DW- عربية
تشير التطورات الأخيرة إلى بدء ذوبان جليد العلاقات بين السعودية وإيران في خطوة قد تقود إلى تطبيع العلاقات الثنائية، لكن يبقى من غير المحتمل أن يصل الأمر إلى مستوى بناء تحالف وثيق بين الرياض وطهران.
شهد العام الجاري لقاءات جمعت بين مسؤولين من السعودية وإيران - الخصمين اللدودين في منطقة الشرق الأوسط- أكثر من أي وقت مضى طيلة السنوات الخمس الماضية. فخلال العام، استضافت بغداد أربعة اجتماعات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين فيما عُقد لقاء خامس على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ما يشير إلى عودة الدفء إلى العلاقات المتوترة بين البلدين.
وكانت الرياض قد أعلنت قطع علاقاتها مع إيران عام 2016 على وقع تصاعد الأزمة بين البلدين إثر إعدام السلطات السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر وما تلى ذلك من مهاجمة متظاهرين إيرانيين للسفارة والقنصلية السعوديتين في إيران.
ومنذ ذلك الحين، تصاعد التوتر بين السعودية وإيران وتزايدت حدة الخلافات بينهما في كافة القضايا الإقليمية خاصة في اليمن وسوريا ولبنان. لكن يبدو أن الفترة الماضية قد شهدت بعض التغيير في شكل العلاقة خاصة مع تصريح أعرب فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن أمله في أن "تؤدي المحادثات مع إيران إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة وإحياء العلاقات الثنائية".
وفي ذلك، قال عدنان طبطبائي – الخبير في الشأن الإيراني والمدير التنفيذي لمعهد كاربو الألماني للبحوث والدراسات في مدينة بون الألمانية- إن هناك مؤشر إيجابي على استمرار المحادثات حيث لم تعد المحادثات مرفوضة. وأضاف في مقابلة مع DW "ومع ذلك، عند إجراء مقارنة بين الإشارات التي ترسلها إيران من جهة والسعودية من جهة أخرى، فإنه يلاحظ أن طهران تبدو أكثر ثقة في نظرتها الإيجابية."
إيران أكثر إيجابية..لماذا؟
وتعود هذا النظرة الإيجابية من طرف إيران إلى تصورها بأنها في مركز أقوى على الرغم من استمرار العقوبات الأمريكية التي أضرت بالاقتصاد الإيراني، وفقا لما أشار إليه طبطبائي . مؤكدا "سواء أكان هذا المبرر أم لا، فإن خلاصة القول إن إيران لديها مصلحة كبيرة في تعزيز علاقاتها التجارية في محيطها الإقليمي".
ومن هذا المنطلق، تبدو السعودية- صاحبة أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط- شريكا تجاريا مرحبا به للاقتصاد الإيراني المنهك. ورغم ذلك، فإن سانام فاكيل- نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمركز "تشاتام هاوس" في لندن- ترى بعدا آخرا في رغبة إيران في تحسين علاقاتها مع السعودية. وفي مقابلة مع DW أوضحت ذلك بقولها: "إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سترسل أيضا رسالة إلى المنطقة بأسرها مفادها أن طهران قوة إقليمية يجب (على بلدان المنطقة) التعامل معها".
أسباب السعودية في التقارب مع إيران؟
بيد أن إيران ليست وحدها الساعية إلى تحقيق مصالح سواء اقتصادية أو سياسية من وراء التقارب مع السعودية، وفقا لما أشارت إليه فاكيل. بل إنه "وفي سياق جائحة كورونا والحرب في إيران، أعتقد أن السعودية قد أعطت أولوية لتحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية. وفي هذا الإطار، لا يمكن إنهاء الحرب في اليمن وتحقيق رؤية 2030 وجذب استثمارات جادة إلى السعودية دون وجود تهدئة مع إيران."، حسب فاكيل.
وترغب السعودية من خلال رؤية 2030 إلى تدشين إصلاحات كبيرة في الاقتصاد والدفاع والسياحة والطاقة المتجددة. أما فيما يتعلق بالحرب في اليمن، فمنذ عام 2015، قادت السعودية تحالفا عسكريا لدعم الحكومة اليمنية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وتتبادل البلدان الاتهامات حيال تأجيج الصراع في اليمن إذ تتهم السعودية إيران بتسليح الحوثيين فيما تصر طهران على أن دعمها للحوثيين ذو طابع سياسي فقط.
وفي هذا السياق، قال طبطبائي "إن التصور بأن إيران تسيطر بشكل كامل على الحوثيين في اليمن هو تصور مضلل. إيران غير قادرة على إصدار أوامر للحوثيين بشأن ما يجب عليهم القيام به حيال الصراع. ولكن ورغم كل هذا، فإن الحرب ليست بين إيران والسعودية إذ أن الحرب بين الحوثيين والسعودية، كذلك يتعين علينا أن نأخذ في الحسبان الانقسامات الداخلية في اليمن".
ورغم ذلك، ترى فاكيل أن إيران يتعين عليها بذل الجهد على الصعيد الدبلوماسي فيما يتعلق بالصراع في اليمن وذلك من خلال دعم علني لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في اليمن. وفي ذلك، قالت "من دون ذلك، لا أرى أن المحادثات يمكن أن تستمر فقط بهدف استمرارها".
بيد أنه من اللافت أن هناك مؤشرات توضح كيف أن السعودية تمهد الطريق أمام عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران بما في ذلك الخطوة التي أقدم عليها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في عدم تطبيع العلاقات القائمة مع إسرائيل بشكل رسمي وهو ما تنظر إليه إيران بإيجابية. كذلك تنخرط السعودية في مساعي عودة الحكومة السورية إلى الجامعة العربية وهو الانخراط الذي ترحب به إيران الداعم القوي للرئيس السوري بشار الأسد. يضاف إلى ذلك إقدام الإمارات – حليف السعودية الوثيق- على تهدئة التوتر مع إيران في الآونة الأخيرة.
ماذا عن الولايات المتحدة؟
وبالإضافة إلى هذه الأسباب، يتعين الإشارة إلى أن السعودية تمتلك أيضا سببا وجيها آخرا في تعديل استراتيجيتها الجيوسياسية يتمثل في وصول إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض وما أدى ذلك من مزيد من القلق حيال خطوات واشنطن الرامية إلى تقليل عملياتها في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، قالت فاكيل "في الوقت الحالي وبعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، لدى (السعوديين) اليقين بأن الولايات المتحدة ليست بالضرورة مهتمة وراغبة في بذل جهود كبيرة لحماية حلفائها في المنطقة". وحتى قبل ذلك، لم تصطف الولايات المتحدة إلى جانب السعودية بشكل تام عندما تعرضت منشأتين رئيسيتين تديرهما شركة أرامكو السعودية بمحافظة بقيق وهجرة خريص لهجوم، ما أدى إلى توقف ما يعادل نصف إنتاج السعودية من النفط تقريبا في عام 2019.
وكانت السعودية قد اتهمت إيران بالوقوف وراء الهجوم وهو ما نفته طهران بشدة، فيما ترى فاكيل أن هذا الأمر كان له تأثير كبير على قيام السعودية بمراجعة سياستها الجيوسياسية.
رياح التغيير
وتعتبر فاكيل أن هناك بعض القضايا وإن كانت ليست بالكثيرة قد تدفع البلدان إلى "إيجاد نقاط مشتركة قد تجمعهما بعد سنوات من توتر العلاقات". وفي إشارة على ذوبان جليد بين البلدين، قال طبطبائي "لقد عدت للتو من الرياض وهناك اعتقاد سائد بأن هناك فرصة سانحة لتحسين العلاقات مع إيران".
ورغم عدم وجود تأكيد رسمي من السعودية، فقد أفادت التقارير بأن وفدا سعوديا قد زار طهران من أجل بحث إمكانية إعادة فتح السفارة السعودية في طهران. ويقول طبطبائي بهذا الخصوص "لا أعتقد أن المستقبل القريب قد يشهد عودة السفراء، لكن وجود مكتب دبلوماسي يعد أمرا واقعيا وسيكون خطوة إيجابية للغاية".