شفيق الغبرا - منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد-
مع بدء المحادثات الأمريكية الإيرانية، من المتوقع أن تتبنى الولايات المتحدة سياسة جديدة تجاه إيران، فقد أوضح الرئيس "جو بايدن" وفريقه أنهم يسعون إلى خفض التصعيد مع إيران، استعدادًا لانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة للتركيز على أولويات دولية أخرى على رأسها روسيا والصين.
ومع اقتراب انسحاب الولايات المتحدة، سيتوجب على الدول العربية -ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي- أن تلعب دورًا مركزيًا في الحفاظ على السلام والأمن في منطقة الخليج.
ومنذ عام 1979، كان التهديد الرئيسي للسلام في الخليج هو العداء بين إيران وبعض دول الخليج، وقد تصاعدت التوترات في منطقة الخليج بشكل كبير في السنوات الأخيرة، الأمر الذي كان له تداعيات في سوريا واليمن.
وبالرغم من الملاحظات على السياسة الخارجية الإيرانية، إلا أنه لا يمكن استبعاد النظام الإيراني من المنطقة بالقوة، وسيكون من الضروري أن تبدأ دول الخليج حواراً معه في نهاية المطاف، ولحسن الحظ، من المرجح أن توفر الظروف التي رتبتها إدارة "بايدن" لدول مجلس التعاون الخليجي فرصة فريدة لإصلاح العلاقات مع إيران.
التفاوض مع إيران
وليس صحيحا أن التهدئة الأمريكية مع إيران ستدفعها إلى مزيد من التطرف، فإيران اليوم ليست إيران عام 1980، وقد تحولت الجمهورية الإسلامية من دولة أصولية ثورية إلى دولة مستقرة تقوم عملية صنع القرار فيها بشكل أساسي على أهداف عقلانية.
وفي الوقت الحالي، فإن أهم هذه الأهداف هو إصلاح الوضع المالي والدولي اللذان تدهورا بسبب سنوات من العقوبات المفروضة على إيران.
كما أن الحوار قد يفتح أيضًا فرصًا لواشنطن مع إيران، فقد فتحت زيارة الرئيس "نيكسون" الناجحة للصين في أوائل السبعينيات الباب لتغييرات إيجابية في العلاقات الصينية الأمريكية، بالرغم من الاختلافات الأيديولوجية الصارخة بين البلدين.
وأدى الانفتاح الأمريكي على الصين إلى تغيير العديد من التوجهات السياسية الصينية، وربما أدى ذلك أيضًا إلى إصلاحات داخلية في الحزب الشيوعي الصيني، وإن كان ذلك دون تغيير أيديولوجي جوهري للحزب.
ما لم تحققه العقوبات
وتسببت سياسة أمريكا التقليدية المتمثلة في مقاطعة وحصار إيران وفرض عقوبات عليها، في خسارة إيران لعائدات بمليارات الدولارات مما قوض بلا شك بعض نفوذها الإقليمي.
لكن العقوبات لم تنجح في تصحيح سلوك إيران العدواني بينما أصبح الضحايا الرئيسيون للعقوبات هم الشعب الإيراني وليس الطبقة الحاكمة، كما فشلت العقوبات في تغيير النظام، وهو هدف خفي لدى العديد من الصقور في واشنطن.
وعلاوة على ذلك، تمكن النظام الإيراني من إيجاد ثغرات في منظومة العقوبات، حيث واصل الاستيراد والتصدير والتهرب من العقوبات.
ومن ناحية أخرى، فنظرًا لزيادة الولايات المتحدة لإنتاجها المحلي من النفط وتراجع الوقود الأحفوري لصالح مصادر الطاقة المتجددة، فإن السياسة الأمريكية الجديدة أصبحت أقل اهتمامًا بحماية مصادر الطاقة مقارنة بالعقود السابقة.
وسيؤدي ذلك إلى جعل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط أقل اعتمادًا على الاعتبارات المتعلقة بالنفط، وهي الاعتبارات التي أدت في البداية لتورط الولايات المتحدة في العديد من الصراعات في المنطقة.
وبما أن الولايات المتحدة تعلم أنه يتعين عليها التركيز أكثر على منافستها مع الصين، فلن تسمح لإسرائيل أو أي من دول مجلس التعاون الخليجي بوضع شروط على عودتها إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني).
وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تصر الولايات المتحدة على قبول شركائها العرب حلاً وسطًا مع طهران من شأنه أن يحد من سلوكها مع السماح لها بدور في سياسات الشرق الأوسط.
تغير الأولويات الأمريكية
يشكل تراجع نفوذ الولايات المتحدة وترددها المتزايد في الانخراط في الصراعات السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، تحديًا كبيرًا للسياسات الإقليمية لدول الخليج، التي لطالما اعتمدت على واشنطن كمصدر للأمن.
وقد أدى ذلك إلى اتجاه بعض دول الخليج لإقامة علاقات سياسية وأمنية مع طرف لم يكن من الممكن تخيله سابقًا (إسرائيل) للتعويض عن التراجع الأمريكي، بينما سعت دول أخرى، مثل الكويت وقطر وعمان، إلى تقليل فرص الصراع من خلال اتباع سياسات أقل تصادمية مع إيران.
كما وصلت التغييرات في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة إلى اليمن، حيث نشهد تباينًا في السياسة الأمريكية عن سياسات بعض دول مجلس التعاون الخليجي، فقد حظرت الولايات المتحدة تصدير الأسلحة الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن، ومن المتوقع أن يلتقي دبلوماسيون أمريكيون بممثلين عن حكومة يمنية تضم أعضاء من الحوثيين.
وإذا استمر الصراع بين إيران وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، فإن أمن المنطقة سيتعرض لتحديات وصراعات إضافية، مما يؤدي إلى تفاقم خوف المستثمرين الأجانب من استكشاف فرص استثمارية في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يؤدي بدوره إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية.
عدم تجاهل إيران
هناك شيء واحد مؤكد؛ فمهما حدث لن تختفي إيران من المنطقة، وبالرغم أن أجندة طهران الإقليمية تثير قلق دول مجلس التعاون، إلا أن إيران لديها الحجم والسكان والدور الإقليمي لقوة عالمية متوسطة، وقد أثبتت قدرتها على تحدي السياسة الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وبينما كان لدى بعض دول المنطقة فرصة لحل المشاكل مع إيران، فقد لجأت في السابق إلى مقاطعتها والسعي للحصول على مساعدة دولية (خاصة من الولايات المتحدة) لإضعاف إيران، بل إنها في بعض الأحيان حثتها على السعي لمواجهة عسكرية، ولحسن الحظ، لم تنجح هذه الأساليب قصيرة النظر مع الإدارة الجمهورية للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أو الإدارة الديمقراطية للرئيس "جو بايدن".
واتفق هذان الرئيسان، رغم اختلافهما في جميع النواحي تقريبًا، على أنه يجب تجنب الحرب مع إيران بأي ثمن؛ وبالتالي سعى كلاهما إلى مقاربات بديلة للتعامل مع الجمهورية الإسلامية. وهكذا، فإن الطريق لإيجاد حل وسط وتسوية مع إيران واضح، لكن المبادرة الآن في أيدي الولايات المتحدة.
وبعد عقد من العقوبات، نجحت إيران في التغلب على أسوئها، ويعني ذلك أنه بالرغم من الاضطرابات الداخلية والتحديات الخارجية، فإن إيران لديها نظام سياسي قادر على الصمود أمام الضغط الخارجي.
وفي حين أن طبيعة النظام الإيراني قد تتغير يومًا ما، فمن غير المرجح يأتي التغيير دون خلق نمو اقتصادي وإصلاح، ولن يحدث هذا إلا بعد رفع العقوبات وعندما يشعر النظام أن الإصلاح الاقتصادي لن يعرضه للخطر.
إن إنهاء الصراع مع إيران (أو على الأقل تخفيفه) واعتبارها منافس إقليمي بدلا من تهديد وجودي، سيفيد دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة بأسرها. وتحتاج منطقة الخليج إلى ترتيب جديد لحماية المصالح المشتركة لجميع الدول بما في ذلك إيران.