محمد أبو رزق - الخليج أونلاين-
بعد جولات التوتر التي شهدتها العلاقات الكويتية الإيرانية، على مدار السنوات الماضية؛ لأسباب تتعلق بما يعرف بـ"خلية العبدلي"، وحقل "الدرة" للغاز الطبيعي، بدأت تظهر مؤشرات جديدة تدل على عودة العلاقات بين البلدين بالشكل الطبيعي.
وتظهر التصريحات الدبلوماسية الصادرة من الكويت وإيران وجود توجه لدى قيادة البلدين لفتح صفحة جديدة في العلاقات، والاتفاق على القضايا الخلافية، خاصة في المجالين السياسي والنفطي.
وتتويجاً لتلك التصريحات سيزور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الكويت قريباً، وفقاً لما أكده سفير إيران لدى الكويت، محمد إيراني.
واعتبر إيراني أن عودة التمثيل الدبلوماسي الكويتي إلى بلاده لدرجة سفير؛ "من خلال تسمية السفير الكويتي لدى إيران بدر عبد الله المنيخ، أمر طبيعي لقوة العلاقات الثنائية بين بلدينا، خصوصاً في المجال السياسي بين المسؤولين الإيرانيين ونظرائهم في الكويت"، في حين لم تعلن الدولة الخليجية التعيين رسمياً.
وشدد السفير في تصريح لصحيفة "الراي" المحلية (الثلاثاء 26 يوليو الجاري) على أن وجود سفير كويتي في إيران يعد "فرصة ممتازة لتطوير العلاقات الثنائية في المجالات كافة بشكل أسرع، بما يخدم مصلحة البلدين".
وعقب تصريح السفير الإيراني لدى الكويت بحث وزير خارجية إيران مع نظيره الكويتي الشيخ أحمد ناصر الصباح، العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية ودولية.
العلاقات والتوتر
بدأت العلاقات بين الكويت وإيران في أعقاب استقلال الكويت عام 1961، حيث توجهت طهران إلى الاعتراف بالدولة الخليجية، وكانت من أوائل الدول التي فتحت سفارتها في الكويت، يناير 1962.
وخلال السنوات الماضية، مرت العلاقات بالعديد من الاضطرابات، كان أبرزها قضية "خلية العبدلي" التي تعد أحد الأسباب التي أدت إلى تدهور العلاقات الدبلوماسية بين الكويت وإيران، إذ بدأت حين أعلنت الداخلية الكويتية، في أغسطس 2015، ضبط عدد من الأشخاص بتهمة تتعلق بالتجسس مع إيران وحزب الله اللبناني وحيازة الأسلحة.
وشملت التهم التي أدين بها المتهمون "ارتكاب أفعال من شأنها المساس بوحدة وسلامة أراضي دولة الكويت، والسعي والتخابر مع (جمهورية إيران الإسلامية)، ومع جماعة (حزب الله) التي تعمل لمصلحتها للقيام بأعمال عدائية ضد دولة الكويت من خلال جلب وتجميع وحيازة وإحراز مفرقعات ومدافع رشاشة وأسلحة نارية وذخائر وأجهزة تنصت بغير ترخيص، وبقصد ارتكاب الجرائم بواسطتها".
وبعد الاتهامات قضت محكمة كويتية، في بداية عام 2016، بإعدام متهم إيراني هارب وكويتي آخر، وأحكام بالسجن لمتهمين آخرين، في القضية.
وتصاعد التوتر من المحاكم إلى الدبلوماسية بين الكويت وإيران، حيث أبلغت الخارجية الكويتية، في يوليو 2017، السفارة الإيرانية بتخفيض عدد الدبلوماسيين العاملين لديها، وإغلاق بعض مكاتبها الفنية.
وقررت الكويت، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الكويتية "كونا" في حينها، تجميد أي أنشطة في إطار اللجان المشتركة بين البلدين.
وصعدت الكويت من قراراتها تجاها إيران؛ فأغلقت الملحقية الثقافية الإيرانية والمكتب العسكري، وخفضت عدد الدبلوماسيين بسفارة طهران فيها من 14 إلى 9.
كما شكل حقل "الدرة" أحد ملفات الخلاف بين الكويت وإيران، إذ يعود النزاع بين البلدين إلى ستينيات القرن الماضي، عندما اكتشف عام 1967، ومنح كل طرف حق التنقيب في حقول بحرية لشركتين مختلفتين، وهي الحقوق التي تتقاطع في الجزء الشمالي من الحقل.
وجاء التصعيد الجديد أواخر مارس 2022، عقب مطالبة الأخيرة بحقها من الحقل، بعد أيام من توقيع السعودية والكويت وثيقة لتطوير حقل الدرة البحري، في خطوة تأتي تنفيذاً لمذكرة التفاهم التي وقعها البلدان، في ديسمبر 2019، وتضمنت العمل المشترك على تطوير واستغلال حقل "الدرة".
عودة العلاقات
بعد التدهور الذي شهدته العلاقات بين البلدين أعادت الكويت اعتماد سفير جديد لإيران لديها، في سبتمبر 2018، ولكن دون الموافقة على إرسال سفير لها إلى طهران "حتى تغير إيران من نهجها بخطوات ملموسة"، وفقاً لما ذكرته صحيفة "الجريدة" المحلية في حينها.
ولم يدم استقرار العلاقات بين الكويت وإيران طويلاً، حيث قررت طهران هي الأخرى، في ديسمبر 2019، استدعاء القائم بأعمال السفارة الكويتية؛ على خلفية عقد مؤتمر مناوئ لإيران في الكويت.
وبعد حالات التوتر بدأت تظهر إرهاصات عودة العلاقات بين البلدين، والتي ستتوج بزيارة وزير الخارجية الكويت إلى إيران قريباً.
انفتاح جديد
وحول الانفتاح في العلاقات الكويتية الإيرانية يؤكد رئيس قسم التاريخ السابق في جامعة الكويت الأستاذ الدكتور عبد الهادي العجمي، أن المفاوضات بين البلدين تأتي في سياق جديد، وتسير ضمن تعاون خليجي نحو الانفتاح على طهران وإعطائها فرصة جديدة لتكون عنصر إيجابي.
ويقول العجمي في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "لا يمكن قراءة ما يحدث من التقارب الكويتي الإيراني دون ما يحدث في المنطقة ككل، إذ توجد محاولة خليجية للتقارب مع إيران في ظل التغييرات التي تشهدها المنطقة".
ويضيف: "يتم حالياً بناء تحالفات قوة تتقابل بالخليج، وسبق أن عقدت قمتان على ضفتي الخليج، مع وجود أقطاب عالمية متصارعة في عدة نقاط".
ويوضح أن العلاقات الإيرانية الكويتية الجديدة لا بد أن تشمل بوابة التعاون على المشاريع اقتصادية، ومنها حقل الدرة للغاز، وكل ما يفيد بلدان المنطقة، وإزالة شبح الحروب التي تنهكها كل عام.
ويرى أن عودة إيران للخليج وقبول المفاوضات معها يعود إلى فشل المشاريع الإيرانية في المنطقة، إضافة إلى خيبة أمل الإيرانيين من سياسية الرئيس الأمريكي جو بايدن، وفشل التوقعات حول وجود انفراجات جديدة لها بعصره.
ويبين أن الإيرانيين "أعادوا التفكير في طريقة قراءتهم للمنطقة بعد حالة القوة الخليجية المتصاعدة قليلاً، خاصة بعد التئام الصف الخليجي بعد إنهاء الخلافات".