سلمى حداد - الخليج أونلاين-
تمتد خيارات توسُّع العلاقات الإيرانية السعودية بعد استئنافها بوساطة صينية في وقت سابقٍ هذا العام، لتشمل حقول النفط والغاز المشتركة بين الدولتين والتي يمكن أن يحقق استثمار مواردها انتعاشاً اقتصادياً مهماً للبلدين، إضافة إلى تعزيز دورهما بقطاع الطاقة العالمي في ظل الطلب المتزايد عليها.
وفي وقت تشهد العلاقات السعودية الإيرانية محاولات جادة للعودة إلى طبيعتها بعد انقطاعها منذ العام 2016، تظهر حقول النفط والغاز الحدودية المتصلة بين البلدين ضمن الفرص الاستثمارية المشتركة المتاحة، خاصة في ظل سعيهما لزيادة إنتاجهما من النفط والغاز الطبيعي مع ارتفاع الطلب الأوروبي عليه.
حقول مشتركة
وتشترك إيران في 28 حقلاً للنفط والغاز مع الدول الجارة لها، أهمها دول خليجية والعراق، وتحتوي هذه الحقول على 20% من احتياطي النفط الإيراني و30% من الغاز الطبيعي، أشهرها حقل "بارس الجنوبي" الذي تشترك فيه مع قطر، حيث يعرف لدى الأخيرة باسم حقل الشمال.
وعلى صعيد السعودية، تشترك إيران معها في ثلاثة حقول هي: "إسفنديار/ لولو" و"فوروزان/ المرجان" و"الدرة/ آرش".
وكانت إيران قد قررت في أغسطس 2022، بدء تطوير حقل "إسفنديار" باحتياطيات متوقعة تصل إلى 500 مليون برميل مكافئ من النفط والغاز.
وبحسب تصريحات الرئيس التنفيذي لشركة النفط البحرية الإيرانية "إيووك"، علي ريزه مهدي زاده، من المتوقع تنفيذ خطط المرحلة الأولى لتطوير الحقل في غضون 3 سنوات، والتي تشمل الانتهاء من التصميم والبناء وتثبيت منصات الحفر وبدء حفر 4 آبار إنتاجية.
هناك أيضاً حقل للنفط يقع على طول الحدود البحرية السعودية الإيرانية، وهو حقل فوروزان النفطي، المتصل بحقل المرجان السعودي الذي يحتوي على احتياطيات ضخمة من النفط.
ووفقاً لشركة الأبحاث الدولية "وود ماكنزي"، يقع حقل المرجان قبالة الساحل الشرقي للسعودية، وتوجد معظم احتياطياته النفطية داخل الجزء السعودي من الحقل، على الرغم من أن الجزء الإيراني "فوروزان" يحتوي أيضاً على كميات كبيرة من النفط.
واكتُشِف حقل المرجان السعودي عام 1968، باحتياطيات تُقدَّر عند 2.31 مليار برميل من النفط الخام، وإنتاج يومي 270 ألف برميل.
حقل الدرة
ورغم أن الحدود في الحقول السابقة متوافق عليها بين السعودية وإيران، فإنه يبقى حقل وحيد ما زالت الخلافات قائمة عليه وهو حقل "الدرة".
ووقعت السعودية والكويت العام الماضي اتفاقاً لتطوير الحقل، لكن إيران اعترضت على الاتفاق مؤكدةً أحقيتها المشتركة بصفتها دولة ثالثة في الحقل ووقوع أجزاء منه داخل نطاق مياهها الإقليمية.
ويقع حقل الدرة في المنطقة البحرية المتداخلة بين الكويت وإيران، وتقع أغلب مساحة الحقل بالمياه الكويتية والسعودية.
واكتشف الحقل عام 1967، ويحتوي على مخزون كبير من الغاز، يُقدر بنحو 11 تريليون قدم مكعبة، إضافة إلى أكثر من 300 مليون برميل من النفط.
وفي تطور حديث بهذا الشأن قالت صحيفة "الجريدة" الكويتية في 2 يوليو 2023، إن "إيران هددت ببدء عمليات الحفر والتنقيب في حقل الدرة".
ونقلت الصحيفة عن مصدر رفيع في شركة النفط الوطنية الإيرانية قوله: إن "إيران قررت البدء بعملية الحفريات في المنطقة التي تعتبرها داخل مياهها الإقليمية بعد رد سعودي بأنه ليس هناك أي حقل مشترك مع إيران للبحث بشأنه".
وأضاف أن "طهران لن تسمح بأن يفرض عليها أمر واقع، بل ستقوم باستباق أي خطوات كويتية أو سعودية، وتثبيت أقدامها في الحقل".
وردت الكويت على هذه التصريحات قائلةً إنها والسعودية لهما وحدهما الحقوق الخالصة بمنطقة حقل "الدرة" البحري للغاز.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (كونا)، عن مصدر بالخارجية الكويتية، قوله: إن "المنطقة البحرية الواقع بها حقل الدرة تقع في المناطق البحرية للكويت، والثروات الطبيعية فيها مشتركة بين الكويت والسعودية، ولهما وحدهما حقوق خالصة بالثروة الطبيعية في الحقل".
وأضاف أن "الكويت تجدد دعوتها الجانب الإيراني إلى البدء في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين الكويتي والسعودي كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني".
وفي أبريل 2022، قالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان، إن المملكة والكويت "تؤكدان حقهما في استغلال الثروات الطبيعية بهذه المنطقة".
وفي 16 مايو 2022، كشف وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، عن رغبة المملكة والكويت في بحث حقل غاز الدرة مع إيران.
وقال الوزير السعودي، في تصريحات صحفية آنذاك: إن "الكويت والسعودية تريدان بحث حقل غاز الدرة مع إيران، لأن الموارد هناك مصلحة مشتركة للبلدين".
ولكن هذا الخلاف لا يشمل بقية الحقول بين السعودية وإيران والتي من الممكن أن تكون عنوان تعاون بينها في الفترة المقبلة.
تطورات نحو التعاون
وفي الأول من يوليو 2023، كشف مسؤول إيراني عن اتفاق بين طهران والرياض على خطط لتطوير الحقول النفطية المشتركة بين البلدين، وصولاً إلى زيادة الإنتاج فيها.
ونقلت وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء، عن المدير التنفيذي لشركة النفط المحلية، محسن خجستة، قوله إنه تم البدء بمرحلة جديدة من التعاون بين طهران والرياض.
وأضاف خجستة: "تم تحديد خطة لجميع الحقول المشتركة بين إيران والسعودية، وتم الحصول على الموافقات اللازمة لتنفيذ عمليات مختلفة، وضمن ذلك زيادة الإنتاج وصيانة الإنتاج والتطوير الجديد".
ولم يصدر أي تأكيد أو تعليق من جانب السعودية على تصريحات المسؤول الإيراني.
وسبق ذلك في 28 يونيو الماضي، تصريحات للمسؤول الإيراني ذاته، قال فيها إنه "بعد استئناف العلاقات بين طهران والرياض، بدأت التمهيدات للتعاون الثنائي بشأن الحقول النفطية المشتركة بين الدولتين".
وأضاف خجستة، أن "جميع الحقول المشتركة بين إيران والسعودية أمرها محسوم، في إشارة إلى عدم وجود خلافات".
فرصة سانحة
وفي قراءته لإمكانية التعاون النفطي بين الدولتين، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، إن "الفرصة باتت سانحة لتحويل التنافس بين البلدين إلى تعاون، خاصة بعد اتفاق استئناف العلاقات بينهما".
وأضاف عايش، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "هذا التعاون يمكن أن ينعكس إيجاباً على دور الدولتين في قطاع الطاقة الدولي وإدارة حقول النفط المشتركة بينهما".
وأشار إلى أن هذا التعاون يمكن أن يكون أفضل نموذج له الصيغة التي طبقتها إيران وقطر بإدارة حقل الشمال الغازي المشترك بينهما والذي يعد أحد أهم نماذج التعاون بين طهران ودولة خليجية.
وأوضح أن التعاون بين السعودية وإيران سيزيد من دور المنطقة في قطاع الطاقة العالمي، وسيحقق فوائد اقتصادية كبيرة لهما، خاصةً أن الحقول المشتركة بينهما وعددها ثلاثة تتوافر فيها كميات ضخمة من النفط والغاز.
وأشار إلى أن كل هذه الثروة التي يعود اكتشافها إلى ستينيات القرن الماضي، لم تُستثمر بعد بالشكل السليم، وحان الوقت لاستغلالها والاستفادة من كل هذه الثروة لتطوير الاقتصاد الإيراني المتهالك ودعم استراتيجية السعودية لتنويع الاقتصاد والتحول إلى مركز دولي للاستثمار والتجارة والسياحة وفق رؤيتها 2030.
إلا أنه لفت إلى أن هذا التعاون قد تعيقه العقوبات الأمريكية المفروضة على النفط الإيراني، لكنه أشار إلى أن هناك أنباء تم تداولها مؤخراً عن إمكانية التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي ورفع جزء من العقوبات.
ورأى أن المستثمر الأفضل في قطاع النفط الإيراني سيكون السعودية التي تملك إيرادات مرتفعة حققتها خلال الفترة الماضية، ما يعني قدرتها على ضخ استثمارات كبيرة بهذا القطاع في ظل التعاون القائم.