علاقات » ايراني

كواليس تحركات السعودية "المذهلة" يرويها وفد يهودي زار الرياض

في 2023/05/03

جون هانا/ جيروزاليم بوست - ترجمة الخليج الجديد- 

توجد ثلاث قرائن توفر سياقا لفهم تحركات السعودية الدبلوماسية "المذهلة" خلال الشهرين الماضيين، حيث اتفقت مع إيران بوساطة الصين على استئناف علاقتهما، كما تنهي قطيعة استمرت سنوات مع "اثنين من أكثر حلفاء طهران"؛ وهما نظام بشار الأسد بسوريا وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين، بحسب جون هانا، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني.

تلك الرؤية طرحها "هانا"، الذي يعمل في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA)، في مقال بصحيفة "جيروزاليم بوست" (The Jerusalem Post) الإسرائيلية وترجمه "الخليج الجديد".

وأضاف: "كنت أراجع ملاحظاتي من رحلة إلى الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع وفد من المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، حيث أمضينا أسبوعا في لقاء كبار القادة السعوديين".

وتابع: "لا شيء مما سمعناه كان سيقودني إلى توقع أنه بعد أقل من أربعة أشهر، سوف يستيقظ العالم على الصورة المروعة لكبير الدبلوماسيين الصينيين وهو يشبك الأيدي مع كبيري المفاوضين السعودي والإيراني".

وفي بكين، وقَّعت السعودية وإيران في 10 مارس/ آذار الماضي اتفاقا لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية خلال شهرين، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات بين بلدين يقول مراقبون إنهما يتصارعان على النفوذ في المنطقة عبر وكلاء في دول منها اليمن ولبنان.

فقدان الثقة

ولكن بعد فوات الأوان، كان هناك 3 قرائن تم إسقاطها وتوفر سياقا مهما لفهم تحركات المملكة، بحسب "هانا".

وقال إن القرينة الأولى "تتعلق بانهيار ثقة السعودية في استمرار علاقتها الثنائية مع واشنطن.. المسؤولون السعوديون أكدوا أنهم يريدون أن تظل واشنطن الشريك الاستراتيجي الأساسي للمملكة. لكن شكوكهم بشأن رغبة أمريكا في الحفاظ على مكانتها باعتبارها القوة الخارجية المهيمنة في المنطقة لم تكن أعلى من أي وقت مضى".

واستطرد بالقول: "لأكثر من عقد من الزمان، أوضح الرؤساء من كلا الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) اعتقادهم بأن واشنطن يجب أن تخصص وقتا وموارد أقل للشرق الأوسط وأكثر من ذلك بكثير للمسارح ذات الأولوية الأعلى مثل المحيطين الهندي والهادئ، وقد وضع الرئيس (الأمريكي الديمقراطي) جو بايدن نسخته المعادية للسعودية بشكل فريد في رواية التخلي هذه".

وأوضح أنه "كمرشح (خلال حملته الانتخابية)، تعهد بايدن بتحويل (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان إلى شخص منبوذ بسبب القتل المروع لجمال خاشقجي (كاتب صحفي سعودي) عام 2018".

وخلال أسابيع من توليه منصبه، أنهى بايدن الدعم الأمريكي للحرب السعودية في اليمن (جار السعودية)، ورفع التصنيف الإرهابي عن المتمردين الحوثيين (في اليمن) ورفع السرية عن تقييم استخباراتي يلقي باللوم على بن سلمان في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وعندما رد الحوثيون (مدعومين من إيران) بتصعيد الهجمات على الأراضي السعودية، سحب بايدن أصول الدفاع الجوي الأمريكية من المملكة.

وبيّن "هانا" بأن "جهود بايدن المتأخرة لتصحيح المسار بزيارة السعودية في يوليو/ تموز الماضي، تراجعت على الفور بسبب رد فعله المفرط على قرار قادته المملكة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لخفض (تحالف) "أوبك +" لإنتاج النفط على الرغم من اعتراضات واشنطن".

وزاد بالقول: "بدلا من التعامل مع الأمر باعتباره خلافا جادا ولكنه مشروع حول مستقبل أسواق الطاقة، اختار بايدن تصويرها على أنها خيانة سعودية، وهدد علنا بأن القرار السعودي ستكون له عواقب.. وقالت واشنطن إنها ستعيد تقييم العلاقات الثنائية".

وأردف أنه "عندما وصل وفد المعهد بعد خمسة أسابيع، كان السعوديون لا يزالون في حالة من الغليان.. حقيقة أن أسعار البنزين في الولايات المتحدة في تلك المرحلة كانت أقل مما كانت عليه عندما أعلنت "أوبك+" خفضها أدى إلى تفاقم الشعور الحاد بالظلم".

وتابع: "باختصار، أخبرنا السعوديون: أنت تقول إنك تعيد تقييم العلاقات معنا. حسنا السعودية أيضا تعيد تقييم العلاقات معك. نريد أن تستمر أمريكا في كونها حليفنا الرئيسي. لكنك تعبت من لعب هذا الدور. انسحابك سيجبرنا على التعويض قدر المستطاع باتخاذ ترتيبات أخرى للوفاء بأمننا".

إيقاف إيران

"هانا" قال إن النقطة الثانية التي أثارها السعوديون، خلال الزيارة، "تتعلق بنهجهم تجاه إيران، حيث أوضحوا أنها تشكل تهديدا وجوديا، وأن تفضيلهم الساحق هو الاعتماد على القوة العسكرية الأمريكية لردع العدوان الإيراني، وخاصة سعيها لامتلاك أسلحة نووية".

واستدرك: "لكن السعوديين حذروا من أنه إذا لم تعد لدى الولايات المتحدة الإرادة لوقف إيران، فسيتعين على المملكة اتباع مسار مختلف كثيرا".

وفسر الحديث بالقول: "إذا لم يعد بإمكانك الاعتماد على أمريكا، فستكون استراتيجيتك هي أن تصبح أفضل صديقا لإيران.. لم يعرفوا (السعوديون) بالضبط كيف سيفعلون ذلك، لكن التضمين كان واضحا: تنازلات دبلوماسية، رشوة، استرضاء".

وتتهم دول إقليمية وغربية، في مقدمتها السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، إيران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، بينما تقول طهران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.

وقال "هانا" إن "أكثر ما سمعناه من تأكيدات كان عند الإشارة إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ذراع النظام للقيام بعمليات عسكرية خارجية، حيث قال السعوديون إن هناك سببا لتسميته فيلق القدس. القدس تعني القدس. هدفهم (الإيرانيون) الأساسي هو إسرائيل. سنفعل ما هو ضروري لإبعاد العدوان الإيراني عن السعودية".

وتعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها، وتمتلك تل أبيب ترسانة نووية غير خاضعة للرقابة الدولية وتتهم هي وعواصم أخرى طهران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول إيران إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما فيها إنتاج الكهرباء.

نفوذ الصين

أما "النقطة الثالثة التي سمعناها (من السعوديين) وتكتسب أهمية إضافية في الإدراك المتأخر فتتعلق بالصين"، وفقا لـ"هانا".

وأوضح: "قبل وصول وفدنا بقليل، بدا الإيرانيون على وشك مهاجمة السعودية بسبب دعم المملكة المالي لمحطة تلفزيونية إيرانية في المنفى غطت بقوة حركة الاحتجاجات الداخلية في إيران"، على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني داخل مركز للشرطة في سبتمبر/ أيلول الماضي.

وأردف: "يُحسب لإدارة بايدن أنها ردت بإرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، لكن السعوديين أُعجبوا برد فعل بكين. أخبرونا أنها أرسلت فورا إلى الإيرانيين رسالة مفادها أنهم إذا هاجموا السعودية فلا ينبغي أن يتوهموا أن بكين ستدعم إيران".

وتابع: "في الرواية السعودية، مارست الصين (أكبر مستورد للنفط الإيراني) نفوذها الاقتصادي الكبير مع إيران نيابة عن السعودية بطريقة ساعدت في إقناع طهران بالتراجع".

حماس والأسد

ومنذ الاتفاق بين السعودية وإيران "تتواصل بسرعة جهود إعادة تأهيل اثنين من أكثر حلفاء طهران، وهما نظام بشار الأسد في سوريا وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين"، بحسب "هانا".

وبعد قطيعة استمرت سنوات، استقبلت السعودية، في أبريل/ نيسان الماضي، وفدا قياديا من حركة "حماس" التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

كما تبادل وزيرا خارجية السعودية والنظام السوري زيارات، ورحب الجانبان ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية، وتتردد أنباء عن أن الرياض دعت الأسد لحضور قمة القادة العرب المقررة بالمملكة في 19 مايو/ أيار الجاري. 

وفي 2011، جمدت كل من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي عضوية سوريا، ردا على قمع نظام الأسد لاحتجاجات شعبية مناهضة له طالبت بتداول سلمي للسلطة، مما زج بالبلاد في حرب أهلية مدمرة.