يوسف صالح - الخليج أونلاين-
عاد حقل الدرة للغاز والنفط إلى الواجهة، خلال الأيام الماضية؛ على خلفية التصريحات الإيرانية والكويتية والسعودية المتبادلة حول من يملك الأحقية في استثماره وامتلاك الثروات المغمورة فيه.
ويقع حقل الدرة، الذي تُسميه إيران "آراش"، وهو على شكل مثلث مائي، في المنطقة المغمورة المشتركة للنشاط الاقتصادي الخاص بين المملكة العربية السعودية والكويت في مياه الخليج العربي، بينما تقول طهران إنه يمتد إلى مياهها.
ويعود الخلاف أساساً إلى عدم ترسيم الحدود البحرية بين الكويت وإيران، وقد يكون لاكتشاف هذا الحقل دور في استمرار الخلاف وتمسك طهران بتلك المنطقة، بينما تؤكد الدولة الخليجية أن الحقل يقع في المنطقة الخالصة المشتركة بينها والسعودية فقط.
بداية الخلاف
وبدأ الخلاف على الحقل في ستينيات القرن الماضي، وقت اكتشافه؛ حيث كان محل تنازع بين إيران والكويت، بشأن استغلال ثرواته من النفط والغاز.
ومنحت إيران، التي كانت تعيش حينها في زمن الحكم الملكي للشاه، امتياز التنقيب والاستغلال للشركة الإيرانية - البريطانية للنفط، في حين منحت الكويت الامتياز لشركة "رويال داتش شل"، وقد تداخل الامتيازان في الجزء الشمالي من حقل الدرة.
وتسبب استمرار الخلاف الحدودي في تأخر الاستثمار واستخراج ثروات الحقل، مع تكرار إيران تأكيدها أن جزءاً منه يقع ضمن مياهها.
وبدأت إيران، في العام 2001، أعمال تنقيب في الحقل؛ مما دفع الكويتيين والسعوديين إلى ترسيم حدودهما البحرية نهائياً، والاتفاق على تطوير الموارد الموجودة في المنطقة معاً؛ ومنها حقل الدرة.
وفي مارس 2022، وقعت السعودية والكويت وثيقة لتطوير حقل الدرة، نصت على أن تقوم شركة "عمليات الخفجي المشتركة"، وهي مشروع مشترك بين "أرامكو لأعمال الخليج" و"الشركة الكويتية لنفط الخليج"، بالاتفاق على اختيار استشاري "يجري الدراسات الهندسية اللازمة لتطوير الحقل، وفقاً لأفضل الأساليب والتقنيات الحديثة، ووضع التصاميم الهندسية الأكثر كفاءة وفاعلية من الناحيتين الرأسمالية والتشغيلية".
وأثار الاتفاق السعودي الكويتي حينها حفيظة الجانب الإيراني، الذي قال إن الحقل مشترك بين إيران والكويت والسعودية، وإن أجزاء منه في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت.
لكن وزير الخارجية الكويتي نفى الادعاءات الإيرانية، وقال في بيان نُشر، في 29 مارس 2022، إن إيران ليست طرفاً في حقل الدرة للغاز الطبيعي؛ لأنه "حقل كويتي سعودي خالص، ولهما وحدهما الحق في استغلاله واستثماره".
وتُعيد إيران القول بأن "حقل آراش مشترك بالتأكيد مع حقل الدرة"، بحسب ما قاله المساعد الأسبق لوزير النفط الإيراني مهدي حسيني في تصريح سابق.
وأعاد حسيني، في التصريح الذي نشرته وكالة "فارس"، في أبريل 2022، المطالبة بأن نموذج استثمار الحقل بشكل مشترك هو المطلوب، لكنه هدد بأن إيران قادرة على بدء عمليات الحفر في حال "لم تتعاون السعودية والكويت في رسم الخط الحدودي".
أهمية ثروة حقل الدرة
تقول تقديرات إن حقل الدرة الذي اكتشف عام 1967 يحتوي على مخزون كبير من الغاز، وتُشير بعضها إلى أن فيه 60 تريليون قدم مكعبة، بينما تشير أخرى لاحتوائه على 10-13 تريليون قدم مكعبة، و300 مليون برميل من النفط، بحسب موقع "وحدة أبحاث الطاقة".
ويتوقع أن يصل إنتاج الحقل بعد تطويره إلى مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز الطبيعي يومياً، و84 ألف برميل من المكثفات النفطية يومياً.
ويرى الصحفي السعودي المتخصص في النفط وأسواق الطاقة وائل مهدي، في مقال سابق، أن السعودية والكويت تحتاجان إلى كل جزيء غاز يمكنهما إنتاجه، وقد تكون حاجة الثانية أكثر من الأولى؛ نظراً لأن المملكة أصبح لديها أكثر من مشروع للغاز الطبيعي الحر وكمياته في ازدياد مستمر.
وأضاف في مقاله الذي نشرته صحيفة "الشرق الأوسط"، في مايو الماضي، أنه "ليس لدى الكويت كثير من الغاز الحر باستثناء بعض الغاز من المكامن الجوراسية، الذي يعتبر غازاً حامضاً ويحتاج لمعالجة أكثر لاستخدامه. والكويت التي لا تمتلك سوى استيراد الغاز الطبيعي المسال في أشد الحاجة لغاز الدرة".
بينما يرى الباحث في شؤون الطاقة واين أكرمان، بمقال نشره معهد الشرق الأوسط الأمريكي، في مايو 2022، أن تطوير حقل الدرة للغاز يمثّل ريادة للعلاقات الإقليمية أكثر من كونه حقل غاز يسهم في توفير مزيد من ذلك الوقود الأحفوري للسوق العالمية.
وأوضح أن تطوير حقل الدرة بمنزلة أولوية للكويت مقارنة بالسعودية وإيران؛ وذلك لحاجتها الملحّة إلى موارد الغاز المحلية.
أما بالنسبة لإيران فهي تسعى لاستغلال التصالح بينها والسعودية مؤخراً لتحريك هذا الملف؛ سعياً للحصول على جزء من الثروات الغازية لدعم اقتصادها المتضرر بشدة من العقوبات الأمريكية.
إلى أين ستصل الخلافات؟
وانخرطت الكويت وإيران بالسابق في مناقشات حول حدودهما البحرية المشتركة، ولكن لم يتوصل إلى اتفاقيات رسمية.
ومع استمرار الخلافات وتوقف أي أعمال جدية لتطوير حقل الدرة، عادت حرب التصريحات بين الدول الثلاث حول من له الحق في استثمار الحقل والحصول على ثرواته، لكن دعوات التفاوض لحل هذا الخلاف تأتي مصاحبة لتلك التصريحات.
وكان آخر هذه الدعوات ما أعلنته الكويت، يوم 3 يوليو 2023، من تجديدها دعوتها للجانب الإيراني للبدء في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين الكويتي والسعودي كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني.
الدعوة ذاتها جاءت أيضاً على لسان السعودية بعدها بيوم، للبدء في مفاوضات لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة، وفقاً لأحكام القانون الدولي، مع تأكيد الرياض والكويت أن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة هي لهما فقط، ومن ضمنها حقل الدرة بكامله.
وترفض إيران إحالة خلافها بشأن ترسيم حدود حقل غاز الدرة في مياه الخليج إلى التحكيم الدولي منذ وقت مبكر، حينما ألمحت الكويت، في عام 2003، إلى أنها قد تعرض الخلاف على هيئة تحكيم دولية في حال فشل المفاوضات الثنائية.
ووسط كل تلك الخلافات قد تفتح إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض الباب أمام حل لمشكلة حقل الدرة، والتوجه للاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين الكويت وإيران، رغم أنباء بدئها التحرك في المنطقة للتنقيب، وهي الخطوة التي تسببت في صدور البيانات الكويتية والسعودية.
كما قد يدفع الاعتماد المتزايد على استخدام الغاز الطبيعي عالمياً والنقص المرتبط بالعقوبات الغربية على روسيا نحو حل المشكلة العالقة سعياً لتسريع استخراج الغاز من هذا الحقل.