الخليج الجديد-
جولة رابعة من المفاوضات بين السعودية وإيران، برعاية عراقية، قبل أيام، تحمل أجواء تفاؤل بتهدئة التوتر بين أبرز قوتين إقليميتين في الخليج، وهما على طرفي نقيض في معظم الملفات الإقليمية.
وتمهد الجولة الرابعة الطريق نحو تفاهمات جدية، تحلحل الأزمة بين الرياض وطهران، في ظل تغير استراتيجيات نظامي الحكم هنا وهناك، باتجاه تهدئة طويلة الأمد، وصولا ربما إلى علاقات ثنائية وتعاون وثيق.
ويبدو أن ما قاله سابقا، رئيس الوزراء البريطاني الراحل "ونستون تشرشل": "لا عداء دائم، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة"، هي التي تحكم توجهات الطرفين بعد عقود من العداء.
تساؤلات عدة تحوم حول الموقفين السعودي والإيراني، وشروط كل طرف، ومن الأكثر تجاوبا في المفاوضات، وما المكاسب المنتظرة، وهل هناك من يسعى لإنجاح أو إفشال الحوار، وهل يمكن أن نرى مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين المسلمين؟.
تقدم جيد
من اللافت، إعلان وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبداللهيان"، الخميس الماضي، حدوث تقدم جيد في المحادثات الجارية بين بلاده والسعودية.
وقال "عبداللهيان"، خلال زيارته إلى بيروت: "قطعنا مسافة جيدة في المحادثات مع السعودية، ونعتبر أن الحوار البناء هو الطريق الأمثل لحل كل مشاكل المنطقة وطرد الغرباء عنها".
ومن آن لآخر، تتعدد إشادات المسؤولين الإيرانيين بأجواء المفاوضات مع الرياض، وجدية الأخيرة في المحادثات حول ملفات عدة، مقابل تحفظ سعودي، في انتظار جني مكاسب حقيقية على أرض الواقع.
ومن المتوقع عقد جولات أخرى من المحادثات، وسط تكتم على موعد انعقادها، لكن المؤكد أن هناك رغبة من الطرفين نحو استمرار الحوار، دون شروط مسبقة لبدء التفاوض.
اللافت أن الجولة الرابعة من المحادثات تعد الأولى منذ أن تسلم الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي"، منصبه في أغسطس/آب الماضي، ما يعني أن القيادة الإيرانية الجديدة عازمة على المضي قدما في هذا الملف.
بناء الثقة
وليس من المبالغ القول، إن إجراءات جرى التفاهم عليها بين البلدين لبناء الثقة، من خلال وقف التناحر بينهما وإيقاف الحملات الإعلامية المعادية بين البلدين، تمهيدا لاستئناف العلاقات الدبلوماسية.
ووفق مساعد وزير الخارجية الإيراني "علي رضا عنايتي"، فإن الحوار يتألف دائما من جزئين أولهما تجاوز سوء التفاهم وتخفيف التوترات وإزالة العوائق القائمة، والثاني توسيع التعاون وفتح أفق أوسع لتحقيق الأهداف.
وأضاف "عنايتي" في مقابلة نشرتها صحيفة "اعتماد" الإيرانية، الشهر الماضي، أن الدخول في هذه المباحثات "كان قرار النظام" الإيراني، وأن السعودية خلصت إلى أن الظروف في المنطقة وخارجها تغيرت وأصبحت ملائمة لتغيير النهج إزاء طهران.
يبدو إذن، من وجهة نظر الطرفين، أن الوقت قد حان للتهدئة، وربما مستقبلا التعاون، والتنسيق في ملفات إقليمية حساسة، وربما شراكة قوية، حال نجح الإيرانيون في استمالة الجانب السعودي، وتقديم مكاسب ثمينة لهم، تعزز الثقة التي تفتقدها طهران من جانب دول الخليج.
ملفات حساسة
ويتصدر ملف الحوثيين في اليمن، المطالب السعودية، خاصة مع تنامي نفوذ خطر الميليشيا المدعومة من طهران، وتهديدها المتزايد للأمن القومي السعودي، عبر استهدافها المطارات المدنية ومنشآت النفط.
ويقول مسؤول استخباراتي إيراني لـ"عربي بوست"، إن الرياض طالبت بتدخل إيران لوقف هجمات الحوثيين على المنشآت النفطية السعودية، والتي تكررت كثيرا في الآونة الاخيرة.
في المقابل، تطالب طهران، السعودية بحلحلة الأزمة في لبنان، وفك الجمود السياسي هناك، ودعم الحكومة الجديدة، ومساعدة بيروت اقتصاديا لمنع انهيار البلاد التي تعاني وضعا اقتصاديا مأساويا بعد انفجار مرفأ بيروت أغسطس/آب 2020.
وتبحث المملكة عن ضمانات إيرانية لتأمين الملاحة في مياه الخليج، ومضيق هرمز، وحماية السفن التجارية، وضمان حرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية.
في المقابل، تبدي طهران مخاوفها من احتمالية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وتمدد النفوذ الإسرائيلي في منطقة الخليج والبحر الأحمر، وتخشى من تنسيق خليجي إسرائيلي موجه ضدها، بعد تطبيع الإمارات والبحرين مع تل أبيب.
ومن الملفات المطروحة للنقاش، كعكة الاستثمارات في العراق، وسط مخاوف إيرانية من أن تستحوذ الرياض على إعادة إعمار المدن السنية، وأن تحاول استمالة الشيعة في المناطق الجنوبية العراقية من خلال هذه الاستثمارات.
وتطالب السعودية بتأمين دور لها في إعادة إعمار العراق، وكذلك في سوريا، وضخ استثمارات في البلدين، دون التعرض لمضايقات من قبل الفصائل المسلحة المقربة من إيران.
ومن المطالب الإيرانية على طاولة المفاوضات، وقف دعم السعودية لـ"جيش العدل"، ومقره في بلوشستان، جنوب شرق إيران، ويمثل المعارضة السنية بالمنطقة، ومنظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وفصائل المعارضة الأحوازية.
أولويات الحوار
يرى المحلل السياسي الإيراني المقرب من الخارجية الإيرانية "قيس قريشي"، أن إيران تفضل تقسيم الملفات كل على حدة، وأن تتم مناقشة كل ملف بمفرده، مع ضرورة فتح السفارات قبل التوصل لأي تسوية متعلقة بالملف اليمني أو السوري، بحسب "عربي بوست".
وتبدو الأولوية الآن، بالنسبة للرياض، حل الأزمات الأمنية التي تتسبب في زعزعة استقرار المنطقة، والخروج من المستنقع اليمني، بينما تتراجع أهمية الملف النووي الإيراني في أجندة المملكة على غير ما يبدو على الساحة الدولية من مناكفات بشأن هذا الملف.
وتؤكد تقارير إيرانية، أن هناك هيئات أمنية سعودية وصلت إلى إيران للعمل على ترميم السفارة السعودية والترتيب لإعادة فتح سفارة المملكة بطهران، والقنصلية السعودية في مشهد بعد اقتحام متظاهرين لها العام 2016، عقب إعدام رجل الدين الشيعي السعودي "نمر النمر".
ولا شك أن إحداث انفراجة في الملف اليمني، سيدفع الرياض للمضي قدما نحو تفاهمات أخرى مع طهران بشأن سوريا ولبنان والعراق، وصولا إلى تقليص الدور التركي في المنطقة، وهي رغبة قد تكون مشتركة بين الجانبين.
ويعزز بقوة هذا الاتجاه، تسارع الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وتقلص الوجود العسكري لواشنطن في سوريا والعراق، ثم الانسحاب الكامل من أفغانستان.
في المقابل؛ قد تقف قوى وراء هذا التقدم الحاصل، وأبرزها الحرس الثوري الذي يريد الحفاظ على المكاسب الجيوسياسية لإيران في المنطقة، بحسب مركز "بروكنجز الدوحة".
لكن يبدو أن لغة المصالح، ورغبة القيادتين في علاقة ثنائية أفضل، مع غياب إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" عن المشهد، وإتمام المصالحة الخليجية مع قطر، كلها في المجمل أسباب تدفع نحو تقارب مشروط ومكاسب للطرفين بين السعودية وإيران.