طه العاني - الخليج أونلاين-
تستمر الجهود الدبلوماسية لتعزيز التقارب وتطوير آفاق العلاقات الثنائية بين السعودية والعراق في ظل جملة من المتغيرات الإقليمية والتحديات الأمنية والسياسية المشتركة التي تواجه البلدين.
ورغم تشابك الملفات وتعقيدها فإن البلدين يتفقان على ضرورة ضمان استقرار المنطقة، والعمل على دفع التعاون الاقتصادي بما يضمن المصالح المشتركة، وفي إطار ذلك تندرج زيارة الوفد السعودي الكبير برئاسة وزير الخارجية، الأمير فيصل بن فرحان، الحالية إلى العراق.
استقرار المنطقة
وتؤكد السعودية أهمية دور بغداد ضمن مساعي تخفيف التوترات الإقليمية الراهنة، وقال وزير الخارجية السعودي، لدى وصوله إلى العاصمة الخميس 2 فبراير الجاري، إن للعراق دوراً أساسياً في تعزيز الاستقرار بالمنطقة، وإن بلاده تدعم جهود الحكومة العراقية في تعزيز الاستقرار.
ولفت فرحان، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره العراقي فؤاد حسين، إلى عمق علاقات البلدين التي شهدت زخماً كبيراً مؤخراً، وخاصة في الجانب الاقتصادي الذي تطور بشكل كبير، مضيفاً: "لا فرص للازدهار بالمنطقة دون الاستقرار".
ويلتقي وزير الخارجية السعودي والوفد المرافق له خلال زيارته إلى بغداد، بالرئاسات العراقية الثلاث (الجمهورية والوزراء والبرلمان)، إضافة إلى نظيره العراقي وعدد من كبار المسؤولين.
التعاون الأمني
ويعد التنسيق الأمني أحد أبرز الملفات الثنائية بين بغداد والرياض، حيث يرتبط البلدان بحدود مشتركة طويلة، وتمثل التنظيمات الإرهابية والتشكيلات الخارجة عن القانون تهديداً مباشراً لهما.
وحول ذلك قال حسين إن "هناك تنسيقاً مع السعودية في كل المجالات، والتعاون الأمني مستمر ونعمل على تخفيف التوترات بالمنطقة".
وتشير التقارير إلى أن السعودية تخشى من الهجمات التي تنطلق من صحراء المثنى المحاذية لها جنوب غربي العراق، وتسعى من خلال التنسيق الأمني لاحتواء مثل هذه التهديدات وغيرها.
أبرز أجندة الزيارة
وتؤكد بغداد تمسكها بسياسة الحوار والتوازن لتجنب التوترات الإقليمية وانعكاساتها على الساحة العراقية، وتحرص على اعتماد سياسة التوازن والحوار بين دول المنطقة.
وكشف وزير الخارجية العراقي، في حوار مع قناة "الحدث" السعودية في 29 يناير الماضي، أن نظيره السعودي سيزور بغداد لعقد محادثات حول استئناف جولات الحوار بين طهران والرياض.
وحول ما إذا كانت زيارة الوزير السعودي ستشمل نقاشات حول استئناف الحوار بين طهران والرياض في بغداد، أوضح المتحدث باسم الخارجية العراقية أحمد الصحاف أن "الحوار بين طهران والرياض شأن ثنائي، وندعم مسارات الحوار في المنطقة؛ لما يعكسه ذلك من ترتيبات جوهرية لمصالح أطرافها بشكل جماعي".
وبيّن بأن الوزير السعودي يبحث مع نظيره العراقي العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والاستثمارية وأمن المنطقة، إضافة إلى اجتماع المجلس التنسيقي المشترك المرتقب عقده قريباً.
المفاوضات الإيرانية
وتأتي زيارة الوزير السعودي بعد أيام من تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، حول إصرار حكومته على الاستمرار في عملية التقريب التي يقوم بها العراق بين السعودية وإيران.
وكان مساعد الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية، سيد محمد حسيني، كشف في 4 يناير الماضي، أنه التقى مع وزير الخارجية السعودي في البرازيل، وأعرب له عن استعداد الرياض لاستئناف المفاوضات مع طهران.
وأشار حسيني إلى أن "القضية الأساسية كانت كيف ستكون نتائج المحادثات بين إيران والسعودية التي انطلقت بوساطة العراق، حيث أعلن الاستعداد لاستئناف المفاوضات".
وتابع: "وزير الخارجية السعودي رحب بعقد عدة اجتماعات لبحث الخلافات والمخاوف حتى نتمكن في النهاية من التوصل إلى نتيجة".
من جانبها، أشادت وزارة الخارجية الإيرانية، في وقت سابق، بتصريحات أصدرتها الخارجية السعودية بشأن المفاوضات بين البلدين، مؤكدة أن هذه التصريحات دليل على استعدادها لإجراء حوار.
يذكر أن بغداد احتضنت مفاوضات مباشرة بين السعودية وإيران، منذ أبريل 2021، لكنها لم تحقق تقدماً ملموساً على الأرض، وقد جرت خامس جولات هذه المفاوضات في شهر مارس الماضي، وحققت نتائج إيجابية وفق تصريحات رسمية.
وأعلن وزير الخارجية العراقي، في 23 يوليو 2022، نية بلاده استضافة لقاء علني بين وزيري خارجية السعودية وإيران، بعد موافقة البلدين على عقد لقاء وزاري مباشر بينهما.
وتدهورت العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران منذ مطلع يناير 2016، عندما اقتحم محتجون إيرانيون سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد على خلفية إعدام نمر النمر.
أهمية الزيارة
ويلفت المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، الدكتور إحسان الشمري، إلى أن أهمية هذه الزيارة تتمثل في كونها أول زيارة لمسؤول من السعودية في حكومة السوداني، وهي رسالة باستمرار دعم المملكة للعراق وشعبه.
ويبين الشمري، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن هذه الزيارة تمثل العودة العربية والخليجية إلى العراق، وتثبت أنه ماض باتجاه سياسة التوازن في علاقاته الخارجية.
ويضيف الشمري أن من أهداف الزيارة التأكيد على أهمية الدور العراقي في الوساطة بين إيران والسعودية، ومقدار الثقة التي توليها الرياض لبغداد في لعب هذا الدور المهم.
ويؤكد المحلل السياسي أنه "إذا ما نجح العراق في دور الوساطة، فبالتأكيد أنه سينهي فصلاً من الخلافات العميقة ما بين الرياض وطهران، وهو ما يعزز مكانته الإقليمية والعربية وحتى الدولية، خصوصاً أن أمريكا ستنظر إلى قدرة العراق على إنهاء الخلافات ما بين الدولتين".
ويشير الشمري إلى أن لهذه الزيارة ارتدادات اقتصادية إيجابية، خاصة إذا ما نجحت الوساطة، "حيث إن حلفاء إيران منعوا الاستثمار السعودي من أن يأخذ مساحة على الجغرافيا العراقية، لكن ما بعد هذا الصلح سيكون العراق أرضاً مشجعة لهذه الاستثمارات والتبعات التجارية".
تعزيز العلاقات
ويقول الكاتب والباحث السياسي، مبارك آل عاتي، إن الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية السعودي مع الوفد السعودي للعاصمة العراقية بغداد، مهمة جداً، وتأتي في ظرف سياسي مهم يشهده الإقليم، حيث إن من شأنها أن تعزز العلاقات البينية الثنائية ما بين البلدين.
ويتابع آل عاتي، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن هذه الزيارة ستسهم في تقوية العلاقات الثنائية، وتقوية أواصر التعاون الاقتصادي والتجاري ما بين البلدين الشقيقين، وتأتي استكمالاً للتنسيق السياسي لمتطلبات ومخرجات مجلس التنسيق السعودي العراقي الذي شهد عدداً من التطورات المهمة.
ويؤكد آل عاتي أن العلاقات السعودية العراقية شهدت مؤخراً تطورات مهمة جداً، كما أنها تشهد زخماً سياسياً كبيراً وملحوظاً، من شأنه أن يقوي العلاقات الثنائية، وهي تؤكد عودة العراق إلى محيطه العربي.
ويرى أن المباحثات ستشمل كل الملفات والقضايا في المنطقة، ومنها مسألة الوساطة العراقية في مشاورات السعودية الإيرانية، التي قطعت شوطاً كبيراً جداً.
ويبين آل عاتي أن "الزيارة ستؤدي إلى تحسين المزاج السياسي في الإقليم، والتي تؤدي إلى انفراجات في العديد من المسارات السياسية، وستشهد العلاقات السعودية العراقية نقلة جديدة وتطورات مهمة من جراء هذه الزيارة".