متابعات-
بعد 18 شهرا من الجمود، تمكنت مجموعة استثمارية بقيادة صندوق الاستثمارات العامة السعودي من الاستحواذ على نادي "نيوكاسل يونايتد"، وتضم المجموعة عملاق العقارات "ديفيد وسيمون روبن" بالإضافة إلى سيدة الأعمال "أماندا ستافلي"، التي لديها تاريخ من التفاوض لعقد صفقات للمستثمرين في الشرق الأوسط الكبير، وبلغت قيمة صفقة الاستحواذ حوالي 300 مليون جنيه إسترليني (490 مليون دولار أمريكي)، وأثارت بهجة جمهور النادي.
وأعرب محافظ صندوق الاستثمارات السيادي السعودي "ياسر الرميان" عن سعادته بالصفقة، قائلًا: "نحن فخورون للغاية بأن نصبح الملّاك الجدد لنيوكاسل يونايتد، أحد أشهر الأندية في كرة القدم الإنجليزية، نشكر جمهور نيوكاسل على دعمهم المخلص للغاية منذ سنوات ونحن متحمسون للعمل معًا".
ولم يخطئ "الرميان" في معاملة النادي بشكل خاص، فعلى الرغم من حقيقة أنه لم يفز بكأس منذ عام 1955 ولم يربح لقب الدوري منذ عام 1927، إلا إن جمهور مشجعي "نيوكاسل" لا يزالون من بين أكثر الجماهير شغفًا في إنجلترا، وتملأ حشود مكونة من 50 ألفًا ملعب "سانت جيمس بارك" بانتظام.
"بي إن" مفتاح فك الجمود
لكن عملية الاستحواذ كانت ملحمة طويلة، بفعل النزاعات القانونية بين المشترين والدوري الإنجليزي الممتاز (حيث يلعب نيوكاسل يونايتد)، وفي يوليو/تموز عام 2020، فشل الاستحواذ في تجاوز "اختبار الملًاك والمدراء" الخاص بالدوري الممتاز"؛ بسبب المخاوف بشأن درجة الانفصال بين صندوق الاستثمارات العامة والدولة السعودية، وبموجب الصفقة السابقة، كان يفترض بصندوق الاستثمارات العامة السعودي أن يمتلك حصة تقدر بـ 80% في النادي.
وكانت مخاوف الدوري الممتاز تُعزى جزئيا لمزاعم ضد الدولة السعودية بانتهاكات حقوق الإنسان التي تشمل سوء معاملة النساء السعوديات والمعارضين السياسيين، والحرب في اليمن واغتيال الصحفي "جمال خاشقجي".
ومع ذلك، فإن العائق الأساسي أمام الصفقة كان متعلقًا بشكوى قدمتها قطر لمنظمة التجارة العالمية في عام 2018، مدعية أن السعودية حظرت بث شبكة "بي إن" الرياضية القطرية في أراضيها، وهي الشبكة التي ترتبط بشبكة "الجزيرة" وتستحوذ على حقوق الدروي الإنجليزي الممتاز.
كما اتهمت الدوحة السعودية بالفشل في اتخاذ إجراءات فعالة ضد قرصنة محتوى "بي إن" عبر منظمة تدعى "بي آوت كيو"، وأدت هذه الادعاءات لتوريط السعودية في تحكيم استثمار بقيمة مليار دولار أمريكي مع "بي إن".
وكتب "يوسف العبيدلي"، الرئيس التنفيذي لشبكة "بي ان" إلى رؤساء وأصحاب نوادي الدوري الإنجليزي الممتاز في العام الماضي، حيث حمّل السعودية المسؤولية عن "تسهيل سرقة دامت 3 سنوات تقريبًا للحقوق التجارية للدوري الممتاز".
وباعتبار شبكة "بي إن" المالكة الرئيسية لحقوق الدوري الممتاز، فإن تأثيرها في كرة القدم الإنجليزية كبير، وأدت هذه الجهود لمنع التقدم في استحواذ "نيوكاسل" في عام 2020.
لكن الأموال لها نفوذ في نهاية المطاف، كما إن النظام السعودي قد فعل ما كان عليه القيام به لتخفيف مخاوف "بي إن" وشركاؤها، فقد تراجعت المملكة منذ ذلك الحين عن القيود المفروضة على "بي إن" وحظرت بث "بي آوت كيو" المقرصِنة، كما التزمت الرياض أيضا بحظر أي محطات مقرصِنة أخرى في المستقبل.
الغسيل الرياضي للسمعة
ولكن، في حين أزيلت العقبة القانونية الأولية، إلا أن المخاوف استمرت بشأن الصلة الوثيقة بين صندوق الاستثمارات العامة - برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - والحكومة السعودية.
يصر الدوري الإنجليزي الممتاز على أنه حصل على تطمينات مهدت الطريق للاستحواذ، والتي تتجاوز مجرد حل نزاع حقوق النشر مع قطر.
وغاب "بن سلمان" بشكل واضح عن المفاوضات، وربما يفسر هذا الابتعاد عن الصفقة تلقيها للضوء الأخضر فجأة، في ظل كون "بن سلمان" متورطًا في انتهاكات متعددة لحقوق الإنسان، بما في ذلك اتهام ولي العهد على نطاق واسع بأنه أمر شخصيا باغتيال "خاشقجي" في 2018.
ومع ذلك، ما تزال هناك شكوك عميقة بأن "بن سلمان" قد ابتعد فعلًا عن الصفقة هو وثروته التي تبلغ قيمتها 300 مليار دولار، وحذرت مجموعات مثل منظمة العفو الدولية منذ فترة طويلة من مخاطر قيام شخصيات مثل "بن سلمان" ودول مثل السعودية بـ"الغسيل الرياضي" لسمعتها من خلال ربط أنفسهم بنوادي كرة القدم البراقة.
واستجاب "ساشا ديشموخ" الرئيس التنفيذي لمنظمة العفو الدولية، لأخبار الاستحواذ قائلًا بازدراء: "بدلا من السماح لأولئك المتورطين في الانتهاكات الإنسانية الخطيرة بالدخول إلى كرة القدم الإنجليزية ببساطة لأن لديهم الأموال، طالبنا الدوري الإنجليزي الممتاز بتغيير اختبار الملّاك والمدراء لمعالجة قضايا حقوق الإنسان".
أما رئيس حملات منظمة العفو الدولية في المملكة المتحدة "فيليكس جاكينس"، فقد استخدم لغة أقوى في إدانته لتراجع الدوري الممتاز، وقال "جاكينس" لوكالة "فرانس برس": "يوضح القرار أن كرة القدم الإنجليزية منفتحة على أعمال الغسيل الرياضي".
وأضاف: "منذ الحديث عن الصفقة لأول مرة، قالت منظمة العفو الدولية، إنها تمثل محاولة واضحة للغاية من السلطات السعودية للغسيل الرياضي لسجل حقوق الإنسان المروع باستخدام بريق الدوري الإنجليزي الممتاز".
وتجمع الحشود المبتهجون خارج ملعب "سانت جيمس بارك"، ومع ذلك، فإن هذا لا يعني الكثير، حيث كان معظمهم سعداء ببساطة لرحيل المالك السابق المكروه "مايك آشلي"، والذي اتهموه بعدم الاستثمار الكافي في اللاعبين واستخدام النادي كوسيلة للدفع بمصالحه التجارية.
وإذا تمكن المالكون الجدد أخيرا من جلب النجاح لـ "نيوكاسل"، فمن المرجح أن ينسى غالبية المشجعين ووسائل الإعلام على حد سواء مخاوف حقوق الإنسان، وسيتحقق الغسيل الرياضي لسمعتها فعلًا.
إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد