حسين آيبش/معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة الخليج الجديد -
بحسب ما ورد، عقدت السعودية وإيران اجتماعا دبلوماسيا هاما في العراق في أوائل أبريل/نيسان. وكان الاجتماع نتاج سلسلة من الاجتماعات السابقة ذات المستوى المنخفض غالبا. ويقال إن الجانبين يخططان للمتابعة في القريب العاجل.
وقال ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، في مقابلة تليفزيونية، إن "المملكة تسعى إلى علاقات جيدة مع إيران.. ونحن نعمل مع شركائنا في المنطقة للتغلب على خلافاتنا مع إيران". وبحسب ما ورد، ركزت المحادثات في العراق على الوضع في اليمن، لكن تفاصيل النقاشات ربما تكون أقل أهمية من عقد الاجتماع في حد ذاته.
وكانت الإمارات، الخصم الرئيسي الآخر لإيران في الخليج، أكثر سرعة ودراماتيكية في الانفتاح على طهران، وقد تجلى ذلك في قمة علي مستوى وزراء الخارجية قيل إنها تتعلق بوباء فيروس كورونا.
وكان من المرجح دائما أن تتحرك السعودية، الأكبر والأقوى بكثير، بحذر أكثر من الإمارات، لكن هذا الانفتاح لا يمثل مفاجأة أو تحولا مفاجئا. وهناك عوامل كثيرة أثرت في حسابات الرياض فيما يتعلق بالحوار مع طهران.
حوار طويل الأمد
ولأكثر من عامين، كانت السعودية وإيران تضعان الأساس لمفاوضات وتتقدمان ببطء نحوها. ومنذ أكثر من عام، بدأت السعودية مبادرات دبلوماسية مهمة، وإن كانت متواضعة، تجاه إيران. وكان هذا في خضم حملة "أقصى ضغط" ضد إيران من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب".
وعلى وجه التحديد، بدأت السعودية هذه المبادرات الدبلوماسية لأن الهجمات الإيرانية (التي غالبا ما يمكن إنكارها) ردا على العقوبات الأمريكية وتحت عنوان "أقصى مقاومة"، أدت إلى توترات لا يمكن السيطرة عليها.
ولم تسع السعودية إلى حرب أمريكية مع إيران، ناهيك عن صراع يشمل السعوديين أنفسهم. ومثل الإمارات وإسرائيل وغيرهما، كان لدى السعودية شكوك كبيرة بشأن الاتفاق النووي مع إيران. ورحبت الرياض بإصرار "ترامب" على اتفاق جديد يتعامل مع برنامج إيران الصاروخي ودعمها لشبكة الوكلاء في العالم العربي.
ومع ذلك، يعتقد معظم كبار القادة السعوديين أن الصراع الواسع المباشرمع إيران ليس في مصلحتهم. وترسخت هذه الرؤية في أعقاب الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار في 14 سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت أرامكو السعودية، التي يُعتقد على نطاق واسع أن إيران نفذتها. ولم تُظهِر الهجمات ضعف السعودية فحسب، بل كان استخدام التوجيه الدقيق مثيرا للإعجاب من الناحية الفنية.
وفشل عدد قليل من المقذوفات في الوصول إلى أهدافها، واختار المخططون بذكاء ما يجب ضربه وتوقيت العملية من أجل إحداث أقصى قدر من الضرر. لذا، فإن قرار السعودية بالانخراط دبلوماسيا مع إيران، نشأ جزئيا عن رغبة حقيقية في تجنب الصراع، والقلق الحقيقي بشأن مدى خطورة التوترات التي أصبحت قائمة بالفعل.
ومن ناحية إيران، كان العامل الرئيسي لتوجهها إلى المسار الدبلوماسي النكسات الكبيرة التي تعرضت لها نتيجة حملة العقوبات، فإيران الآن لم تعد بتلك القوة التي كانت عليها عام 2015. فقد تضرر اقتصادها بشدة، وفقدت العديد من الناشطين الأساسيين، وخاصة قائد فيلق القدس "قاسم سليماني"، الذي قتلته طائرة أمريكية بدون طيار في العراق في 3 يناير/كانون الثاني 2020.
وتعرضت إيران لسلسلة من الضربات المؤلمة من قبل إسرائيل، التي يبدو أن لديها معلومات استخبارية عميقة عن إيران، لا سيما فيما يخص برنامجها النووي ووكلائها في سوريا والعراق. وفي حين أن وضع إيران ما يزال قويا في هاتين الدولتين العربيتين المجاورتين، فقد تراجع موقعها الاستراتيجي والسياسي في سوريا والعراق إلى حد ما في الأعوام الأخيرة، مع تزايد الضغط من القوى الداخلية والخارجية التي تسعى إلى إضعاف نفوذ طهران.
وتدهورت علاقات إيران مع تركيا إلى حد ما، في حين أن الخصوم الرئيسيين (إسرائيل والإمارات) يقتربان من بعضهما البعض جزئيا من أجل تنسيق المعارضة ضد إيران.
وأقنعت هذه التطورات والعديد من التطورات الأخرى القادة السعوديين بالنظر إلى إيران على أنها أقل تهديدا مما كانت عليه قبل بضعة أعوام. ولطالما ضغطت إيران علنا من أجل إجراء مفاوضات مع جيرانها العرب وحتى إنشاء إطار أمني إقليمي واسع. لكن حتى وقت قريب، كان خصوم إيران في الخليج العربي، ولا سيما السعودية والإمارات، يخشون أن يكون ذلك اعترافا بدور إقليمي واسع لإيران.
وبالإضافة إلى الدبلوماسية الهادئة الكبيرة وراء الكواليس، أبدت إيران والسعودية اهتمامهما بمحادثات متجددة من خلال مجموعة متنوعة من الرسائل الرمزية العامة. وقد تجلي ذلك في مقالتين اشترك في كتابتهما المتحدث السابق باسم فريق التفاوض النووي الإيراني "حسين موسويان" (المقرب من الفصيل السياسي الذي يضم الرئيس الإيراني) والباحث والمحلل السعودي "عبدالعزيز صقر" (الذي يمتلك علاقات قوية مع الديوان الملكي) وتضمنت المقالتان دعوة للملك "سلمان بن عبدالعزيز" إلى مثل هذا الحوار. وتشير هاتان المقالتان، الأولى في صحيفة "نيويورك تايمز" في مايو/أيار 2019، والثانية في صحيفة "الجارديان" في يناير/كانون الثاني، بقوة إلى استعداد كلا الجانبين للتواصل بشكل أكثر انفتاحا.
وتوجد عدة نقاط تشجع علي بداية حوار سعودي إيراني. وربما يكون الأمن البحري في مياه الخليج هي نقطة الالتقاء الأقل صعوبة. ويعد كلا البلدين ومعظم حلفائهما الإقليميين من مصدري الطاقة الذين يعتمدون على حرية الملاحة والممرات الآمنة عبر هذه المياه.
وكان تركيز إيران على مهاجمة الأهداف البحرية كجزء من حملتها "أقصى مقاومة" مدفوعا بالرغبة في تأكيد حق طهران في أن تكون جزءا من إطار الأمن البحري في الخليج. وشعرت إيران بأنها مستبعدة من ذلك وأرادت إرسال رسالة مفادها أنه إذا لم تستطع بيع نفطها بسبب العقوبات، فلن يتمكن جيرانها في النهاية من بيع نفطهم بسبب الاضطرابات التي تحدثها إيران للأمن البحري. لكن في النهاية، لدى جميع الأطراف في المنطقة مصلحة حقيقية في حرية الملاحة والتجارة.
وتعد الحرب في اليمن أيضا موضوع محتمل للاتفاق، ولهذا ركزت المحادثات الأولية في العراق على ذلك. ولا يزال مستوى انخراط إيران ونفوذها مع الحوثيين محل خلاف. لكن من الواضح أنه بينما أصبح إنهاء حرب اليمن أولوية رئيسية لكل من السعودية وإدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، فإن مثل هذه النتيجة لن تتعارض بالضرورة مع المصالح الإيرانية.
ونظرا لأن علاقة طهران بالحوثيين بعيدة نسبيا مقارنة بالتكامل الرأسي إلى حد ما مع جماعات مثل "حزب الله" في لبنان أو "قوات الحشد الشعبي" الموالية لإيران في العراق، قد تكون معالجة الصراع اليمني ممكنة دون مواجهة مباشرة بين السعودية وإيران.
ويوجد تناقض عميق بين هدف إيران المعلن لتطوير إطار أمني إقليمي مع الدول المجاورة ووسيلتها الأساسية لإبراز القوة في ذلك الجوار، ألا وهي زراعة وتوسيع وتمكين شبكة الميليشيات. وفي نهاية المطاف، سيتعين على إيران الاختيار بين تطوير وإنجاح إطار العمل الأمني الإقليمي القائم على الدولة والذي تدعي أنها تسعى إليه وبين شبكة الميليشيات التي تعزز عدم الاستقرار في دول مثل سوريا والعراق ولبنان.
ويكمن هذا التناقض في قلب التنافس السعودي الإيراني، وهو جزء أساسي من التنافس على مجالات النفوذ والقوة الإقليمية. لكن يمكن معالجة القضايا الحاسمة مثل الأمن البحري وحتى حرب اليمن قبل مواجهة هذه الخلافات الجوهرية والمعقدة.
اليمن
وأدركت السعودية منذ أعوام أنها عالقة في مستنقع اليمن. وتراجعت القوات السعودية والمقاتلون اليمنيون المحليون الموالون لحكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي" في الصراع في شمال البلاد بشكل مطرد في الأعوام الأخيرة. وينخرط المتمردون الحوثيون في معارك للسيطرة على مأرب، آخر معقل رئيسي للحكومة في الشمال. وإذا سيطر الحوثيون على مأرب، ستكون الرياض وحكومة "هادي" قد هُزمت فعليا في شمال اليمن، وسيتعين على التحالف الذي تقوده السعودية منع سيطرة الحوثيين على عموم البلاد.
وأرادت السعودية إيجاد صيغة لإنهاء تدخلها في اليمن. ومع ذلك، أظهر الحوثيون القليل من الاهتمام بالتوصل إلى أي حل سياسي يمكن أن يسهل الانسحاب السعودي، فقد سارت الحرب بشكل جيد للغاية بالنسبة لهم. ويعتقد الحوثيون أنهم قادرون على كسب المزيد من الأرض من خلال المزيد من القتال.
ومن أجل انسحابها، تحتاج السعودية ضمانات بأن الحوثيين لن يواصلوا تهديد أمن المملكة انطلاقا من الأراضي اليمنية. وليس من الواضح مدى التأثير الذي يمكن أن تمارسه طهران على اتخاذ القرارات الاستراتيجية للحوثيين، بالرغم أن إيران تساهم في تمديد الصراع من خلال تشجيع الحوثيين وتقديم دعم متزايد وإغراءات أخرى.
وقد استفادت إيران بشكل كبير من تورط السعودية في صراع لا تشكل نتائجه خطورة لمصالح طهران الحيوية. ويأمل السعوديون في أن يؤدي تخفيف التوترات مع إيران إلى انخراطها في إنهاء حرب اليمن، أو على الأقل، عدم العمل كمفسد.
عامل "بايدن"
وبسبب قربها من إدارة "ترامب" وغضب الديمقراطيين من حرب اليمن وانتهاكات حقوق الإنسان ومقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، احتاجت السعودية إلى اتخاذ خطوات مهمة لدعم العلاقات المتضررة مع العديد من الديمقراطيين البارزين في واشنطن.
ومن خلال إنهاء حصار قطر، والإفراج عن عدد من السجناء البارزين بما في ذلك الناشطة في مجال حقوق المرأة "لجين الهذلول"، واقتراح وقف إطلاق النار في اليمن، أحرزت الرياض تقدما في علاقاتها مع واشنطن. ومع ذلك، هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به، وبما أن إحياء الدبلوماسية النووية مع إيران يمثل أولوية عليا للإدارة الأمريكية، فإن الذوبان الناشئ ببطء في العلاقات السعودية الإيرانية يصبح أكثر منطقية من أي وقت مضى بالنسبة للسعودية في ظل رئاسة "بايدن".
ومن خلال الاستمرار في استكشاف اتصالات جديدة مع إيران، تُظهر السعودية للإدارة الأمريكية أنها أيضا مهتمة بإحياء الدبلوماسية باعتبارها حجر الزاوية في السياسة تجاه إيران. كما يشير ذلك إلى أن المملكة غير مهتمة بالعمل كعقبة أمام تنشيط خطة العمل الشاملة المشتركة أو تخفيف التوترات في المنطقة.
ونظرا لأنه من المرجح أن تواصل واشنطن وطهران الجهود الدبلوماسية وفقا لشروطهما الخاصة، لا يمكن للرياض الاعتماد على واشنطن لحماية مصالحها في جميع الأوقات. وإذا كانت الولايات المتحدة وإيران ستشتركان في التفاوض حول مخاوف كل منهما الخاصة، فستحتاج السعودية إلى القيام بنفس الأمر بمفردها إذا كانت تأمل في تشكيل التطورات الاستراتيجية في المنطقة وتأمين مصالحها الخاصة.
لذلك، فإن التواصل السعودي المستقل مع إيران يخدم (في آن واحد) دعم واشنطن ويعمل كعامل تحوط ضد الولايات المتحدة التي قد تتجاهل المخاوف السعودية في المحادثات مع طهران. ومع ميل الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة وعدم موثوقية الدعم الأمريكي في مواجهة أزمات الأمن القومي لدول المنطقة، فقد اضطر حلفاء الولايات المتحدة للبحث نحو سبل العمل المستقل والتنويع الاستراتيجي، وتجلى ذلك في اتجاه بعض الدول لتعزيز العلاقات مع الدول التي تجمعها معها مخاوف أمنية مشتركة (التقارب بين الإمارات وإسرائيل) أو التواصل الدبلوماسي مع الخصوم التقليديين، كما في هذه الحالة.
عصر الوحدة وخفض التوترات والمناورات
ويظهر الحوار السعودي الإيراني أيضا في فترة تتسم بالمناورات الدبلوماسية في جميع أنحاء المنطقة مع تراجع التركيز على القوة الصارمة والصراع المسلح، سواء بشكل مباشر أو من خلال الوكلاء. وقد عانت جميع دول الشرق الأوسط التي سعت لإظهار قوتها المفرطة من خلال استراتيجياتها التوسعية. ويشمل ذلك إيران والسعودية، كما يشمل تركيا والإمارات إلى حد كبير.
وبالإضافة إلى أنها قضمت أكثر مما تستطيع هضمه، فقد اضطرت تلك الدول، التي انخرطت في صراعات في جميع أنحاء المنطقة في الأعوام الأخيرة، إلى الاعتراف بأن معظم الصراعات فاز بها أحد الأطراف المتحاربة الأخرى، أو وصلت إلى طريق مسدود. وفي معظم الحالات، تشعر القوى الإقليمية أنه لا يمكن الاستمرار في تحقيق مكاسب من خلال ساحات االمعارك بما في ذلك تلك الموجودة في ليبيا وسوريا والعراق وحتى اليمن.
ولا ينطبق هذا بالضرورة على القوات المحلية، ولا سيما الحوثيين. لكن جاذبية المغامرات الأجنبية أو حتى الحملات بالوكالة وصلت إلى الحضيض في عام 2020.
ونتيجة لذلك، يشهد الشرق الأوسط فيضا ملحوظا من النشاط الدبلوماسي ومبادرات القوة الناعمة التي يحاول اللاعبون الإقليميون من خلالها تأمين مصالحهم خارج ساحة المعركة. وتسعى هذه الدول إلى تعزيز المكاسب التي حققتها، وتقييم ومراجعة ارتباطاتها في الخارج لتقليلها في كثير من الأحيان، واستكشاف ما يمكن تحقيقه من خلال المناورة بدلا من المواجهة. ومن الأمثلة على ذلك الانفتاح الدبلوماسي العربي على إسرائيل، وإنهاء حصار قطر، والجهود المبذولة لإعادة دمج سوريا في جامعة الدول العربية، وإعادة تنشيط العملية السياسية في ليبيا، والانخفاض الكبير في التوترات بين السعودية وتركيا.
ويعد الحوار بين الرياض وطهران مثالا ممتازا آخر على نمط المناورة وخفض التوترات. ويهتم كلا البلدين باختبار المياه واكتشاف ما يمكن تحقيقه من خلال الحوار.
ومع ذلك، نظرا لعدم حل أي من الدوافع الرئيسية للتوترات السعودية الإيرانية، فقد تكون الأجواء الدبلوماسية الحالية مؤقتة؛ ما يعني أن أي تطورات دراماتيكية قد تقود إلى مواجهات جديدة سواء مباشرة أو بالوكالة في عدد من المسارح في جميع أنحاء المنطقة.
ومع إصرار واشنطن الآن على العودة إلى الدبلوماسية في الشرق الأوسط وحول العالم، فإن الخصوم الإقليميين الدائمين مثل إيران والسعودية لديهم فرصة رائعة لمحاولة تهيئة الأسس لحوار مستمر وإزالة أكبر عدد ممكن من الحواجز الهيكلية.
ومن الناحية المثالية، ربما تؤدي مثل هذه المحادثات في النهاية إلى إطار أمني إقليمي. ولكن حتى لو كان ذلك بعيد المنال في ظل الظروف الحالية، فمن الممكن إحراز تقدم كافٍ على الأقل للمساعدة في السيطرة على التوترات وتجنب الأضرار الهائلة للتصعيد الشامل.