يوسف حمود - الخليج أونلاين-
جولات عديدة وملفات كبيرة طرحت على طاولة المفاوضات السعودية الإيرانية، غير أنها اتسمت بالتعقيدات الكثيرة التي تترجم في المنطقة على ساحات مختلفة، منها اليمن.
كانت المفاوضات بين الجانبين ودية وجادة وعلى أساس الاحترام المتبادل، هذا ما أكده الجانبين أكثر من مرة في تصريحات مختلفة، غير أنها لم تحقق تقدماً ملموساً، بل وصلت ربما إلى طريقٍ مسدود، خصوصاً مع اندلاع الأزمة السعودية اللبنانية، وارتفاع وتيرة الأعمال القتالية في اليمن.
ومع حديثٍ عن إشارات تؤكد تعثر هذه المفاوضات، يبقى الملف اليمني الأكثر تعقيداً في الخلافات بين الجانبين، بالتزامن مع تحركات دولية مكثفة في سبيل إنهاء الأزمة اليمنية.
إشارات إيرانية
كثفت إيران اتهامها للسعودية "بعدم الجدية" في المفاوضات الجارية بينهما، منذ مايو الماضي، في العراق، بعدما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، إن عقد جولة جديدة من المفاوضات مع السعودية يتطلب جدية من الرياض، مشيراً إلى أن "سياسة محاصرة لبنان لن تحقق أي نتائج".
وأوضح خطيب زاده في إفادة صحفية، في 8 نوفمبر 2021، أن "على المملكة العربية السعودية إدراك أن منطق الحصار وتصعيد الضغوط على لبنان لن يحقق أي نتائج".
وهذا هو ثاني انتقاد إيراني للسعودية منذ بداية المفاوضات المباشرة بين الطرفين في العراق، في مايو الماضي، بعدما اعتبر المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، محمود عباس زاده مشكيني، أن مؤشرات رغبة السعودية بترميم العلاقات مع إيران "أخذت تتلاشى".
ونقل موقع "انتخاب" الإيراني، في 5 نوفمبر 2021، عن مشكيني قوله: "نتطلع إلى تعزيز العلاقات مع دول الجوار ولبدء محادثات رسمية مع السعودية"، مضيفاً: "هناك حاجة لتطوير العلاقات على مستوى الخبراء، لكن هذه الأمور لم تتوفر بعد"، مشيراً إلى أن الظروف ليست مهيأة للمفاوضات الرسمية.
وتابع: "لقد رأينا إشارات من السعوديين كانت علامة على اهتمامهم بإعادة بناء العلاقات. لكن هذه الإشارات تضاءلت إلى حد ما حالياً، بل وحتى انعكس الأمر في بعض الحالات".
وتأتي التصريحات الإيرانية في ظل تصاعد الأزمة بين الرياض وبيروت، التي اندلعت بسبب تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بشأن حرب اليمن.
تحركات دولية
ولعل أزمة اليمن هي الحلقة الأكثر تعقيداً في أزمة طهران والرياض، بعد مرور نحو 7 سنوات من الاقتتال في اليمن، حيث تدعم طهران جماعة الحوثي المتمردة، فيما تدعم الرياض عبر التحالف العربي الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
وفي ظل استمرار القتال باليمن كثفت الأمم المتحدة وأمريكا من تحركاتها لإنهاء الحرب في البلاد، حيث شهدت زيارة للمبعوث الأممي هانس غروندبرغ، الذي وصل إلى عدن ثم اتجه إلى مدينة تعز، 8 نوفمبر، في أول زيارة يقوم بها مبعوث أممي إلى هذه المدينة التي تحاصرها جماعة الحوثي.
وبالتزامن مع تلك الزيارة قام المبعوث الأمريكي تيم ليندركينغ، بأول زيارة له إلى اليمن منذ تعيينه، في فبراير الماضي، حيث التقى رئيس الحكومة معين عبد الملك، ووزير الخارجية أحمد بن مبارك.
وجاءت زيارة ليندركينغ، بعد يومين من زيارة قام بها إلى عُمان، التقى خلالها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، في العاصمة مسقط، وفق تغريدة لوزارة الخارجية الأمريكية عبر موقع "تويتر"، حيث دعا خلالها إلى ضرورة خلق نهج إقليمي موحد لتحقيق السلام، في اليمن.
أما غروندبرغ فقد جاءت زيارته إلى اليمن بعد أيام من زيارة قام إلى إيران، حيث التقى خلالها كبار المسؤولين الإيرانيين، وممثلين عن المجتمع الدولي في طهران، وفقاً لبيان لمكتب المبعوث الأممي.
وجاءت هذه التحركات فيما اشتدت وتيرة القتال مع تصعيد المتمردين الحوثيين هجماتهم في نطاق محافظة مأرب، تزامناً مع ضربات جوية مكثفة متواصلة للتحالف بقيادة السعودية في اليمن.
الاشتباكات مستمرة رغم المفاوضات
"الاشتباكات والتصعيد العسكري من قبل الحوثيين مستمر منذ اليوم الأول لمفاوضات السعودية وإيران ولم يتغير شيء"، هذا ما تؤكده الأحداث على الأرض في اليمن، وما يشير إليه أيضاً الكاتب والباحث اليمني د. عادل دشيلة.
ويقول في حديثه مع "الخليج أونلاين"، إن تصعيد الحوثي عسكرياً مستمر حتى اللحظة، "سواء في مأرب اليمنية أو باتجاه الأراضي السعودية".
ويعتقد أن هذا التصعيد "مؤشر على أنه لا توجد أي تفاهمات جذرية حول الملف اليمني، كما لا توجد تنازلات حتى هذه اللحظة".
التصريحات الإيرانية، التي كان آخرها في 8 نوفمبر، على أنه يجب إنهاء حرب اليمن للدخول في مفاوضات جدية مع المملكة، يراها دشيلة أنها "مقايضة من طهران بالأزمة اليمنية، وأنها تريد تنازلات من السعودية في هذا الملف".
ويضيف: "التصريح بالأمس دليل على أن إيران لم تحصل على مكاسب سياسية أو استراتيجية من وراء هذا الحوار بطريقة سلمية، وهو ما يعني أن باب التصعيد مفتوح، ووارد عسكرياً في اليمن وفي غير اليمن حتى في مناطق الاشتباك في الإقليم".
وحول ما إن كانت السعودية ستقدم تنازلات لإيران، يقول: "لا أتوقع أن تقدم تنازلات أمنية وسياسية، على الأقل بناءً على المعطيات الحالية، لأن الرياض تريد إنهاء الحرب في اليمن ولكن وفق شروط واضحة بالنسبة لها".
وتابع: "هي تريد عملية سياسية بين جميع الأطراف، بما في ذلك الحركة الحوثية، بينما إيران تريد من السعودية الاعتراف بالأمر الواقع، وتصريح إيران الأخير في مضمونه أن على السعودية أن تعترف بالحركة الحوثية أولاً، ثم بالإمكان المضي قدماً في المحادثات السياسية".
لكن دشيله في ذات الوقت يعتقد أنه بالإمكان خلال المفاوضات الحديث عن مناطق الاشتباك فيما يخص أمن منطقة الخليج، "سواء في العراق أو سوريا ولبنان، والبرنامج النووي، والوصول إلى تفاهمات أمنية، لكن فيما يتعلق باليمن فالأمر لا يزال كما هو".
ويلفت إلى أن إيران تعمل على فتح العلاقات الدبلوماسية مع السعودية بطريقة أولية، غير أن السعودية بذات الوقت "تريد الوصول إلى تفاهمات، ومن ثم بالإمكان فتح العلاقات الدبلوماسية"، مشيراً إلى أن وضع المحادثات "معقد ومتشابك".
التصعيد سابقاً وحديثاً
كانت العلاقات بين الرياض وطهران قد شهدت قطيعة، منذ مطلع عام 2016، إثر اقتحام سفارة المملكة في طهران، خلال احتجاجات على تنفيذ السلطات السعودية حكماً قضائياً بإعدام رجل الدين الشيعي البارز، نمر النمر، وآخرين.
واستمرت عقب ذلك الخلافات بشأن موقف البلدين من الحرب في اليمن، ودعم جماعة الحوثي في حربها ضد المملكة، والاتهامات السعودية لإيران بدعم الإرهاب وتهديد الملاحة في الخليج.
وبعد سنوات من الخلافات استضافت العاصمة العراقية، منذ مارس من هذا العام، مفاوضات مباشرة بين مسؤولين سعوديين وآخرين إيرانيين، وكانت حرب اليمن والملف النووي الإيراني على رأس الأمور التي ناقشتها هذه الاجتماعات، وكشف عنها لاحقاً.
وبينما كانت تسير المفاوضات نحو توسيعها، دخلت الأزمة الدبلوماسية بين السعودية ولبنان على الخط، على أثر تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي حول الحرب في اليمن وإيقاف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وهو ما أغضب إيران أيضاً التي هاجمت الرياض عقب ذلك.
وكثيراً ما وجهت السعودية الاتهامات لإيران بدعم الجماعات الإرهابية كجماعة الحوثي في اليمن، وجماعات شيعية عراقية، إضافة إلى "حزب الله" اللبناني، والتي كانت تلك الجماعات -وفي مقدمتها جماعة الحوثي- سبباً في شن عدة هجمات على منشآت السعودية النفطية.