طه العاني - الخليج أونلاين-
تعود إلى الواجهة قضية حقل غاز الدرة المشترك في المنطقة المتداخلة بين السعودية والكويت وإيران ضمن مياه الخليج العربي، بعد تصريحات سعودية جددت تأكيد رغبة الدولتين الخليجيتين بحث موضوع غاز الدرة كفريق واحد مع طهران، وذلك بعد أيام من تهديدات للكويت أطلقتها مليشيات عراقية موالية لإيران.
ويرجع اكتشاف الحقل الذي تقع معظم مساحته في المياه الكويتية والسعودية إلى عام 1967، ويحتوي على مخزون كبير من الغاز يصل إلى تريليون قدم مكعب من الغاز، و310 ملايين برميل من النفط، وفق وكالة "رويترز".
ونقلت صحيفة "الراي" الكويتية، الاثنين 16 مايو، عن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، قوله: إننا "نتحرك نحو تطوير حقل الدرة للغاز"، مضيفاً: "الكويت والسعودية تريدان بحث موضوع غاز الدرة كفريق واحد مع إيران لأن الموارد في الحقل مصلحة مشتركة بيننا".
وأضاف الوزير السعودي في مؤتمر للطاقة في البحرين، أن خططهم "لإنتاج 13.2-13.4 مليون برميل يومياً، وفقاً لما سنفعله في المنطقة المقسومة بحلول نهاية 2026 أو بداية 2027".
تطوير الإنتاج
وتواصل السعودية والكويت تحركاتهما المشتركة لاستثمار الحقل الغني بالغاز والنفط الخام لتأمين احتياجاتهما لوارداتهما الكبيرة.
ووفقاً لصحيفة الطاقة السعودية، في 16 مايو الجاري، فقد أوضح وزير الطاقة السعودي أن طاقة التكرير الحالية لا تتناسب مع الطلب، كما أن تحول إنتاج الطاقة من النفط الخام إلى الغاز والطاقة المتجددة على المستوى المحلي سيوفر نحو مليون برميل يومياً يجرى استهلاكها محلياً، لتكون جاهزة للتصدير.
وأكد الوزير بن سلمان أن بلاده تعمل مع الكويت لاستثمار الموارد لما فيها من مصلحة مشتركة للبلدين، مؤكداً أن تطوير الحقل سيستمر في كل الأحوال؛ لأن الكويت تحتاج إلى الغاز، ولا يمكن الخروج عن المسار لأكثر من 22 عاماً.
وأشار إلى أن المملكة لا تبحث عن المزيد من الاستثمارات في أنشطة المنبع لشركة "أرامكو" بالخارج؛ لأنها تنفذ الكثير من أنشطة المصب، موضحاً أن السعودية لن تضيع الأموال في مكان آخر.
ونوه وزير الطاقة السعودي بأن نفاد طاقات الإنتاج على جميع المستويات في قطاع الطاقة تعد قضية عالمية يجب الاهتمام بها، مضيفاً: "نشجع أصحاب القرار من الساسة على الإعلان عن احتياجهم للاستثمارات في النفط الخام والغاز".
تهديد الحشد
وتأتي التصريحات السعودية الجديدة بشأن حقل الدرة بعد أيام من تهديدات أطلقها برلمانيون ومليشيات موالية لإيران في بغداد بالانتشار العسكري قرب الحدود العراقية الكويتية.
وفي هذا الشأن يرى المركز الاستراتيجي للدراسات بتقرير نشره في 12 مايو الجاري، أن تصريحات النائب العراقي علاء الحيدري هي سياسة اعتمدها حلفاء إيران من الفصائل المسلحة لاستغلال فرصة التنازع الحدودي بين الكويت والعراق لتهييج الرأي العام العراقي، وربما استغلاله في التمدد في المياه الإقليمية، ومن ثم اكتساب مواقع نفوذ وتأثير لهم في المياه الإقليمية العراقية وما جاورها، وهو ما قد يسهل لهم تحقيق أهدافهم الخاصة من عمليات تهريب وما إلى ذلك.
وكان الحيدري قد وجه كلمة إلى خفر السواحل الكويتي، أواخر الشهر الماضي، قال فيها بلهجة غاضبة: "إلى خفر السواحل الكويتي إذا لم تتأدبوا فنحن سنؤدبكم بطريقتنا الخاصة".
وطالب النائب الحيدري في مؤتمر صحفي بنشر قوة من اللواء السابع البحري التابع لهيئة الحشد الشعبي في منطقة الفاو لـ"حماية" الصيادين العراقيين في المياه الإقليمية مما أسماه "التجاوزات الكويتية".
وبحسب تقرير المركز، فإن إيران وجهت أذرعها المسلحة في العراق لإحداث تغيير في موازين القوى بشأن مسألة حقل الدرة للغاز، بعد أن أثار الاتفاق السعودي الكويتي، في ديسمبر 2019، بشأن تسريع تطوير الحقل واستغلاله اعتراض إيران، رافضة أي مشاريع "أحادية" الجانب في المنطقة الإقليمية المشتركة بينهم.
ويرجح المركز أن توكل مهمة زعزعة مياه الخليج العربي إلى اللواء السابع البحري للحشد الشعبي، وهو أحد الألوية التابعة للمجلس الأعلى الإيراني، وقد تأسس على يد جلال الدين الصغير عام 1982، حيث جهز الحرس الثوري الإيراني هذا اللواء وأعده إعداداً كلياً، وهو ما يعني وجود ارتباط وتنسيق بين الحرس الثوري الإيراني والذراع البحرية للحشد الشعبي في العراق.
ورقة ضغط
وتفيد وكالة "الأناضول" الإخبارية، في 9 مايو الجاري، بأن عدداً من قنوات التليغرام المقربة من هذه الفصائل المسلحة دعت صراحة لغزو الكويت، كما نشرت تسجيلات مصورة أظهرت "مناورات" في المياه الإقليمية العراقية القريبة من الكويت لقوات بحرية، قالت إنها تعود للفصائل المسلحة، فيما لم يتسنَّ التأكد من صحتها.
ويذهب المراقبون إلى أن إعلان السعودية والكويت البدء باستثمار حقل الدرة "أثار حفيظة إيران بشكل متزايد، وهو ما دفعها إلى استغلال أوراقها الأمنية الضاغطة على السعودية والكويت، فضلاً عن رغبتها في إظهار سلطتها أمام خصومها الإقليميين بأنها أكثر قدرة أمنية منهما على اختراق المجال السيادي الخاص بهما".
وأفاد المحلل السياسي إحسان الشمري، بأن الإصرار الذي لدى السعودية والكويت للاستثمار في حقل الدرة يدخل في إطار الأمور السيادية، خصوصاً أن الحقل يدخل ضمن الجغرافية المشتركة بينهما، "لذا فمن حق الدولتين الاستثمار في حقل الدرة بمعزل عن إيران التي تحاول استغلال هذه القضية كجزء من أوراق الضغط التفاوضية مع السعودية، وذلك بعدما أصبح الغاز متقدماً بخطوة عن النفط بعد الحرب الروسية الأوكرانية".
ويردف: "ونجد أن السعودية والكويت تسعيان للاستثمار في الحقل لأنه يسهم بشكل كبير في تعزيز القوى الاقتصادية لهاتين الدولتين، كما يضعهم في مصاف الدول المتقدمة في إطار الغاز، وكذلك يقيم علاقات جديدة مع دول قد تكون بحاجة إلى هذا الغاز".
ويتحدث الشمري لـ"الخليج أونلاين" حول خيارات إيران في حال استمرار المشروع الكويتي السعودي، حيث إنها "قد لا تندفع نحو صدام مباشر مع الدولتين الخليجيتين، وإنما ستستخدم العديد من الطرق، منها تقديم مذكرات الاحتجاج، أو نقل القضية إلى المحاكم الدولية، أو أنها ستستخدم الاستراتيجية التي لطالما اعتمدت عليها؛ وهي الحرب بالوكالة".
ويعتقد الشمري أن إيران "بحاجة إلى تبريد علاقاتها مع السعودية، وأيضاً ليس من مصلحتها فتح مواجهة دبلوماسية سياسية مع الكويت، وكذلك ستعتمد على مسارات أخرى، وقد تكون تلك الفصائل المسلحة واحدة من أهم الاستراتيجيات التي ستستخدمها إيران".
ويتابع: "وقد يكون ما حصل مؤخراً من تهديدات من قبل بعض الجماعات المحسوبة على الفصائل المسلحة خير مؤشر على أن إيران ستمضي بهذا الاتجاه"، كما لا يستبعد الشمري أن تقوم الفصائل المسلحة العراقية بتهديدات للدولتين.
وينهي المحلل السياسي حديثه بأن السعودية والكويت تدركان حقيقة الأمر وخطورته، كما تمتلك الدولتان القدرة على الردع إذا ما استوجب الأمر ذلك.