متابعات-
ثمة كثير من الشكوك حول مصير الوساطة العراقية التي بدأت فعلياً قبل أكثر من عام، بين السعودية وإيران، اللتين عقدتا عدة مباحثات مباشرة في بغداد، برعاية رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي.
ومع رحيل الكاظمي ومجيء حكومة جديدة برئاسة محمد شياع السوداني، صدرت إشارات واضحة عن المسؤولين العراقيين مؤخراً، بمواصلة الحكومة لعب دور الوساطة بين السعودية وإيران.
ولا تبدو أي مؤشرات تمضي نحو ذلك، خصوصاً مع تصعيد التصريحات الإيرانية ضد السعودية، وسط مخاوف من أن تفشل أي محاولات للتقريب بين الجانبين اللذين يعيشان صراعاً هو الأسوأ في الشرق الأوسط.
بين التقارب والتصعيد
بينما كانت كل المؤشرات تتحدث عن تقارب مرتقب بين السعودية والرياض وتوصّل الجانبين إلى تفاهمات بوساطة عراقية، توقف كل ذلك منذ منتصف العام الماضي، ولم يقطع هذا الملف طريقاً نحو الحل.
واكتفى الجانبان منذ آخر لقاء بينهما في أبريل الماضي، بالحديث حول تقارب وتفاهم في عدد من الملفات، من بينها إمكانية استئناف العمل في سفارتي البلدين، والتحضير للقاء مباشر بين وزيري خارجية البلدين في بغداد.
لكن التحركات التي قادها رئيس الوزراء العراقي السابق، والتي كان أبرزها في يونيو الماضي عندما قام بزيارة مكوكية لطهران والرياض، لم تصل إلى نتائج بارزة، فهي لم تنتج عن أي تفاهم بين البلدين.
وما زاد من تعقيد المشهد والتفاهمات الثنائية، رفع المسؤولين الإيرانيين وتيرة تهديداتهم للسعودية منذ أكتوبر الماضي، من خلال اتهامها بدعم وتغذية الاحتجاجات التي تشهدها إيران منذ نحو شهرين.
وكان آخر تلك التصريحات من قبل رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للجيش الإيراني، العميد أحمد رضا بوردستان، الذي أشار في تصريحات، إلى "ضلوع السعودية" في أحداث الشغب الأخيرة بالبلاد.
وقال في حوار أجرته معه وكالة أنباء "فارس" الإيرانية: "إن على النظام السعودي أن يعلم أن إيران تمارس ضبط النفس تجاهه، إلا أن هنالك حدوداً لذلك".
وما كان لافتاً في الأمر، أن تلك التصريحات جاءت بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة، في 2 نوفمبر 2022، أنها قلقة من هجوم إيراني مرتقب على السعودية، قبل أن تأتي لاحقاً وتعلن تمكنها مع الرياض من إفشال ذلك الهجوم.
آمال عراقية..واستعداد روسي
منذ مجيء "السوداني" للحكومة العراقية راعية التفاهمات السعودية الإيرانية، صدرت إشارات واضحة عن المسؤولين العراقيين، مطلع نوفمبر 2022، بمواصلة الحكومة الجديدة لعب دور الوساطة بين السعودية وإيران.
وقال "السوداني"، في مؤتمر صحفي: إن "جزءاً من المسارات السابقة (لحكومة الكاظمي) سوف نستمر بها"، متحدثاً عن تلقي "إشارات إيجابية من كل الأطراف بطلب استمرار هذا الدور، وسيجري هذا بأكثر من محور ولقاء رسمي عالي المستوى"، في تأكيد لاستمرار مساعي العراق للعب دور الوساطة بين الرياض وطهران.
إلا أن ثمة شكوكاً متعلقة بإمكانية استمرار الوساطة، خصوصاً أنها كانت تعتمد على رئيس الوزراء السابق الذي يتمتع بعلاقات قوية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى جانب التصريحات السلبية التي صدرت أخيراً عن مسؤولين إيرانيين تجاه الرياض.
ومع شبه توقف للمفاوضات بين الجانبين، خرجت تصريحات روسية على لسان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، تؤكد أن بلاده جاهزة لأن تصبح وسيطاً في الاتصالات بين إيران والسعودية لحل الخلافات، مشيراً إلى أن المشاكل الموجودة يجب حلها عن طريق الحوار.
وفي تعليقه على التصعيد في التوترات بين الرياض وطهران، قال بوغدانوف: "نحن على اتصال مع أصدقائنا السعوديين والإيرانيين. نؤيد حل جميع الخلافات وسوء الفهم على طاولة المفاوضات في إطار حوار بنّاء".
وأضاف: "كنا مستعدين دائماً ونبذل جهدنا للعب دور وساطة معين، إذا طلب ذلك من قبل أصدقائنا في الرياض وطهران".
إغلاق ملف التفاوض
يعتقد الباحث في الشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، أن السبب الرئيس لتصعيد نبرة التهديدات الإيرانية تجاه السعودية هو إغلاق ملف التفاوض عبر الوسطاء.
ويقول "النعيمي" لـ"الخليج أونلاين": "نحن نتحدث اليوم عن فتح مسارات تصعيدية جديدة ولن تقتصر على الحدود الجنوبية أو الشمالية للمملكة العربية السعودية وإنما قد تتسع دائرة الاستهداف الإيراني لتشمل خطوط نقل الطاقة البحرية، وذلك بعد أن أقدمت طهران على استهداف ناقلة نفط بالقرب من المياه الإقليمية لخليج عمان عبر مسيّرة".
ويعتقد أن إشراك المسيّرات في التصعيد ستكون له تداعيات خطيرة سواء على خطوط نقل الطاقة البحرية أو حتى على صعيد الصواريخ الباليستية التي تمتلكها الأذرع الولائية المنتشرة في العراق واليمن.
ويشير إلى أنه يتم الزج بهذه الأذرع "في تنفيذ استراتيجية إيران العدائية تجاه الشعوب العربية في المنطقة"، أو حتى من خلال "تفعيل دورها البحري في المضائق والمياه (الخليج العربي – بحر العرب – البحر الأحمر)".
ومن خلال قراءته للمشهد، يقول النعيمي: إن إيران "ستشرك أذرعها المنتشرة في المنطقة العربية لممارسة الضغوط القصوى من خلال مشاركتها في الحريق الإقليمي سواء في العراق أو سوريا أو حتى لبنان واليمن والتي من خلالها تقوض الأمن المحلي والإقليمي والدولي، وتساهم في رفع وتيرة الاشتباكات بالمنطقة العربية وتجييش المزيد ضمن الرؤية الإيرانية في مواجهة من تصفهم بالخصوم".
ويعتقد أن المنطقة العربية تتجه إلى "تصعيد عسكري ربما قد يؤجَّل قليلاً، بسبب مونديال قطر، لكنه لم يلغَ"، وفق قراءته للمشهد كما يقول.
ويؤكد أن التصعيد لم يقتصر على السعودية فقط، "بل تجاه العالم وذلك في ظل تعثر ملف التفاوض النووي وانسداد أفق الحل، بسبب التعنت الإيراني ورفع مستوى إنتاج أجهزة الطرد المركزي (IR6) التي أتاحت لهم تخصيب اليورانيوم بنسب 80%".
وخلص في ختام حديثه، إلى أن إيران تستغل كل هذا التصعيد "ربما للإقدام علناً أو سراً للعمل على إنتاج القنبلة النووية، وقد تحدث تداعيات خطيرة على منطقة الشرق الأوسط ربما سيدفع ثمنها لأجيال قادمة".
سلسلة من المفاوضات
واحتضنت بغداد مفاوضات مباشرة بين السعودية وإيران، منذ أبريل 2021، لكنها لم تحقق تقدماً ملموساً على الأرض، وقد جرت خامس جولات هذه المفاوضات في شهر مارس الماضي، وحققت نتائج إيجابية.
وشهدت الأسابيع الماضية لغة دبلوماسية أقرب للتصالح من جهة المسؤولين الإيرانيين مع السعودية.
وقبلت طهران طلب الرياض إجراء اجتماع مباشر، وأعلن وزير الخارجية العراقي، في 23 يوليو 2022، نية بلاده استضافة لقاء علني بين وزيري خارجية السعودية وإيران "خلال وقت قريب".
وانقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين مطلع يناير 2016، عقب اقتحام قنصلية السعودية في إيران من قبل محتجين.