الخليج أونلاين -
يجمع المحللون والمراقبون على أن اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران ستكون له انعكاسات كبيرة على سوريا، إحدى أبرز الأزمات السياسية وأخطرها في المنطقة.
هذه الساحة شهدت حرباً علنية وصريحة بالوكالة بعدما دعمت السعودية المعارضة السورية لمواجهة المليشيات الإيرانية التي جاءت جحافلها لدعم نظام بشار الأسد في مواجهة الثورة الشعبية ضد حكمه، لكن نفس الرياض لم يكن طويلاً كما الحال عند طهران.
إذ صمدت طهران في دعمها للأسد حتى صارت لها الكلمة العليا في سوريا، في حين ابتعدت السعودية ما بعد العام 2016 عن دعم المعارضة نتيجة تحول سياستها الخارجية نحو الاهتمام الداخلي والتركيز على ما يصب في مصلحتها.
وتضمن الاتفاق الذي أعلنت عنه السعودية وإيران والصين في بيان ثلاثي، الجمعة 10 مارس 2023، أن الرياض وطهران أكدتا خلال المحادثات التي أجريت في بكين "احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
ماذا بعد؟
يرى خبراء ومحللون سياسيون أن الاتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية، سيخفف من حدّة التوترات التي تشهدها المنطقة منذ سنوات، وسيدفع لمرحلة جديدة من التعاون والتشارك بين الطرفين، ولكنهم لفتوا إلى أن تلك الخطوة تحتاج إلى "وقت كافٍ وآلية تضمن التنفيذ".
ففي سوريا تحديداً أصبحت إيران، ومعها روسيا، هي صاحبة القرار والنفوذ الأعلى على النظام السوري؛ فيما فشلت الجهود العربية في دعم الثورة السورية أمام آلة القتل والدمار التي تبناها الأسد وحلفاؤه.
وكان النظام السوري من المرحبين بهذا الاتفاق، حيث قالت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان: "ترحب الجمهورية العربية السورية بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الجارين، وتقدر عالياً الجهود المخلصة التي قامت بها القيادة الصينية في هذا المجال".
وأضافت: "إن هذه الخطوة المهمة ستقود إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وإلى التعاون الذي سينعكس إيجابياً على المصالح المشتركة لشعبي البلدين خاصة، ولشعوب المنطقة عامة".
وتابعت الخارجية: "تتمنى سوريا استمرار هذه الجهود لتشمل العلاقات بين دولنا العربية وأصدقائنا، لمواجهة التحديات الكبرى التي نواجهها في عالم اليوم".
ورغم موقف النظام الرسمي، التزم الائتلاف السوري المعارض حتى ساعات كتابة هذا التقرير الصمت، فيما رفض مسؤولون فيه التعليق لـ "الخليج أونلاين" على الاتفاق.
ومنذ انطلاقة الثورة السورية كانت السعودية من أوائل الدول التي دعمتها وسارعت لسحب سفيرها من دمشق احتجاجاً على قمع الأسد للشعب السوري.
كما وصف الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي الراحل، عام 2012، إيران بأنها دولة محتلة لسوريا ويجب أن تسحب قواتها منها.
لكن الاستراتيجية السعودية في سوريا لم تستمر طويلاً؛ فبعد وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وتولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، بدأت سياسات الرياض بالتحول رويداً رويداً، حتى انكفأت عام 2016 لصالح النفوذ التركي والروسي والإيراني.
وكانت المعارضة، التي هيمن عليها تنظيم الإخوان المسلمين وجبهة النصرة (القاعدة سابقاً)، أحد أسباب ابتعاد الرياض عن المشهد السوري، إذ تصنف السعودية الجماعتين تنظيماً إرهابياً، فضلاً عن انحياز المعارضة لتركيا في خلافها السياسي مع المملكة.
ويعتقد مراقبون سوريون بأن الاتفاق السعودي - الإيراني هو إقرار بنفوذ الأخيرة في سوريا واعترافاً به، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل بقائه.
لكن المحلل السياسي السوري وائل علوان، يرى أن المفاوضات، التي وصفها بـ"الناجحة" بين السعودية وإيران، "لا ترقى إلى مبدأ المصالحة، ومن المبكر الحديث عن ذلك".
ويوضح، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، قائلاً: "ما حدث هو تهدئة بين الطرفين في التصعيد الأمني والسياسي بين الجانبين"، متوقعاً أن يكون هناك تأثير محدود "مرتبط بمصير التهدئة الأم بين إيران والسعودية".
كما يرى أن هذه التهدئة "ستنعكس على تصعيد المملكة ضد أذرع إيران، وفي المقابل يجب أن يشمل الأذرع الإيرانية كالنظام السوري وحزب الله والحوثيين في هذه التهدئة، وأن تضغط إيران على تلك الأذرع لوقف العبث الأمني والتصعيد السياسي ضد المملكة".
بداية للتقارب مع الأسد
ويرى مراقبون أن نظام الأسد يسعى جاهداً لإعادة علاقته الدبلوماسية مع الدول العربية، وعلى رأسها السعودية.
ويبقى السؤال الأهم: ماذا ستفعل السعودية حيال النفوذ الإيراني، في وقت بدأت تتحدث صراحة عن الحوار مع الأسد وعودته إلى الحضن العربي بعيداً عن حضن طهران.
وبعد الاتفاق قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، يوم السبت 11 مارس، إن الوضع القائم في سوريا غير قابل للاستدامة، مشيراً إلى أن أي مقاربة جديدة ستتطلب حواراً لا محالة مع سلطة الأسد.
وأضاف، في تصريحات صحفية لقناة "العربية"، أنه "لا بد أن نجد سبيلنا لتخطي التحديات التي يفرضها الوضع القائم فيما يتعلق باللاجئين والوضع الإنساني داخل سوريا، ولذلك لا بد أن نجد مقاربة جديدة، وهذا سيتطلب لا محالة حواراً مع الحكومة في دمشق".
وفي السابع من الشهر الحالي، أفاد وزير الخارجية السعودي بأن زيادة التواصل مع سلطة الأسد قد تمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية، لافتاً إلى أنه من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة.
لكن تصريحات وزير الخارجية السعودي هذه ليست وليدة اللحظة السياسية الراهنة، إنما لها ما سبقها.
ففي العام 2018 وخلال حوار له مع مجلة "تايم" الأمريكية، أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أنه من غير المرجح أن يترك الأسد السلطة، إلا أنه أعرب عن أمله في ألا يصبح الأسد "دمية" في يد طهران.
وقال حينها: "أعتقد بأن بشار باق في الوقت الحالي، وكانت ولا تزال سوريا منطقة نفوذ روسيا على المدى الطويل. لكنني أعتقد أن مصلحة سوريا ليس في ترك الإيرانيين يفعلون ما يشاؤون فيها خلال فترة متوسطة وطويلة، لأنه إذا تغيرت سوريا إيديولوجياً فسيصبح الرئيس بشار الأسد دمية بيد إيران".
وأشار ولي العهد السعودي إلى أن "تقوية حكم الأسد في مصلحة الرئيس السوري نفسه وروسيا أيضاً"، موضحاً أن "ذلك سيمنح موسكو النفوذ المباشر في سوريا، وليس عبر إيران".
كما رأى حينها أن "وقف القتال في سوريا هو سيناريو شبه محتوم"، موضحاً: "ثمة أراض خاضعة لسيطرة بشار، وأخرى يسيطر عليها السوريون المدعومون من الولايات المتحدة، وتحاول السعودية التركيز الآن على كيفية دعم الناس عن طريق تزويدهم بالمساعدات، ولا نقدم هذه المساعدات مباشرة، بل عبر الأمم المتحدة والولايات المتحدة وحلفائنا، ونأمل في انتهاء الأزمة في أقرب وقت ممكن لأن الناس يعانون هناك".
رؤية الرياض الواضحة نحو الأسد، ظهرت معالمها المستقبلية بوضوح أيضاً خلال الزلزال الذي ضرب شمال سوريا في فبراير الماضي، حيث قدمت المملكة مساعدات لمناطق النظام، وهو ما يطرح تساؤلات حول احتمالية أن يعبّد الاتفاق مع إيران الطريق نحو تطبيع العلاقات مع دمشق وعودة الأسد للجامعة العربية.
لكن الباحث وائل علوان يعتقد في هذا السياق أنه من المبكر الحديث عن تغير في سلوك النظام السوري، مرجعاً ذلك إلى "الفوضى الكبيرة جداً ضمن النظام مثل تهريب المخدرات التي تخضع لمجموعات ومليشيات ضمن الدولة أشبه ما تكون مستقلة عن النظام لها مصالح سياسية واقتصادات الحرب ولها ارتباط مباشر مع مليشيا الحرس الثوري الإيراني".
وعن تأثير المصالحة السعودية الإيرانية يشير في حديثه إلى إمكانية أن "يكون هناك تأثير لكن بالبداية سيكون محدوداً، وسيكون مرتبطاً بمصير التهدئة الأم بين إيران والسعودية".
لكن الأوضاع في سوريا لن تتوقف، حيث يقول: "في المقابل يلوح في الأفق أن "إسرائيل" عازمة على توجيه ضربات موجعة لإيران، وهناك توافق أمريكي إسرائيلي أن تكون في سوريا، وأن تتسع بشكل كبير، وهناك رغبة إسرائيلية أن تتسع إلى أكثر من سوريا كالعراق وإيران".
ويضيف: "لا نعرف إن كانت هذه الهجمات ستؤثر على المصالحة بين الجانبين، فالأيام القادمة فيها تعقيدات كثيرة ومدخلات لا تتعلق بالعلاقات الإيرانية السعودية وإنما بشكل عام حول المنطقة".