مصعب الألوسي | معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة الخليج الجديد-
تعود المنافسة الجيوسياسية بين الرياض وطهران إلى الثورة الإيرانية عام 1979 على أقل تقدير. وفي عام 2016، سحبت السعودية سفيرها من إيران بعد هجوم على سفارة المملكة في طهران خلال احتجاجات على إعدام رجل الدين الشيعي السعودي "نمر النمر". وزادت التوترات أكثر فأكثر مع تعرض السعودية لهجمات متواصلة من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، ويُعتقد أن إيران نفذت هجمات في سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت "أرامكو" في السعودية.
ومع ذلك، أثارت الجولة الخامسة من المحادثات بين السعودية وإيران في بغداد شعورا جديدا بالتفاؤل. وأشار رئيس الوزراء العراقي إلى أن "المصالحة قريبة". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إنه يرى تقدما في الجولة الأخيرة من المحادثات التي وصفها بـ"الإيجابية والجادة".
وتخلق تلك التحركات لتخفيف التوترات بين السعودية وإيران تأثيرات تطال دولا أخرى في المنطقة. وكانت اليمن واحدة من ساحات المنافسة الرئيسية بين السعودية وإيران منذ عام 2011، لكنها أصبحت الآن فرصة لتنفيذ إجراءات بناد الثقة كجزء من المحادثات بين الطرفين في العراق.
وركزت سياسة إيران تجاه اليمن إلى حد كبير على تقويض الأمن السعودي من خلال جعلها شوكة في خصرها. وتمكن الحوثيون من مهاجمة الأراضي السعودية بشكل متكرر بفضل التدريب العسكري المكثف من قبل "فيلق القدس" و "حزب الله". وتشير تقديرات عام 2015 إلى أن حرب اليمن كانت تكلف السعودية في تلك المرحلة ما يصل إلى 6 مليارات دولار شهريا.
وجاء استئناف المحادثات بين السعودية وإيران (بعد توقف دام عدة أشهر) بعد فترة وجيزة من وقف إطلاق النار المؤقت في اليمن، ما يشير إلى أن إيران ربما كان لها دور ما في التأثير على الحوثيين. وإذا استمر وقف إطلاق النار فقد يكون خطوة أولية مهمة نحو إنهاء الحرب في اليمن وبناء الثقة بين الرياض وطهران.
ومن المرجح أن تؤثر المفاوضات بين السعودية وإيران على السياسة في لبنان والعراق أيضا، حيث تدعم طهران والرياض القوى السياسية المتنافسة.
وحافظت كل من الرياض وطهران على نفوذ كبير داخل لبنان، ما أدى إلى زيادة التوتر بين حلفاء إيران والسعودية في البلاد. وفي يناير/كانون الثاني على سبيل المثال، اتهم الأمين العام لـ"حزب الله"، "حسن نصرالله" السعودية بالإرهاب بسبب دورها في حرب اليمن.
واستنكر مسؤولون لبنانيون لغة "نصرالله" القاسية المعادية للسعودية، وقال رئيس لبنان "ميشال عون" إن "اللبنانيين حريصون على الحفاظ على العلاقات مع الدول العربية وخاصة دول الخليج وفي مقدمتها السعودية".
وبعد أن خسر المرشحون المتحالفون مع "حزب الله" الأغلبية في البرلمان في انتخابات 15 مايو/أيار، فإن تشكيل الحكومة ستكون مهمة شاقة لكن إذا تراجعت التوترات بين السعودية وإيران نتيجة المحادثات فقد يكون تشكيل الحكومة أكثر سلاسة.
نتيجة لذلك، كان إنهاء المأزق السياسي في لبنان على رأس جدول الأعمال خلال المفاوضات بين البلدين. وبينما ستستمر السعودية وإيران على الأرجح في دعم حلفائهما، قد يكون هناك مساحة لخلق تفاهم أفضل بين الرياض وطهران على هذه الجبهة أيضا.
وفي العراق، تم اتهام الميليشيات المتحالفة مع إيران بتنفيذ عدد من الهجمات على السعودية. على سبيل المثال، يُشتبه في قيام "كتائب حزب الله" بشن هجمات على منشآت النفط السعودية في عام 2019 وقصرا ملكيا سعوديا في عام 2021.
ومن المرجح أن تحاول كل من السعودية وإيران الحفاظ على نفوذهما في العراق، ولكن من المرجح أن يؤدي مزيد من التفاهم بين هذين الخصمين الإقليميين إلى تهدئة العلاقات المشحونة التي ساعدت في تشجيع مثل هذه الهجمات في الماضي. كما قد يوفر هذا أيضا فهما أفضل فيما يتعلق باستراتيجيات كل منهما في العراق.
وأخيرا، قد يؤدي خفض التوترات بين السعودية وإيران إلى إبعاد الرياض عن فكرة الانضمام إلى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل المعروفة باسم "اتفاقيات إبراهيم".
ومنذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، انفتحت السعودية على إسرائيل، حيث اعتبرت إسرائيل ثقلا موازنا محتملا لإيران.
وبحسب ما ورد التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "بنيامين نتنياهو" مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" عام 2020. وأعلن الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوج" مؤخرا إنه سيكون سعيدا بزيارة السعودية.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، تناقلت التقارير أن مستشار الأمن القومي "جيك سوليفان" ناقش تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل مع ولي العهد السعودي، ويبدو أن "بن سلمان" لم يرفض الفكرة.
وقال "بن سلمان" مؤخرا إن السعودية لا تعتبر إسرائيل عدوا، بل تعتبرها "حليفا محتملا". ومع ذلك، فإن ذوبان الجليد في العلاقات بين المملكة وإيران، قد يزيل أحد الدوافع السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وبالنسبة للسعودية وإيران، لا يزال هناك العديد من الخطوات قبل أن يتمكن الطرفان من بناء ثقة دائمة. فقد استغرق العداء بين البلدين عقودا وشمل أبعاد جيوسياسية وطائفية واقتصادية.
ومع ذلك فإن المفاوضات، التي تحول البلدين بعيدا عن المواجهة العسكرية وتدفعهم إلى المساحة السياسية لتسوية الخلافات، تعد تطورا واعدا قد يكون له آثار غير مباشرة على الأمن الإقليمي الأوسع.
ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المحادثات قد تحقق مثل هذه الأهداف الكبيرة. لكن حتى المشككين في المحادثات يقرون بأنها تمثل أداة فعالة على المدى المتوسط لإدارة التوترات الثنائية وكسب الوقت لمعرفة ما إذا كانت خطوات بناء الثقة قادرة على تحسين الآفاق طويلة المدى.