حمزة حداد/ المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية- ترجمة الخليج الجديد-
توفر التهدئة الإقليمية الراهنة، لاسيما بين السعودية وإيران، فرصة ذهبية يعمل العراق على الاستفادة منها في تعزيز علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي، مع مراعاة التوازن الدقيق بين العرب وطهران.
تلك القراءة قدمها حمزة حداد، الزميل الزائر في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" (ECFR) عبر تحليل ترجمه "الخليج الجديد"، مشيرا إلى أنه "على مدى عقود، وقع العراق في مرمى نيران التوترات بين جارتيه إيران والسعودية، لكن في أعقاب تحسن علاقاتهما، بمساعدة بغداد، أصبح الآن مستفيديا رئيسيا من الهدوء الإقليمي".
وفي 10 مارس/ آذار الماضي، وقَّعت السعودية وإيران، بوساطة الصين، اتفاقا استأنفتا بموجبه علاقتهما الدبلوماسية، ما أنهى قطيعة استمرت 7 سنوات بين بلدين يقول مراقبون إن تنافسهما على النفوذ أجج العديد من الصراعات بالمنطقة.
وتابع أنه بعد عقد من الاستقطاب الشديد على خلفيات طائفية، "يركز اللاعبون الإقليميون الرئيسيون الآن على الازدهار الاقتصادي أكثر من اكتساب اليد العليا الجيوسياسية، ما يمكن أن يجلب فوائد مباشرة ومطلوبة للعراق".
و"على هذه الخلفية، يعمل رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني على تعزيز العلاقات مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ويجب على الدول الأوروبية أن تدعم بنشاط هذه التطورات، بعد سنوات من محاولة تحقيق الاستقرار في العراق بعد غزو عام 2003"، وفقا لحداد.
وأشار إلى أن "دول الخليج العربي أظهرت عداءها للعراق لسنوات، واعتبرت السياسيين الشيعة في العراق، بمَن فيهم رؤساء الوزراء، وكلاء لإيران".
وفي مناسبات عديدة، اتهمت دول في مجلس التعاون الخليجي إيران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، بينها العراق واليمن ولبنان وسوريا، بينما تقول طهران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار.
الاقتصاد والأمن
"منذ فترة طويلة، أدرك السياسيون العراقيون أن علاقات بلادهم مع بقية العالم العربي لن تتحسن إلا إذا خفف جيرانها التوترات مع إيران، وهذا هو السبب في أن بغداد اغتنمت الفرصة لتحويل هذه الروابط إلى رصيد، وتوسطت في محادثات عبر القنوات الخلفية بين إيران والسعودية على مدى السنوات الماضية، والتي تُوجت باختراق دبلوماسي تم الإعلان عنه في الصين"، كما أضاف حداد.
وقال إن السوداني يضغط للحصول على علاقات أوثق مع الخليج، بما "يعزز موقعه من خلال تأمين الفوائد الاقتصادية للبلد، كما يستفيد العراق من عدم استخدامه كساحة معركة للحرب بالوكالة بين دول المنطقة".
وأردف: "وبناءً على ذلك، حضر السوداني قمة جامعة الدول العربية بالسعودية (19 مايو/ أيار الماضي)، وهي مهمة عادة ما يضطلع بها الرئيس العراقي. وتعهد السوداني باستضافة قمة الجامعة في 2025، مما أرسل إشارة واضحة بالالتزام تجاه العالم العربي الأوسع".
ومضى قائلا إن "أحد الأسباب الحاسمة لتواصل بغداد المستمر مع السعودية هو حاجة العراق إلى الاستثمار العربي، بما في ذلك المساعدة في التخلص من الاعتماد على إيران وتركيا".
وأفاد حداد بأن "التجارة بين تركيا والعراق وصلت الآن إلى مستوى غير مسبوق قدره 20 مليار دولار. وعلى الرغم من العقوبات الأمريكية، يعتبر العراق ثاني أكبر شريك تجاري لإيران، حيث استورد بـ8.9 مليار دولار من إيران في 2022. وسيستفيد العراق من تنويع شركائه التجاريين، خاصة في قطاع الطاقة".
كما تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي، بحسب حداد، أموالها الخاصة في العراق، فمثلا خصصت السعودية والإمارات مؤخرا 6 مليارات دولار للاستثمار في البلاد، ومن المرجح أن تنمو هذه الاستثمارات، سواء في تجارة التجزئة أو الضيافة أو الطاقة، مع تطور علاقات دول مجلس التعاون مع السياسيين العراقيين.
ورأى حداد أنه "بالنسبة للحكومة العراقية، يمكن أن يساعد ذلك في تلبية الاحتياجات الاقتصادية العاجلة، والمزعزعة للاستقرار في أحيان كثيرة، مثل توفير فرص عمل كافية وخدمات حكومية لسكانها الشباب".
تشجيع أوروبي
و"يتعين على الدول الأوروبية الآن تشجيع ودعم دول مجلس التعاون الخليجي والعراق لتوسيع مشاركتهما في المجالات الرئيسية الأخرى، بما في ذلك التعاون الأمني والمناخي"، كما أردف حداد.
وينتقد الاتحاد الأوروبي سياسة إيران الخارجية ويتهمها بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إن برنامجها النووي مصمم للأغراض السلمية، بما فيها توليد الكهرباء.
وزاد حداد بأنه "بدلا من اعتبار ذلك وسيلة لتقليل نفوذ طهران، يجب على الأوروبيين الترحيب بفرص جذب إيران إلى أطر إقليمية تعاونية تساعد على تعزيز خفض التصعيد الإقليمي على نطاق أوسع ومعالجة التحديات المشتركة العاجلة، كتلك التي يفرضها تغير المناخ".
وقال إن "العراق يحتاج إلى الاستمرار في موازنة علاقاته مع جيرانه بعناية، وحتى في وقت الدفء بين إيران والسعودية لن تكون هذه دائما مهمة سهلة، إذ سيستمر الطرفان في الضغط على بغداد بطرق تخاطر بتعطيل عملها المتوازن".
وأضاف أن "وجود الجماعات (العراقية) شبه العسكرية المتحالفة مع إيران، والتي غالبا ما تتخذ نهجا أكثر تشددا من طهران، فضلا عن خطر التصعيد الإقليمي الأوسع المرتبط بالتوترات الأمريكية والإسرائيلية مع إيران، يشكل أيضا تهديدات لاستدامة هذا المسار".
"لكن في نهاية المطاف، سيكون العراق الأكثر ارتباطا إقليميا في وضع أفضل لمواجهة التحديات الداخلية الخاصة به والتخفيف من تأثير تلك الضغوط الخارجية، ويجب على الأوروبيين أن يعززوا هذه الفرصة"، كما ختم حداد.