يوسف صالح - الخليج أونلاين-
اختتم وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أواخر الأسبوع الماضي، جولة خليجية له شملت أربع دول هي قطر وسلطنة عُمان والكويت والإمارات، لتكون الجولة الأوسع للمسؤول الإيراني في المنطقة، ضمن مساعي طهران لكسر عزلتها مستفيدة من مصالحتها مع الرياض، مع أنباء عن قرب توصلها لاتفاق مع الدول الغربية بشأن الملف النووي.
الجولة جاءت بعد أيام من زيارة أجراها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى طهران، هي الأولى له ضمن خطوات إعادة العلاقات بين البلدين، والتي أنهت قطيعة دبلوماسية استمرت نحو 8 سنوات.
وتأتي جولة المسؤول الإيراني (20-22 يونيو) في ظل جهود إقليمية لتصفير المشاكل، وإعادة العلاقات لشكلها الطبيعي، إضافة إلى حديث عن قرب التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية من جهة، وإيران من جهة أخرى لإحياء الاتفاق النووي الموقع في 2015، تؤدي فيه قطر وسلطنة عُمان جهود وساطة هامة في هذا الملف.
أبرز الملفات والأهداف
من أبرز الملفات التي شغلت حيزاً في اللقاءات المعلنة بين الوزير الإيراني والمسؤولين الخليجيين في العواصم الأربعة مناقشة المستجدات في المنطقة، وسُبل تعزيز التعاون نحو تحقيق الاستقرار فيها، والقضايا الإقليمية والدولية، ومن بينها الاتفاق النووي والمفاوضات المتعلقة به.
كما تسعى إيران إلى تخفيف العزلة الدولية عنها بعد العقوبات الأمريكية عبر اتخاذ طريق المصالحة مع دول الجوار، كان أبرزها إعادة علاقاتها مع الرياض، وكذلك تسريع العمل على التوصل لاتفاق نووي.
وخلال لقائه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، تبادل الوزير الإيراني وجهات النظر حول أبرز القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما تطورات الأوضاع في المنطقة.
وبحث مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مجالات الاقتصاد والاستثمار والتجارة البينية، وآخر مستجدات الاتفاق النووي، إلى جانب مناقشة عدد من القضايا الإقليمية والدولية لا سيما جهود دعم الاستقرار في أفغانستان، وتطورات الأزمة الروسية الأوكرانية.
لقاؤه نظيره العماني بدر البوسعيدي شمل تبادل وجهات النظر حول عددٍ من القضايا والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، والتقى في مسقط وفداً حوثياً، وسط محاولات لوقف الحرب في اليمن.
وناقش في الكويت "الارتقاء بمستوى التعاون المشترك في عدد من الميادين الحيوية والهامة، لا سيما الاقتصادية والاستثمارية منها".
وترى الباحثة بالشؤون الإيرانية في معهد "تشاتام هاوس" الدولي، صنم وكيل، أن إيران من خلال نشاطها الدبلوماسي المكثف خلال الفترة الأخيرة "تريد أن تثبت أنها رغم العقوبات والاحتجاجات الداخلية ما زالت صامدة في وجه العاصفة من خلال تعزيز روابطها على المستوى العالمي"، بحسب ما نقلته عنها الوكالة الفرنسية.
لكن دول الخليج ما تزال تريد خطوات إيرانية عملية، سواء في وقف التدخلات في بعض الدول العربية، أو التوقف عن تهديداتها للملاحة في مياه الخليج.
وقال الباحث في الشؤون الإيرانية مصطفى النعيمي، إن جولة المسؤول الإيراني إلى دول الخليج تأتي في إطار تعزيز الخطوات الإيرانية للتهدئة في المنطقة العربية، وفي الخليج خصوصاً.
لكن النعيمي يرى في حديثه لـ"الخليج أونلاين" صعوبة تحقيق نتائج سريعة، وقال إن إيران تعمل ضمن مسارين؛ الأول عسكري يتمسك بالمكتسبات التي حققتها الأذرع المسلحة التابعة لطهران، خاصة الحوثيين في اليمن، والثاني الواجهة السياسية المتمثلة بحكومة إبراهيم رئيسي التي لا تستطيع التغيير دون موافقة من المرشد الإيراني.
ما مدى حضور الاقتصاد؟
وتأمل إيران أن تؤدي المصالحات بينها ودول المنطقة إلى إنعاش اقتصادها الذي تضرر كثيراً جراء العقوبات الأمريكية، والتي عادت عام 2018 بعدما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بين الدول الكُبرى وإيران.
وأدت العقوبات الأمريكية إلى عزوف الشركات الأجنبية في الاستثمار بإيران، خاصة بعدما حصلت طهران على وعود كبيرة بعد توقيع الاتفاق النووي عام 2015، لذلك فإن طهران توجهت نحو جذب استثمارات صينية، كما توجهت إلى دول لا تربطها علاقات بالقوى الغربية، لكن مستواها يبقى متدنياً.
ورغم استثنائية جولة المسؤول الإيراني في الخليج فإنه لم يعلن توقيع اتفاقات اقتصادية كثيرة خلالها، ولم يكن هذا الملف بارزاً في أخبار الزيارات الرسمية، رغم مساعي طهران لجذب استثمارات خليجية إليها، خاصة بعد المصالحة مع السعودية، لكن التقدم في هذا الملف يبدو مرتبطاً بحل القضايا العالقة الأخرى، رغم احتفاظ طهران بعلاقات تعاون اقتصادي مع بعض الدول الخليجية.
وقال الباحث مصطفى النعيمي: "إنه من المبكر جداً الحديث عن أية مشاريع اقتصادية عربية في إيران أو العكس".
وأضاف أن الحديث الإيراني في هذا المجال يأتي "كدعاية إعلامية لتحضير الشعوب العربية للقبول بإيران، وهو أمر ما يزال غير مقبول على نطاق واسع؛ بسبب وعي متزايد لخطر التمدد الإيراني ما لم تتوقف عن دعم الأذرع الموالية لها في الدول العربية".
زيادة التنسيق والتعاون
لكن طهران تريد البناء على مصالحتها مع الرياض نحو زيادة التنسيق بينها ودول الخليج، التي ترتبط بعلاقات مستقرة تقريباً مع واشنطن عدوة طهران.
جاء ذلك على لسان وزير الخارجية الإيراني أثناء وجوده في مسقط، الذي أشار إلى تقديم الأمين العام للأمم المتحدة مبادرة لعقد اجتماع على مستوى وزراء خارجية الدول الثماني في منطقة الخليج العربي في مدينة نيويورك، التي قال إنها مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من التعاون الوثيق.
وبعد اختتام زيارته، كتب وزير الخارجية الإيراني على حسابه بموقع "تويتر"، أن إنشاء آلية مشتركة للحوار والتعاون بمشاركة جميع دول منطقة الخليج الاستراتيجية "أمر ضروري ومثمر أكثر من أي وقت مضى".
وأشار إلى طرح مبادرة تشكيل "مجمع للحوار والتعاون" بمشاركة جميع دول الخليج في شماله وجنوبه، وأن تفاصيل هذه المبادرة ستقدم مكتوبة إلى جميع دول الجوار في المستقبل القريب.
لكن الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي يقول لـ"الخليج أونلاين": إن تلك المبادرات "عبارة عن مسارات استنزاف للعرب عبر استثمار عامل الوقت لتعزيز قدرة أذرعها المنتشرة".
ويرى النعيمي ضرورة "إنشاء آليات رقابة عربية ودولية لمراقبة أنشطة إيران المزعزعة لأمن المنطقة العربية، وبناء على ذلك يتم التقدم من عدمه في ملفات تخفيض التصعيد مع إيران".
الملف النووي والوساطة الخليجية
ملف الاتفاق النووي أحد أبرز القضايا العالقة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من جهة أخرى، وينعكس انعكاساً مباشراً على الأوضاع في المنطقة، وقد كان حاضراً في مباحثات عبد اللهيان في الخليج.
وأجريت، الأسبوع الماضي، محادثات بين ممثلين عن إيران والاتحاد الأوروبي في الدوحة، قال الطرفان إنها أفضت إلى تطورات إيجابية في عديد من القضايا بشأن الاتفاق النووي.
ويأتي الاجتماع في العاصمة القطرية بعد أيام من قول المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي له القول الفصل في جميع شؤون إيران، إن من الممكن عقد اتفاق نووي جديد مع الغرب.
بينما تبادلت طهران الرسائل مع الولايات المتحدة عبر سلطنة عمان، قبل أسابيع، وقال كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين قبل أسبوعين إنه اجتمع مع نظرائه البريطاني والألماني والفرنسي في الإمارات لبحث "مجموعة من المسائل والقضايا المشتركة".
واعتمدت طهران وواشنطن التكتم الشديد حول تقدم المحادثات غير المباشرة بينهما، وهو ما أدى إلى انتشار أنباء عن قرب التوصل إلى اتفاق، قبل أن ينفي الطرفان ذلك.
ويقول الخبير الإيراني دياكو حسيني، المقرب من فريق الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، إن الإيرانيين والأمريكيين يسعون إلى إبرام "اتفاقات محدودة تهدف إلى خفض التوتر" مثل تسجيل "تقدم على صعيد البرنامج النووي الإيراني والإفراج عن سجناء"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية.
وتقول الوكالة ذاتها إن دول المنطقة ستنظر بعين الرضا إلى بوادر انفراج بين الإيرانيين والأمريكيين؛ نظراً لحرصها على تهدئة التوترات الناجمة عن نزاعي اليمن وسوريا.
كما تشكل هذه الرغبة أحد الدوافع الرئيسية لتطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، والذي كان له أثر على دول أخرى قطعت الجسور مع إيران، مثل مصر والبحرين، وهي قد تستأنف قريباً علاقاتها مع طهران.