طه العاني - الخليج أونلاين-
تتجه العلاقات الإماراتية الإيرانية نحو مزيد من التقارب ومواصلة الحوار والتعاون الاقتصادي بهدف بناء الثقة المتبادلة ضمن مساعي البلدين لفتح صفحة جديدة بينهما.
ويؤكد مسؤولو البلدين في مناسبات عديدة حرصهما على طي سنوات من الخلاف السياسي والعمل على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد تولي الشيخ محمد بن زايد حكم الإمارات.
رفض التصعيد
وفي تطور جديد بهذا الشأن قال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، إن بلاده تسعى لإعادة بناء العلاقات مع إيران، وترفض أي خطوات تصعيدية معها.
وكشف قرقاش في حديثه للصحفيين، في 15 يوليو الجاري، قبيل مغادرة الرئيس الإماراتي إلى جدة لحضور القمة الخليجية الأمريكية، أن أبوظبي تعمل على إرسال سفير إلى طهران، وأنها "لا تدعم النهج التصاعدي مع أي دولة، بينها إيران"، وذلك وسط حديث كان يدور حول مساعي تأسيس تحالف عسكري إقليمي لمواجهة إيران.
وفي معرض ردّه على سؤال بشأن الحديث عن التحالف المناهض لأنشطة إيران في المنطقة، قال قرقاش إن وجود تحالف في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي هو مفهوم "نظري"، وإن المواجهة ليست خياراً بالنسبة إلى أبوظبي.
وتابع قائلاً: "نحن منفتحون على التعاون لكن ليس التعاون الذي يستهدف أي دولة أخرى في المنطقة، وأذكر على وجه الخصوص إيران"، موضّحاً بأن "الإمارات لن تكون طرفاً في أي مجموعة من الدول ترى في المواجهة توجهاً، لكن لدينا مشاكل جدية مع إيران بخصوص سياستها في المنطقة".
تحالف دفاعي
وتأتي تصريحات قرقاش بالتزامن مع تحركات أمريكية إسرائيلية لتكوين تحالف أمني في الشرق الأوسط مع دول عربية يربط أنظمتها الدفاعية الجوية معاً لمواجهة هجمات إيرانية بصواريخ وطائرات مسيرة، إلا أن هذا الحلف لم يرَ النور خلال زيارة بايدن للسعودية ولقائه قادة دول المنطقة.
ونوّه قرقاش بأن الإمارات يمكن أن تكون جزءاً من أي شيء يحميها من الطائرات المسيرة والصواريخ طالما أنه لا يستهدف دولة أخرى.
وتابع قائلاً: "نحن واضحون للغاية أنه إذا كان هناك شيء يحمي الإمارات والمدنيين فيها فإننا بالطبع منفتحون على تلك الأفكار، لكننا لسنا منفتحين على فكرة أي محور مناهض لدولة أخرى".
وبعد قطيعة طويلة بدأت الإمارات فتح قنوات تواصل مع إيران من أجل التهدئة عقب الهجمات التي استهدفت ناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات، في مايو 2019، وكذلك قصف المنشآت النفطية في السعودية، واستمرار الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي الممولة من طهران على الإمارات.
مرحلة جديدة
ودخلت العلاقات بين طهران وأبوظبي مرحلة جديدة، في ديسمبر الماضي، عندما قام وفد إماراتي برئاسة مستشار الأمن الوطني الشيخ طحنون بن زايد، بزيارة إلى إيران هدفت لتحسين التعاون الثنائي في إطار توجه الإمارات لتخفيف التوترات في المنطقة.
وبدوره بحث وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، في 9 أبريل الماضي، باتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، سبل تطوير العلاقات بين البلدين في خضم التوتر بين طهران والقوى الغربية فيما يتعلق بالملف النووي.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، في أبريل الماضي، عن عبد اللهيان قوله حينها: إن "علاقات بلاده مع الإمارات ماضية باتجاه التقدم"، مشيراً إلى "ضرورة تشكيل لجان مشتركة لتعزيز وتوسيع العلاقات"، مؤكداً عدم وجود أي قيود على سير تنمية العلاقات الشاملة.
وحول أسباب ذلك التقارب يقول الكاتب السياسي الإيراني حسين روي وران، في مقابلة مع "BBC" البريطانية، في ديسمبر الماضي، بأن المنطقة تقف على أعتاب مرحلة جديدة في العلاقات الإقليمية.
ويرى الأكاديمي الإيراني أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أعطى إشارة إلى عدم رغبة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في الانخراط بالمنطقة، وهذا الأمر سيؤدي إلى خلق فراغ سياسي لا يمكن أن يُسدّ إلا بتفاهم دول المنطقة، أو التنافس والتصادم فيما بينها.
واعتبر وران أن جولات المحادثات السعودية الإيرانية في بغداد، والتقارب الإماراتي الإيراني الحالي، دليل على أن هذه الدول راغبة في الحوار.
ويلفت إلى أن "الإمارات تشجعت كثيراً بعد بدء الحوار بين إيران والسعودية في بغداد، ورأت أنه من الجيد أن تسير في الاتجاه عينه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن للإمارات منحى مستقلاً عن المنحى السعودي، وإن كان ضمن الإطار نفسه".
سوق رمادية
وكشف تقرير نشره موقع قناة "الحرة" عن نشوء سوق رمادية للتحايل على العقوبات الأمريكية، يطلب منها المستهلكون الإيرانيون بضائع غربية عبر الإنترنت، ويشحنونها عن طريق وسطاء في الإمارات، قبل أن تبحر من الشارقة متجهة عبر الخليج إلى إيران.
ويشير التقرير المنشور في 6 يوليو الجاري، إلى أن بيانات الجمارك الإيرانية، في 31 مارس 2021، تظهر تفوّق الإمارات على الصين كأكبر مصدر لإيران، حيث شحنت بضائع بقيمة 16.5 مليار دولار، توازي 68% من واردات إيران غير النفطية.
وينقل التقرير عن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن العشرات من السفن التي تحمل البضائع الخليجية تقوم برحلات منتظمة بين دول الخليج المجاورة، محملة بالثلاجات والمكانس الكهربائية وطابعات الليزر والمزيد.
ونوهت بأن الجارتين الخليجيتين شريكتان في علاقات تجارية ساعدت في عدم تحول التوترات إلى صراع كامل، وتدير الخطوط الجوية رحلات منتظمة بين البلدين، ويعيش آلاف الإيرانيين في الإمارات.
أولوية استقرار المنطقة
ويقول المحلل الاستراتيجي والخبير في الشؤون الإقليمية والدولية محمد عيد الشتلي: إن الإمارات "لديها موقف ثابت ومتزن في استقرار منطقة الشرق الأوسط".
ويضيف في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن تشكيل محور ضد دولة محورية وكبيرة في المنطقة مثل إيران لا يخدم عملية الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط، بل سيزيد من حالة الاصطدام المباشر مع الإيرانيين، ودول الخليج جميعها ترفض أي توجه عسكري أو سياسي يزيد من حدة الصراع في المنطقة.
ويتابع الشتلي: "لكن الإمارات ودول الخليج يرغبون في حسن النوايا من جانب جيرانهم الإيرانيين، والبداية في وضوح الأهداف الإيرانية في البرنامج النووي الذي تدعي إيران بأنه برنامج سلمي لأغراض الطاقة، ومن جانب آخر دعم إيران للمليشيات المسلحة في المنطقة؛ مما يزيد من حالة التباعد والنفور من جانب دول الخليج".
ويشير إلى أن هناك تبادلاً تجارياً بين إيران والإمارات، حيث تمثل الأخيرة الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الإيراني، إذ وصل معدل التبادل التجاري إلى مستويات مرتفعة في السنوات الأخيرة، كما أن الإمارات تعتبر شريكاً اقتصادياً قوياً ومعتمداً في الساحة الدولية.
وحول مستقبل العلاقة بين دول الخليج وإيران، يضيف المحلل الاستراتيجي أن "دول الخليج دائماً ما تمد يدها لإيران للاندماج في عملية سلام شامل، لكن السياسة العدوانية الإيرانية الموجهة نحو دول الخليج تجعل من هذه العلاقة صعبة بل مستحيلة نظرياً".
ويلفت الشتلي إلى أن "دول الخليج ليست لديها سياسة توسعية مثل الأخطبوط الإيراني الذي أصبح يتوغل في دول المنطقة مما ينعكس على جيرانه".
ويرى أن العلاقة في المستقبل ستتأزم بين الخليج وإيران؛ بسبب سعي الأخيرة للتوسع في المنطقة، وعدم رغبتهم في التخلي عن البرنامج النووي، وأن ملامح هذه العلاقة ستحددها الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، ومدى صمود النظام الإيراني في المفاوضات النووية.