مصطفى الزواتي- عربي بوست-
تفاهمات سعودية إيرانية لإعادة فتح سفارة البلدين في كل من طهران والرياض، كان هذا أحد أبرز ما أسفرت عنه اللقاءات بين مسؤولي الدولتين في العاصمة العراقية بغداد خلال الفترة السابقة.
فقد كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" عن تفاصيل الاتفاقات والتفاهمات بين الجانبين الإيراني والسعودي، والتي كان من بينها وقف الدعم السعودي للمعارضة والاستثمارات السعودية في سوريا والعراق، بالإضافة إلى مقترحات بإنشاء طريق دولي يربط مدن مشهد الإيرانية وكربلاء العراقية ومكة السعودية.
يأتي ذلك بعد سلسلة من الجولات التي عُقدت بين الجانبين في العاصمة العراقية بغداد، حيث أعلن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في وقت سابق أن الرياض عقدت جولة رابعة من المفاوضات المباشرة مع إيران، في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، ولا تزال في مرحلتها "الاستكشافية"، وذلك خلال مؤتمر صحفي له في العاصمة السعودية مع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل.
تفاصيل الاجتماع
قال مصدر دبلوماسي عراقي، مطلع على الاجتماع الأخير بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين، لـ"عربي بوست"، إن الجولة الأخيرة من الحوار بين طهران والرياض تمت داخل مطار بغداد الدولي.
ووصف المصدر الاجتماع بأنه كان "إيجابياً للغاية"، مضيفاً "كان هناك خوف بعد توقف جولات الحوار بسبب انتقال السلطة في طهران، من فشل هذه المحادثات، لكن اللقاء الأخير الذي حضره علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وعادل الجبير وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، ينذر بمزيد من التفاهمات، فيبدو أن كلا الجانبين مصمم على إعادة العلاقات".
وتعد هذه الجولة من المفاوضات هي الأولى منذ أن تسلم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منصبه في أغسطس/آب الماضي.
وبحسب مصادر أمنية إيرانية تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن ملف المحادثات مع المملكة العربية السعودية، قد انتقل من وزارة الخارجية إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني برئاسة الجنرال علي شمخاني.
تجهيزات لإعادة فتح سفارات البلدين
مصادر إيرانية خاصة رفيعة المستوى، رفضت الكشف عن اسمها، أكدت لـ"عربي بوست" أنّ هناك هيئات أمنية سعودية وصلت إلى إيران للعمل على ترميم السفارة السعودية للترتيب لإعادة فتح سفارة السعودية بطهران، والقنصلية السعودية في مشهد بعد اقتحام متظاهرين إيرانيين للسفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة مشهد عام 2016، عقب إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر.
وتؤكد تلك المصادر أنّ الوفد الأمني السعودي عمل على تحديث المنظومة الأمنية والتقنية داخل السفارة والقنصلية السعودية، والتأكد من عدم تعرضهما لأي اختراقات قبل إعادة فتحها من جديد.
في المقابل، وصل وفد إيراني أمني لإعادة ترتيب فتح السفارة الإيرانية في الرياض والقنصلية في جدة، بحسب تأكيدات المصدر الأمني المطلع، والتي ستعمل بدورها على إعادة تجهيز فتح السفارة والقنصلية الإيرانية في كل من الرياض وجدة.
من جانبه، أشار المحلل السياسي الإيراني المقرب من الخارجية الإيرانية، قيس قريشي، أن فتح السفارات في البلدين يعد بادرة حسن نية وبداية لحلحلة الكثير من الملفات بين الطرفين.
ويشير قريشي في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، أن إيران تفضّل تقسيم الملفات كل على حدة، وأن تتم مناقشة كل ملف بمفرده وليس مناقشتها دفعة واحدة، منوهاً إلى أنّ طهران أكدت للرياض عبر المفاوضات التي أجريت على ضرورة فتح السفارات في بداية الأمر قبل التوصل لأي تسوية أو اتفاق متعلق بالملف اليمني أو السوري.
وذكر قريشي أنّ الجانب الإيراني أبلغ نظيره السعودي أنّه بعد عودة فتح السفارات فإنّ المفاوضات ستصبح علنية، وسيرتفع التمثيل الدبلوماسي بالمفاوضات التالية.
طريق من مشهد إلى مكة
قال مصدر مقرّب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لـ"عربي بوست"، إن الأخير اقترح على الجانبين السعودي والإيراني إنشاء طريق دولي سريع يربط بين مدينة مشهد الإيرانية ومكة المكرمة، ويمر من خلال مدينة كربلاء العراقية.
وأضاف "هذا الطريق له دلالة كبيرة على عمق العلاقات"، فمدينة مشهد تعتبر واحدة من أهم المدن الدينية المقدسة لدى المسلمين الشيعة داخل إيران وخارجها، فهي تضم الكثير من الأضرحة الشيعية، مثلها مثل مدينة كربلاء العراقية.
وبحسب المصدر السابق فان كلا الجانبين الإيراني والسعودي أبديا حماسة تجاه هذا الاقتراح، يقول مصدر أمني إيراني لـ"عربي بوست"، "الفكرة جيدة للغاية، وأتمنى أن تنفذ، ولن تمانع القيادة العليا في طهران تنفيذ هذا الاقتراح".
بحسب المسؤولين والدبلوماسيين العراقيين والإيرانيين الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، فإن الوفد الإيراني طلب من نظيره السعودي عدم التضييق على الأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية، والسماح لهم بأداء شعائر الحج في مدينة مشهد الإيرانية، دون تعرضهم للمضايقات الأمنية.
وقف دعم المعارضة المسلحة
جرى في جولات المفاوضات استعراض الأدوار السياسية التي يقوم بها الطرفان في المنطقة، بحسب ما ذكرته مصادر رفيعة المستوى لـ"عربي بوست"، التي أوضحت أن إيران اشترطت على السعودية قبل إعادة فتح السفارات والعلاقات الدبلوماسية، التوقف عن دعم المعارضة وتقديم أي دعم سياسي أو إعلامي أو مالي لها.
وعلى رأس هذه الشروط وقف دعم السعودية لـ"جيش العدل"، ومقره في بلوشستان، جنوب شرق إيران، ويمثل المعارضة السنية بالمنطقة، ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وفصائل المعارضة الأحوازية؛ إذ تتهم طهران الرياض بتقديم دعم وتمويل لهجمات الجماعة المسلحة التي كانت تنفذ بحق جهات أمنية وعسكرية تابعة للنظام الإيراني.
وقف التراشق الإعلامي
وبحسب المصدر الدبلوماسي العراقي، كان من ضمن القضايا التي ناقشها الطرفان مسألة الحملات الإعلامية التي يشنها الجانبان ضد بعضهما البعض. فيقول لـ"عربي بوست"، "طلبت إيران من السعودية وقف عمل القنوات والمواقع الاخبارية الناطقة بالفارسية، التي تمولها السعودية مباشرة، والتي تثير الأخبار الكاذبة وتنشر صورة عدائية للجمهورية الإسلامية"، على حد تعبيره.
يذكر أن أشهر هذه القنوات الناطقة بالفارسية الممولة سعودياً هي قناة إيران إنترناشونال، التي تتبنّى خطاباً مناهضا للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وبحسب المصدر ذاته، فإن إيران طلبت من الجانب السعودي أيضاً وقف تمويل الصحفيين الأحوازيين المعارضين للجمهورية الإسلامية، والمقيمين خارج إيران.
يقول مصدر أمني إيراني، كان من ضمن الحاضرين لهذا الاجتماع، لـ"عربي بوست"، "لا يمكن المضي قدماً في أي علاقة إيجابية بالرياض، قبل أن تتوقف عن دعمها للمجموعات والأشخاص الذين يعملون على الدعاية السلبية ضد الجمهورية الإسلامية".
الملف اليمني.. خارطة طريق
حظيت الحرب في اليمن باهتمام كبير على طاولة المفاوضات بين طهران والرياض. فالوفد الإيراني ذكر أنّهم ليس لديهم أي مانع من إيجاد تسوية في الملف اليمني، مؤكدين لهم أنّ على الرياض أن تمضي في عقد اتفاقية وتسوية سياسية تجمع كلاً من الحكومة الشرعية في اليمن من جانب وجماعة "أنصار الله" من جانب آخر، وتكون بحضور ورعاية سعودية-إيرانية.
في هذا الصدد يقول مصدر عراقي، مقرب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي كان حاضراً هذه الجولة من المفاوضات، لـ"عربي بوست"، إن القضية الأهم والأكبر في الاجتماع الأخير كانت كيفية إنهاء الحرب باليمن، وتقاسم السلطة.
وفي نفس السياق، قال مصدر أمني إيراني، كان حاضراً ضمن الوفد الإيراني برئاسة على شمخاني، لـ"عربي بوست"، إن القيادة العليا في طهران أطلعت الحوثيين على رغبة الرياض في إنهاء الحرب، والتفاوض مع القادة الحوثيين، الذين أبدوا استعدادهم الكامل لحل هذه المسألة، ومن المتوقع أن يكونوا طرفاً في المفاوضات الإيرانية السعودية في المستقبل القريب".
ولم توضح المصادر العراقية والإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست" الخطوات المحددة التي ناقشها الجانبان لحل أزمة اليمن، مكتفين بالقول إن هذه الخطوات بالتفصيل سيتم مناقشتها في الجولة القادمة من الحوار الإيراني السعودي.
يقول مصدر دبلوماسي عراقي، لـ"عربي بوست"، "الإيرانيون والسعوديون اتفقوا على الخطوط العريضة لخارطة الطريق لحل مسألة اليمن، لكن باقي التفاصيل ستتم مناقشتها في عواصمهم، ثم طرحها مرة أخرى في الجولة المستقبلية".
الملف السوري
أما فيما يتعلق بالملف السوري فإنّ الإيرانيين أبدوا عبر المباحثات مع الجانب السعودي موافقتهم على أن يكون للسعودية دور في إعمار سوريا، وضخ استثمارات فيها، حيث تشير المصادر إلى أنّ الإيرانيين يمتلكون الضوء الأخضر من قبل الرئيس السوري بشار الأسد للتفاوض مع الجانب السعودي في مسألة إعادة إعمار سوريا، وبحث مسألة ضخ استثمارات سعودية في سوريا مستقبلاً.
يقول مصدر أمني إيراني مطلع على الاجتماع لـ"عربي بوست"، "سنشهد في الأيام المقبلة بداية علاقة جيدة بين السعودية وسوريا، السعوديون منفتحون على توطيد علاقتهم ببشار الأسد".
الاستثمارات السعودية في العراق
وبخصوص الاستثمارات السعودية في العراق، التي وقفت ضدها إيران وحلفاؤها في العراق في أوقات سابقة، فقد طلبت الرياض من طهران السماح لها بالاستثمار في العراق دون التعرض لمضايقات من قبل الفصائل المسلحة العراقية المقربة من إيران.
يقول مصدر مقرب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لـ"عربي بوست"، "يخشى الإيرانيون من مسألة الاستثمار السعودي في العراق، وفي نفس الوقت يدركون أهمية الاستثمارات السعودية للعراق، الذي يعاني من أزمات اقتصادية، لذلك وافقوا بشكل مبدئي على هذا الأمر، لكن بشروط، منها ألا تستحوذ الرياض على إعادة إعمار المدن السنية، ولا تحاول استمالة الشيعة في المناطق الجنوبية العراقية من خلال هذه الاستثمارات".
وهذا ما تُرجم فعلياً عبر سلسلة من اللقاءات الأمنية والاقتصادية، قامت بها وفود سعودية إلى العراق، عقدوا خلالها لقاءات مع مسؤولين عراقيين لتفعيل وتعزيز التواصل الاقتصادي وفتح مجالات الاستثمار بين البلدين، إضافة إلى تعزيز الجانب الأمني، حيث زار وفد أمني سعودي مؤخراً العاصمة العراقية بغداد، وأجرى مباحثاته مع المسؤولين لتعزيز سبل التعاون في جهود مكافحة التطرف والإرهاب.
وأكدت مصادر أمنية مطلعة أنّ الوفد السعودي اجتمع مع مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، في بغداد، وبحثا مسألة تسلل المقاتلين السعوديين إلى العراق، وضمان عدم وصولهم للعراق في المستقبل، باعتبار أنّ هناك سجناء سعوديين لا يزالون يقبعون في السجون العراقية، على خلفية قضايا إرهابية والانتماء لتنظيم "داعش".
الانسحاب الأمريكي والحدّ من الدور التركي
ويبدو أنّ السبب الرئيسي من جراء التفاهمات السعودية-الإيرانية يعود بالدرجة الأولى إلى إداك الطرفين لمبدأ تقاسم الأدوار في المنطقة، وأنّ أسلوب الصراع بينهما لم يعد يجدي نفعاً، لكنّ أسباباً أخرى بحسب محللين ومراقبين أدت إلى هذا التقارب.
بدوره يؤكد رئيس مؤسسة المستقبل في واشنطن، انتفاض قنبر، والمقرب من رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في حديث خاص لـ"عربي بوست"، أنّ السعودية لديها طبيعة بأنّها تماشي وتجامل ولا تصطدم مع سياسات واشنطن وسياسات البيت الأبيض، وهذا مؤشر إيجابي، لأنّ الرياض تعتبر واشنطن حليفها الاستراتيجي، لذلك التصادم مع الولايات المتحدة لا يخدم السعودية.
ويضيف قنبر قائلاً: "هذه المباحثات لها علاقة كبيرة بمسألة الاتجاه القوي للإدارة الأمريكية التي يقودها جو بادين للتفاوض مع طهران تجاه المشروع النووي، بخلاف عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كانت لهجة السعودية فيه قوية وتصعيدية تجاه إيران، لكنّ بعد ترامب تغيّر لون هذه التصريحات إلى لهجة أكثر قرباً وتصالحاً مع طهران".
وذكر المحلل السياسي الإيراني المقرب من الخارجية الإيرانية قيس قريشي، أنّ السبب وراء جولات الحوار هذه بين الرياض وطهران يعود بالدرجة الأولى إلى الانسحاب الأمريكي من المنطقة، الأمر الذي جعل السعودية تلجأ إلى الموافقة على عقد مثل هذه الاجتماعات مع الجانب الإيراني، كاشفاً في الوقت نفسه أنّ الحكومة السعودية كانت ترفض أي وساطات مع إيران، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث كانت الرياض تضع شروطاً تعجيزية وتشترط قبل إجراء أي مفاوضات مع طهران تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
ومع رحيل الأمريكان وانسحابهم من المنطقة، إضافة إلى مشكلات السعودية مع الإدارة الأمريكية الممثلة بالديمقراطيين، فإنّ السعودية لا تريد أن تتعرض المنطقة لأي اهتزاز سياسي، بحسب ما يذهب إليه قريشي، وأدركت أنّ عليها تقسيم الأدوار بينها وبين إيران.
إضافة إلى ذلك، فإنّ طهران والرياض تريدان من هذه الخطوة تقليص الدور التركي، باعتبار أنّ السعودية انسحبت من دعم المعارضة السورية ومن دعم التنظيمات المسلحة، بخلاف أنقرة التي تصرّ على دعمها، وهذا أدى إلى إيجاد نقاط مشتركة بين طهران والرياض، على حد قوله.
وأشار إلى أنّ إيران لم تمانع أن تلعب السعودية دوراً في العراق وسوريا على المستوى الاقتصادي وضخ استثمارات فيهما.
وفي نهاية الأمر، يرى قريشي أنّ عهد القطيعة بين الرياض وطهران يوشك أن ينتهي، بعد قطيعة دامت لأكثر من خمس سنوات، على خلفية هجوم من قبل عناصر موالية للنظام الإيراني السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، مؤكداً أنّه بعد فتح سفارات البلدين ستكون هناك نقلة نوعية في العلاقات، وسيعمل الطرفان على حل الملفات الشائكة بينهما، وعلى رأسها الملف اليمني والسوري.