فاليري كوليكوف- نيو ايسترن اوتلوك - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
خلال الفترة الأخيرة، تظهر السعودية رغبة قوية في توسيع نفوذها في آسيا الوسطى. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في تكثيف الاتصالات التجارية وفي المجالات الثقافية والدينية. وهناك سببان محددان لهذا الاتجاه؛ هما الصين وإيران.
ويحاول السعوديون زيادة نفوذهم في آسيا الوسطى من أجل أن يصبحوا جزءًا من استراتيجيات الاستثمار الصينية (في إطار مبادرة الحزام والطريق)، وأن يندمجوا أكثر في سلاسل التوريد العالمية.
وترىي السعودية أن ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (يهدف إلى نقل البضائع عبر أراضي الهند وإيران وأفغانستان وأرمينيا وأذربيجان وروسيا وآسيا الوسطى ثم أوروبا الشرقية) سيفيد إيران اقتصاديا بشكل ملحوظ.
لذلك، من الناحية الجيوسياسية، تدخل السعودية إلى آسيا الوسطى للضغط على إيران من الشمال وتطويقها بشبكاتها من القوة الناعمة والخشنة في باكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأفغانستان وأذربيجان.
ولطالما شددت السعودية على تطوير العلاقات مع كازاخستان، خاصة أن رئيس كازاخستان السابق "نور سلطان نزارباييف"، الذي تولى السلطة بعد وقت قصير من انهيار الاتحاد السوفيتي، رأى في دول الخليج نموذجًا للتنمية واعتبر أنه يمكن الاعتماد على تجربة الدولة السعودية.
ولا ترتبط السعودية وكازخستان بمصالح مشتركة في مجال الطاقة فقط؛ فقد دعمتها الرياض خلال رئاسة أستانا لمنظمة التعاون الإسلامي. كما أن هناك بُعدا شخصيا للعلاقة بين البلدين، فالسعوديون هم من هواة الصيد المعروفين وغالبًا ما يصطادون في جنوب كازاخستان.
ولم تتطور علاقة السعودية بكازاخستان فقط مؤخرًا، فقد أظهرت دول آسيا الوسطى حاجتها لمزيد من الاستثمار السعودي منذ عام 2021، واستعدادها لزيادة التجارة مع الرياض، بما في ذلك المنتجات الزراعية.
ومن أهم اللاعبين السعوديين في السوق الإقليمية اليوم هي مجموعة "عجلان وبروس" التي تعمل على تطوير شراكات مع قيرغيزستان وكازاخستان ودول أخرى في مجالات الزراعة والطاقة المتجددة. ويتجلى هذا التوجه للتعاون الاقتصادي في الزيارات الأخيرة للسعودية من قبل قادة دول منطقة آسيا الوسطى، لا سيما أوزبكستان وكازاخستان.
وقد اقترح زعيم كازاخستان على الرياض مشروع تعاون طموح ومتعدد الأطراف في قطاعات الطيران والزراعة والتعدين، وتحدث بشكل مكثف عن جاذبية كازاخستان للدول العربية نظرًا لقرب البلاد من الأسواق الصينية وجنوب آسيا، والتي تغطي معًا على الأقل 3.6 مليارات شخص.
وأشار رئيس كازخستان "قاسم توكاييف" على الرياض بإمكانية تعزيز التعاون بشأن الطريق العابر لبحر قزوين، والذي يهدف إلى ربط آسيا الوسطى بكازاخستان والصين.
وأصبح تحديث القطاعات الإنتاجية وتطوير المشاريع البيئية والرقمية في صميم السياسة الاقتصادية لآسيا الوسطى في السنوات الأخيرة. وكانت هذه الجوانب أساسية خلال مناقشة "معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون من أجل التنمية في آسيا الوسطى في القرن الحادي والعشرين"، والتي وقعتها عدة دول في المنطقة في 21 يوليو/تموز الماضي.
لكن مثل هذا العدد الكبير من المشاريع لا يمكن تنفيذه بدون رأس مال أجنبي جاد، وينظر القادة الإقليميون إلى السعودية على أنها شريك تكنولوجي واستثماري جذاب في هذا الصدد.
وسيكون من المثير للاهتمام أن تجتذب طشقند الاستثمار السعودي في إنشاء طرق النقل عبر أفغانستان بحجة أن أوزبكستان يمكنها توريد منتجاتها إلى السعودية شريطة أن تكون الطرق متصلة بموانئ المحيط الهندي.
وتظهر الرياض نفسها اهتمامًا كبيرًا بالمشاريع اللوجستية في المنطقة؛ ومن الأمثلة على ذلك دعم الدبلوماسيين السعوديين العام الماضي لمشاركة عشق أباد في خط أنابيب الغاز (تركمانستان - أفغانستان - باكستان - الهند) بالرغم من حقيقة أن مشروع الغاز التركماني هذا يُنظر إليه في الرياض على أنه منافس لها باعتبار أن باكستان والهند يعتمدان تقليديا على النفط والغاز السعودي.
وتتطور علاقات السعودية مع أوزبكستان بسرعة، وبدأت 14 شركة برأسمال سعودي 100% عملياتها اعتبارًا من عام 2021، فضلا عن 38 مشروعًا مشتركًا آخر.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، بدأت السعودية النظر إلى آسيا الوسطى من منظور التأثير الديني في المنطقة، وقد ظهر ذلك من خلال مصطلح "دبلوماسية المساجد". وعلى سبيل المثال، بحلول عام 2017 كانت الندوة العالمية للشباب الإسلامي (التي تمولها الرياض في قيرغيزستان) وحدها قد شيدت ما يقرب من 200 مسجدا.
نتيجة لذلك، يحاول قادة آسيا الوسطى وأعضاء المؤسسة السياسية زيارة الحرم المكي عند القدوم إلى السعودية، بالرغم من إصرار السلطات في المنطقة دائمًا على الطبيعة العلمانية لدول آسيا الوسطى.
وخلال عام 2022، بدا أن قادة آسيا الوسطى يلجؤون بشكل متزايد إلى القيم الدينية بدلاً من القيم العلمانية في أفعالهم وبياناتهم العامة. وفي ضوء النزاعات الأخيرة في دول آسيا الوسطى، استخدمت السلطات بشكل متزايد الإيماءات الدينية لتقليل حدة الصراع من خلال مناشدة الوازع الديني لتقديم جانب "التهدئة والتفاهم".