كامل جميل - الخليج أونلاين-
في الوقت الذي تشهد فيه علاقات طهران مع محيطها الخليجي إيجابية ووثوقاً تكشف عن مستقبل مزدهر للمنطقة بعد توتر لسنوات، تخطو إيران في اتجاه تثبيت وجودها في الجزر الإماراتية التي تحتلها منذ أكثر من نصف قرن، وهي أشبه بالجرح الغائر في الجسد الإماراتي.
ما يثير الاستغراب أن هذه الخطوة تأتي ليس فقط بعد عودة قوية لعلاقات طهران والرياض التي تعتبر الأبرز والأهم، بل بعد تعيين سفيري إيران والإمارات في البلدين، الخطوة التي من المفترض أن تؤسس لتفاهمات حول الجزر الإماراتية، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، فيه إرضاء لأبوظبي.
الجزر الثلاث عند العودة إلى تاريخ قريب يتأكد أنها كانت تابعة لإمارة رأس الخيمة، وسكانها من قبائل عربية تنتشر في الإمارات والجزيرة العربية.
هذه الجزر ومنذ أن احتلتها إيران عام 1971 أصبحت محل نزاع بين طهران وأبوظبي، حيث تشير التقارير إلى أن البريطانيين منحوا الجزر الثلاث لإيران في عام 1968، قبل انسحابهم من الإمارات، ومنذ احتلالها أصبح كل من الطرفين الإماراتي والإيراني يرى أحقيته بالسيادة عليها.
توجيهات خامنئي
قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني علي رضا تنكسيري قال في مقابلة مع وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، السبت (29 أبريل 2023): إن "المرشد الأعلى علي خامنئي أصدر توجيهات وأوامر خاصة بإعداد وتجهيز الجزر في الخليج بالبنى التحتية والسكنية وجعلها صالحة للسكن والعيش، وتعزيز أمنها واستقرارها".
وأشار إلى أنه سيتم البدء بالمشروع عبر بناء المنازل السكنية والبنى التحتية وإنشاء الأرصفة العائمة ومرافق صيد الأسماك.
ما أعلنه تنكسيري يأتي مكملاً لما أعلنته السلطة القضائية الإيرانية، في سبتمبر الماضي، بإصدار سندات ملكية رسمية خاصة بجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
وقال متحدث باسم السلطة القضائية، آنذاك، إن الجزر الثلاث باتت في الدوائر العقارية الإيرانية باعتبارها أراضيَ مملوكة للدولة ضمن سندات تمليك رسمية وقانونية، حسب وكالة "إرنا".
تخطيط سابق
إيران خططت مسبقاً للوصول إلى المرحلة الحالية، بحسب ما يتوضح من خطواتها التدريجية، كان من أبرزها إعلانها، في 20 فبراير 2022، تدشين مطار جديد في جزيرة طنب الكبرى باسم "مطار الإمام علي"، وتسيير أول رحلة بين طهران وهذا المطار.
وقال حينها مساعد وزير الطرق ورئيس منظمة الطيران المدني في إيران، محمد محمدي: إن "تسيير الرحلات بين جزيرة طنب وإيران سيؤدي إلى إسكان الناس في الجزيرة المهمة للبلاد"، بحسب ما نقلت شبكة "الجزيرة".
وأوضح أن "تسيير رحلات جوية منتظمة ومستمرة إلى جزيرة طنب الكبرى مع تقديم تسهيلات مطارية لازمة يوفر الأرضية للسفر السهل من بعض المناطق مثل بندر عباس وبندر لنكة إلى هذه الجزيرة".
بدوره أكد الأدميرال علي رضا تنكسيري، أن المطار الجديد في جزيرة طنب الكبرى سينشط التجارة في المنطقة ويعزز الأمن.
وسبق تدشين المطار قول مساعد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني إبراهيم عزيزي، إن مجلس النواب يتابع جهود تعزيز البنى التحتية للجزر الثلاث في الخليج.
وأشار عزيزي إلى أن أعضاء لجنة الأمن القومي البرلمانية زاروا جزر أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى، ووصف الجزر الثلاث بـ"الاستراتيجية" في الخليج، والمعروفة باسم منطقة النزاعات، والتي تقع ضمن نطاق المنطقة البحرية الخامسة للحرس الثوري الإيراني، بحسب قوله.
الجزر وعودة العلاقات
ما يدعو للتساؤل أن مساعي إيران لإسكان مواطنيها في هذه الجزر يأتي في وقت تزداد فيه علاقاتها قوة مع الخليج، لا سيما مع السعودية، بعد توتر كبير كثيراً ما توقع مراقبون أن يتحول إلى حرب بين البلدين الجارين.
ويأتي أيضاً بعد تطور إيجابي كبير بالعلاقات الإيرانية الإماراتية، وصلت إلى تعيين سفراء بين البلدين.
وحسب وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، الخميس (16 مارس 2023)، قال مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية علي باقري كني: إن "العلاقات بين إيران والإمارات لم تنقطع أبداً، وإنما شهد البلدان تراجعاً في مستوى العلاقات بينهما".
وأضاف كني أن "الإمارات أعادت خلال الأشهر الأخيرة سفيرها إلى طهران، ونحن في المقابل اخترنا سفيرنا، وقد بدأت الإجراءات اللازمة ليتم إيفاده إلى أبوظبي قريباً".
أستاذ التاريخ السياسي د. بشار فتحي العكيدي، يشير في حديث لـ"الخليج أونلاين" إلى وجود سعي من الغرب، والولايات المتحدة تحديداً، من خلال دفع حلفائهم للضغط على مصادر القلق في المنطقة لتخليصها من "مشكلة عدم استقرار سياسي استمر لعقود".
وأوضح أن ذلك "يأتي في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي نرى من خلالها توجهاً دولياً لمحاولة تصحيح بعض المسارات، والعمل على خلق أجواء إيجابية".
ويضيف العكيدي أن "الأمر يتعلق بإيران وسياستها في المنطقة، فلا بد من الأخذ بنظر الاعتبار الضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها طهران من أجل سحب نفوذها من دول المنطقة، والتقليل من تأثير وجودها على عديد من الدول العربية".
وعليه يرى أن إيران من جانبها "أدركت حجم هذه الضغوط فلجأت إلى البحث عن أوراق تستطيع من خلالها المناورة والعمل على تقليل الخسائر التي ستتعرض لها إذا ما أجبرت على ذلك".
ويلفت أستاذ التاريخ السياسي إلى أن سيطرة طهران على الجزر الثلاث الإماراتية تعد "إحدى وسائل الدفاع الإيراني، فمن خلالها سوف تسعى إلى تقليل الضغط عليها".
ويعتقد أن العمل في هذه الجزر وتطويرها "ما هو إلا وسيلة ضغط تستخدمها طهران في هذه الفترة تحديداً تجاه دول الخليج العربي التي تعد الحليف الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة".
ويواصل: "لعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا: هل إيران قادرة على السير في هذا الاتجاه؟ وللإجابة عليه لا بد من تحليل الداخل الإيراني الذي يعد المفتاح الذي ترتكز عليه إيران في رسم سياستها الخارجية".
وتابع: "لا بد أن تعمل طهران على كسب الشعب الإيراني من خلال العمل الجاد في تنفيذ المشاريع الإصلاحية الداخلية، وإعطاء فسحة من الحرية حتى تكون هناك ثقة بين الشعب وحكومته، فضلاً عن تقليل أجندتها الخارجية ودعمها لكثير من الجهات التي شكلت عبئاً مالياً كبيراً عليها، وهو الدعم الذي يعد من أهم المشاكل التي تسعى الولايات المتحدة ودول المنطقة لإنهائه".