديون على "تويتر" عن سعادتهم، وظهرت وسائل الإعلام السعودية الرسمية مبتهجة، حيث أعلنت جريدة "الرياض" أن عقدا جديدا قد بدأ في المنطقة مع مقتل رجل الظل لإيران.
وإذا كان المسؤولون السعوديون قد احتفوا بالأمر، فقد فعلوا ذلك بهدوء، حيث كانوا مرتاحين أن "سليماني" قد مات، بل كانوا أكثر ارتياحا أنهم لم يكن عليهم القيام بذلك بأنفسهم، ولكن مع الحذر من الانتقام الإيراني.
وكانت هناك دعوات لأجل منع وقوع تصعيد سريع، وخلال 3 أيام، سافر شقيق ولي العهد نائب وزير الدفاع، "خالد بن سلمان"، إلى واشنطن لحضور اجتماعات في البيت الأبيض.
وكان هذا النمط من الصراخ لاتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، ومن ثم الدعوة إلى وقف التصعيد، قد ميز التنافس السعودي الإيراني منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
ويتم تذكر هذا العام في الغالب باعتباره اللحظة التي أصبحت فيها إيران والولايات المتحدة أعداء في أعقاب أزمة رهائن السفارة الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني، لكن العلاقة بين طهران والرياض تغيرت أيضا.
فقد أصبح البلدان اللذان كانا مجرد خصمين داعمين لجهود الولايات المتحدة لاحتواء النفوذ السوفيتي في المنطقة، أعداء عندما بدأ "الخميني"، زعيم الثورة، في تحدي السعوديين في دورهم كقادة للعالم الإسلامي وأوصياء على أقدس مدينتين في الإسلام، وهما مكة والمدينة المنورة.
وأصبح هذا التنافس جزءا جوهريا من العداء بين الولايات المتحدة وإيران على مدار الـ40 عاما الماضية، وأدى ذلك إلى علاقة ثلاثية، تلعب فيها المملكة العربية السعودية دور ثقل لا غنى عنه لطهران، لكن المملكة هي الأخرى كانت تستفيد من هذا الوضع، وبقدر ما تخشى المملكة إيران، أصبحت مكانتها كصديق خاص لأمريكا في المنطقة مرتبطة باستمرار النظام في طهران.
وهذا ما يفسر سبب غضب الرياض من "باراك أوباما" لمحاولته إحداث انفراجة مع إيران، خشية أن يقوض هذا مكانتها في المنطقة.
وأصبح هذا الاعتماد أكثر أهمية في وقت أصبحت فيه العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية مشحونة بالتوترات بشأن الاختراق المزعوم لهاتف رئيس أمازون "جيف بيزوس" على يد "بن سلمان"، وقبلها مقتل كاتب العمود في "واشنطن بوست"، الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".
ويبدو أن جميع أخطاء السعودية وتجاوزاتها يتم تجاوزها طالما تركز إدارة "ترامب" على الضغط على إيران.
وتجد السعودية نفسها الآن محتارة، وتريد المملكة أن تتعرض إيران للضرب والإضرار لكن بشرط ألا تنهار، وهي في تلك المهمة تعتمد على الآخرين للقيام بها؛ لأنها لا ترغب في تحمل التبعات، لا عسكريا ولا من منظور التخطيط الاستراتيجي.
ومع ذلك، فقد وجدت المملكة أن إدارة "ترامب" قد تكون صديقا متقلبا فيما يتعلق بالدفاع عن المملكة في حالة وقوع هجوم إيراني، كما حدث في سبتمبر/أيلول 2019، عندما ضربت طائرة بدون طيار إيرانية منشآت نفطية سعودية، ولم يكن هناك أي انتقام أمريكي نيابة عن السعودية.
وعلى الرغم من أن إدارة "ترامب" قد نشرت منذ ذلك الحين الآلاف من القوات الإضافية في المملكة، لكن السعوديين ما زالوا يشعرون بالضعف، ولهذا السبب، خلال شهر من الهجوم على منشآت معالجة النفط التابعة لـ"أرامكو"، كان السعوديون يجرون محادثات غير مباشرة مع إيران، بمساعدة العراق وباكستان، لمحاولة تخفيف التوترات.
وبعد مقتل "سليماني"، يطالب السعوديون بوقف التصعيد بنفس الأسلوب، وبعد أن راقبت بقلق توسيع إيران لنفوذها في المنطقة خلال الأعوام القليلة الماضية، وبفضل "سليماني" غالبا، تأمل المملكة الآن في أن تتاح لها الفرصة لدحر هذا النفوذ.
وتنظر المملكة الآن في هل هناك مجال للتواصل مع الزعماء الشيعة في العراق الذين يرغبون في إبعاد أنفسهم عن إيران؟ وهل هذه هي اللحظة المناسبة للضغط على "حزب الله" في لبنان، وكيل إيران الأكثر نجاحا؟
وكان "سليماني" أصبح عدو ولي العهد الشاب "محمد بن سلمان"، وقد كانت الغيرة والإعجاب معا هما الدافع وراء هذا العداء على الأرجح، حيث شعر "بن سلمان" أن المملكة لم تتقن أبدا استراتيجية إقليمية مماثلة يلهمها الخوف والاحترام مع شبكة متينة من الوكلاء الموالين والحلفاء.
ويعكس مقطع الرسوم المتحركة لعام 2017، الذي يعرض ترسانة السعودية العسكرية، الخيال الذي انغمس فيه "بن سلمان" عندما تولى السلطة للمرة الأولى بين عامي 2015 و2017، حيث حاول الخروج عن السياسة الخارجية السعودية المعتادة بشن حرب اليمن وحصار قطر.
ويبدأ الفيديو بجملة من مقابلة أجراها "بن سلمان" على قناة "الإخبارية" التليفزيونية الرسمية السعودية، في مايو/أيار 2017، قال خلالها: "لن ننتظر حتى تدور المعركة في السعودية؛ بل سننقل المعركة إلى إيران".
وحاليا، أصبح ولي العهد أكثر وعيا إلى حد ما من خلال إدراكه أنه لم يقدم شيئا على الجبهة الإقليمية باستثناء حرب مدمرة في اليمن وحصار عديم الفائدة لقطر، والأسوأ من ذلك، كانت إيران هي التي أوصلت الحرب إلى داخل المملكة بهجوم "أرامكو".
والآن، وقد أظهرت الولايات المتحدة أنيابها بقتل "سليماني" وفرض المزيد من العقوبات على إيران، فقد تشعر المملكة بالاطمئنان، لكن لا يمكن أن تكون متأكدة مما إذا كانت هناك سياسة جديدة متماسكة لدى "ترامب" أم أن هذا كان إجراء من خطوة واحدة ستتركها مكشوفة مرة أخرى في المرة القادمة التي تتحرك فيها إيران.
ومع استمرار الاحتجاجات في إيران، وتصعيد إدارة "ترامب" الضغط على طهران، وهو ما خنقها اقتصاديا، بدأ الحديث عن تغيير النظام أو انهياره مرة أخرى، ويراقب السعوديون الموقف أيضا بخوف.
وفي نهاية مقطع الرسوم المتحركة، يتم الترحيب بالقوات السعودية كمنقذ في طهران، حيث يلوح المواطنون الإيرانيون بالعلم السعودي، وهو مجرد خيال بالتأكيد، ففي الحياة الواقعية، لا يمكن أن تكون القوات السعودية مرحب بها في إيران فحسب، بل في الواقع أيضا تحتاج المملكة إلى بقاء النظام الإيراني الحالي.
كيم غطاس- الجارديان - ترجمة الخليج الجديد-