الخليج أونلاين-
بعد أيام من المصالحة الخليجية، وتولي الرئيس جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، شهدت منطقة الخليج والشرق الأوسط لقاءات وزيارات مكوكية، فيما يشبه بحراك كبير ينبئ بشكل جديد للعلاقات بين دول المنطقة، وهو حراك لم يتوقف حتى اللحظة.
وفي وقت تراوح فيه أزمات في الشرق الأوسط مكانها، بدأت تحركات متسارعة لإنهاء أزمات جديدة عقب المصالحة الخليجية، أبرزها فيما يتعلق بالخلافات التركية المصرية والتركية السعودية، والأزمة بين طهران والرياض وفيما يتعلق بحرب اليمن، إضافة إلى ملف النووي الإيراني.
ولعل التحركات الأمريكية في الخليج والشرق الأوسط، هي الأبرز، فنظرة بايدن إليها تنطلق من الحفاظ على هذه التحالفات ووضعها في سياق استراتيجي يتوافق مع المصالح الأمريكية، حيث يرى أن استقرار الخليج وضمان تعاون هذه الدول فيما بينهم ومع اسرائيل وعدم توجههم شرقاً مقابل كبح أنشطة إيران النووية هو الهدف العملي.
تحركات أمريكية لا تتوقف
بدأت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ وقتٍ مبكر في عملها بالشرق الأوسط والخليج، بإعلان إلغاء تصنيف جماعة الحوثي إرهابية، وتعيين مبعوثاً لها إلى اليمن، إضافة إلى وقف الدعم الأمريكي للمملكة في حربها باليمن.
وأمام التحديات التي تواجه الإدارة الأمريكية كالاتفاق النووي مع إيران، فقد بدأت مفاوضات في فيينا بين إيران والدول الضامنة للاتفاق النووي من أجل التوصل إلى حلٍ لإنهاء الخلاف بين الجانبين.
وإلى جانب ذلك، فقد زار مطلع شهر مايو الجاري، وفد أمريكي كبير من وزارتي الخارجية والدفاع إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة قبل توجهه الى مصر والأردن، للبحث في شتى قضايا أمنية وجو سياسية تحدد إطار العلاقة والشراكة بين إدارة جوزيف بايدن والحلفاء التقليديين في المنطقة.
كما شهدت العاصمة العُمانية مسقط التي يقيم فيها رئيس وفد الحوثيين المفاوض، في أبريل ومطلع مايو حراكاً أمريكياً ودولياً وإقليمياً لإيقاف الحرب في اليمن، حيث كثف المبعوث الأممي مارتن غريفيث، ونظيره الأمريكي تيم ليندركينغ، زيارتهما لها وعقدا خلالها لقاءات عدة بالمسؤولين العمانيين، إضافة إلى زيار عضو مجلس الشيوخ الأمريكي، كريس ميرفي.
اتصالات وزيارات سعودية
إلى جانب الزيارات الأمريكية والأممية إلى مسقط، فقد شهدت زيارة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، الذي سلم رسالة من الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى سلطان عُمان.
وفي الجانب الآخر، كشف الرئيس العراقي برهم صالح، الأربعاء 5 مايو 2021، عن أن بلاده استضافت أكثر من جولة محادثات بين السعودية وإيران.
ولم يعط صالح مزيداً من التفاصيل، خلال التصريحات التي أدلى بها في مقابلة تم بثها على الهواء مباشرة عبر الإنترنت مع مركز أبحاث "بيروت إنستيتيوت".
ولدى سؤاله عن عدد جولات المحادثات السعودية الإيرانية التي استضافها العراق، أجاب صالح: "أكثر من مرة".
ومنتصف شهر أبريل الماضي، قال مسؤول إيراني كبير ومصدران في المنطقة لوكالة "رويترز" إن مسؤولين سعوديين وإيرانيين أجروا محادثات مباشرة في محاولة لتخفيف التوتر بين البلدين.
وعقب ذلك الاجتماع وتحديداً في أواخر أبريل، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إن بلاده تطمح بـ"علاقة جيدة مع إيران"، مضيفاً: "لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بل نريدها أن تكون مزدهرة. لدينا مصالح مشتركة. مشكلتنا مع سلوك إيران السلبي"، وهو ما رحبت به طهران على لسان خارجيتها واعتبرت ذلك الخطاب "إيجابي".
لم يتوقف الحراك السعودي عند ذلك، فقد كشفت "صحيفة الغارديان" البريطانية، أن رئيس الاستخبارات السعودي خالد بن علي الحميدان زار العاصمة السورية دمشق والتقى نظيره السوري مشيرة إلى أن هذا الاجتماع، يعتبر بمنزلة "انفراجة للأزمة التي عرفتها العلاقات بين الرياض والأسد منذ اندلاع الحرب".
تحركات تركية إيرانية
وفي الجانب الآخر، بحث العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحث، مطلع مايو 2021، العلاقات بين البلدين، في إطار اتصالات مكثفة بين الجانبين.
كما عززت تركيا من خطواتها واتصالاتها مع الجانب المصري، بعد سنوات من الخلافات بينهما، حيث يزور يزور وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال العاصمة المصرية القاهرة، في 5 و6 مايو 2021، لبحث تطبيع العلاقات بين البلدين.
ومنتصف أبريل الماضي، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إن تركيا ومصر قررتا مواصلة الحوار الذي بدأ عن طريق استخبارات البلدين، عبر وزارتي الخارجية.
وفي الجانب الإيراني، فقد كان الأسبوع الأخير من شهر أبريل؛ حافلاً بالنسبة للدبلوماسية الإيرانية، بعدما قام وزير خارجيتها محمد ظريف، بزيارات إلى الدوحة والكويت والرياض ومسقط وبغداد.
وحركت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى منطقة الخليج الركود السياسي؛ حيث تحمل رسائل ودلالات كثيرة، ولا سيما أن المنطقة تشهد توتراً نسبياً بين طهران و"إسرائيل"، وسط حراك سياسي آخر متعلق بمفاوضات فيينا حول النووي الإيراني.
وفي 4 مايو 2021، بحث ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، مع الرئيس الأمريكي كما ناقش الاتصال الهاتفي أزمة أفغانستان والأبعاد النووية والإقليمية للتهديد الذي تشكله إيران، وفق بيان صادر عن البيت الأبيض، نشر على موقعه الإلكتروني، إضافة إلى "الأهمية الاستراتيجية لإقامة علاقات دبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل".
التأقلم مع المتغيرات
يعتقد المحلل السياسي محمود علوش، أن المنطقة "تحاول التأقلم مع المتغيرات الدولية التي تفرض على دول الإقليم تبني خطاب خارجي جديدة يتناسب مع المرحلة".
ويرى أن مجيء إدارة بايدن والانسداد في أفق الصراعات الإقليمية المتعددة "كلها عوامل تدفع هذه الأطراف لتعديل سياساتها وتبني لهجة أكثر ودية تجاه الآخرين".
ويشير علوش في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن مركز الثقل في صناعة القرار العربي "انتقل في السنوات الأخيرة إلى منطقة الخليج وبالتحديد بعد تراجع أدوار مراكز إقليمية تقليدية كدمشق والقاهرة، ومن الطبيعي أن تكون محور هذه الانعطافات الإقليمية".
ويتحدث عن القلق الخليجي من عودة واشنطن للاتفاق النووي السابق مع إيران من دون الضغط عليها لتعديل سياساتها الإقليمية، موضحاً: "هم يدركون أن هذه العودة باتت حتمية رغم أنهم كانوا يعولون على أن المعارضة الإسرائيلية لها قد تدفع واشنطن للتخلي عنها".
وأضاف: "لذلك يحاول السعودية فتح قنوات حوار مع طهران. ومن جانب آخر، يريد الأمير محمد بن سلمان من خلال الخطاب الخارجي الجديد تقديم نفسه لبايدن على أنه طرف يمكن أن ينجح جهود الاستقرار الإقليمي".
وفيما يتعلق بتركيا، يقول: "أنقرة من الدول المتأثرة بحدة من المتغيرات الدولية وسعت منذ بداية العام لتبني نهج جديد يقوم على تقليل عدد الخصوم وزيادة عدد الأصدقاء، وهي بحاجة لإحداث توازن في سياستها الإقليمية وهذا لا يتحقق من دون إصلاح العلاقة مع القاهرة والرياض بشكل رئيسي".
وأضاف: "كما أن محاولتها عزلها في صراع شرق المتوسط، تفرض عليها تفكيك التكتل الإقليمي المشكل ضدها في المنطقة".