أمير تيفون وبن سموئيلس- هآرتس العبرية-
خبراء بارزون في مجال النووي من إسرائيل والسعودية يحذرون من تخصيب اليورانيوم في الأراضي السعودية في إطار اتفاق مستقبلي بينها وبين الولايات المتحدة، الذي قد يشمل تفاهمات للتطبيع بين إسرائيل والمملكة. تأتي تحذيرات الخبراء رداً على تصريحات وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، بأن إسرائيل لن تعارض بالضرورة برنامجاً نووياً مدنياً في السعودية، وتأتي رداً على رفضه الإجابة عن سؤال إذا كانت إسرائيل تعارض تخصيب اليورانيوم في المملكة.
في مقابلة مع شبكة “في.بي.اس”، أشار ديرمر إلى أن السعودية إذا لم تحصل على ما تريد في المجال النووي من الإدارة الأمريكية، فربما تحصل عليه من دولة أخرى، الصين أو فرنسا. وأضاف بأن “هناك دولاً في الشرق الأوسط لديها نووي مدني، وهذا يختلف عن السلاح النووي”. فسر أقوال ديرمر هذه خبراء تحدثوا مع “هآرتس” كمحاولة لاستخدام الضغط على الإدارة الأمريكية للموافقة على طلبات السعودية.
روبرت آينهورن، الذي شغل من قبل منصب مستشار خاص لمنع انتشار السلاح النووي في وزارة الخارجية الأمريكية، والآن يعمل باحثاً كبيراً في معهد بروكينغز في واشنطن، قال للصحيفة بأن تخصيب اليورانيوم في السعودية “مخاطرة كبيرة جداً”. وحسب أقواله، للولايات المتحدة مصلحة واضحة في دعم برنامج نووي مدني في السعودية ومنع علاقة روسية أو صينية ببرنامج كهذا، لكن ليس بأي ثمن – بالتأكيد ليس بثمن إعطاء ضوء أخضر أمريكي للتخصيب على أراضي المملكة.
“يمكنني تخيل سيناريو تساعد فيه الولايات المتحدة على تطوير مخزون اليورانيوم الموجود لدى السعودية وتساعد في عملية تخصيب اليورانيوم السعودي خارج حدود المملكة، وبعد ذلك تعيد المادة إلى منشأة نووية على أراضي السعودية التي ستبنيها شركة أمريكية وتكون خاضعة للرقابة”، قال آينهورن. “قد يجني السعوديون أرباحاً تجارية من تصدير اليورانيوم الذي لديهم، ولكن هذا سيكون خطيراً جداً لأمريكا؛ أن تسمح بإقامة منشأة تخصيب على الأراضي السعودية”.
وأضاف بأنه سيكون “من الخطأ” تزويد السعودية بتكنولوجيا تمكن من تخصيب اليورانيوم أو دعم ذلك على صعيد السياسة. “سمعنا ولي عهد السعودية محمد بن سلمان وهو يقول قبل بضع سنوات في مقابلة في التلفاز وبشكل صريح، بأنه يريد أن تكون للسعودية قدرة مساوية لتلك التي لإيران. نيته واضحة جداً، ويجب أن تكون جزءاً من منظومة اعتبارات إدارة بايدن”، أوضح آينهورن. في هذه الأثناء، باتت إيران على بعد أسابيع وحتى بضعة أشهر من اختراقة نووية.
وقال آينهورن إنه “تفاجأ” من مقابلة ديرمر مع “في.بي.اس”، خاصة أنه لم يستبعد طلب السعودية بمنشأة تخصيب. ولكن حسب قوله، فإنه حتى لو كانت إسرائيل مستعدة للموافقة على مثل هذا السيناريو، فلا يعني هذا أن مجلس الشيوخ الأمريكي الذي سيتعين عليه المصادقة على أي اتفاق مع السعودية، أن يوافق على ذلك. “على الولايات المتحدة أن تصمم في اتفاق كهذا على رقابة متشددة، تشمل رقابة الوكالة الدولية للطاقة النووية”، أوضح. “أشك بأن بن سلمان سيوافق على أمر كهذا”.
اريك بروور، الذي شغل في السابق منصب المسؤول عن منع انتشار السلاح النووي في مجلس الأمن القومي الأمريكي، قال للصحيفة أموراً مشابهة. وحسب رأيه، فإن “دعم إسرائيل للتعاون بين السعودية والولايات المتحدة في الموضوع النووي سيساعد في تمرير أي اتفاق كهذا في الكونغرس، ولكن تفاصيل الاتفاق مهمة جداً. هناك فرق كبير بين اتفاق يعطي ضوءاً أخضر لتخصيب سعودي بدعم أمريكي، وبين اتفاق يلبي “المعيار الذهبي” الدولي، الذي سيكون على السعودية في إطاره التنازل عن إمكانية التخصيب على أراضيها”.
عبر بروور عن أمله بأنه “لن يكون هناك خيار ثنائي، بل مدى واسع من الخيارات في الوسط. أحدها مثلاً اتفاق يقررون في إطاره تأجيل موضوع التخصيب كله للمستقبل”. يعتقد بروور مثل آينهورن، بأنه رغم مصلحة أمريكا في تزويد السعودية بتكنولوجيا نووية مدنية، يجب أن يكون في كل اتفاق بنود قوية تمنع انتقال السعودية إلى برنامج له طابع عسكري.
إيلي لفيتا، الذي شغل في السابق نائب المدير العام للجنة الطاقة النووية في إسرائيل، نشر في هذا الأسبوع مقالاً في الموقع الأمريكي “ذي هيل”، توسل فيه لإدارة بايدن كي تعيد فحص مقاربتها للاتفاق مدار الحديث. في السياق النووي، حذر لفيتا من أن “تحويل تكنولوجيا التخصيب للسعودية سيقوض بشكل كبير تعهداً أمريكياً بمنع انتشار السلاح النووي”. وحسب قوله، هذه خطوة ستؤدي بالدول التي وافقت في السابق على القيود الأمريكية حول برامجها النووية مثل الإمارات وكوريا الجنوبية، إلى المطالبة بموافقة مشابهة من الولايات المتحدة. في محادثة مع الصحيفة، أضاف لفيتا بأن “الولايات المتحدة ستثبت هنا سابقة خطيرة إذا وافقت على هذا الطلب”.
في إسرائيل، الجهة الكبيرة الوحيدة التي صرحت علناً حتى الآن ضد تخصيب اليورانيوم في السعودية هو رئيس المعارضة يئير لبيد، الذي قال لأعضاء في الكونغرس الأمريكي الذين زاروا إسرائيل قبل أسبوعين بأنه يعارض ذلك. مع ذلك، يضمر جهاز الأمن قلقاً كبيراً من هذه الاحتمالية. لم يصرح رؤساء الجهاز علناً حتى الآن بهذا الشأن، لكن عليهم فعل ذلك لاحقاً إذا تقدمت الاتصالات مع السعودية نحو اتفاق يشمل إنجازات مهمة للمملكة في المجال النووي.
الولايات المتحدة، في المقابل، يأتي الانتقاد أيضاً من جهات دعمت سابقاً رئيس الحكومة نتنياهو في نضاله ضد اتفاق نووي مع إيران. مثال ذلك معهد الدفاع عن الديمقراطية في واشنطن، وهو منظمة اتخذت خطاً نقدياً جداً ضد الإدارة الأمريكية على خلفية الاتفاق الإيراني في العقد الماضي، وهو الآن يعارض أيضاً الاتصالات الجارية بين الإدارة الأمريكية والنظام في إيران.
مارك دفوفيتش، مدير المعهد، أشار في محادثة مع الصحيفة بوجود 18 دولة في العالم على الأقل لديها برنامج نووي مدني بدون تخصيب اليورانيوم في أراضيها. لا سبب في عدم انضمام السعودية لهذا النادي”. ودعا الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ خط متشدد أكثر تجاه إيران بشكل يقلل دافعية السعودية لتطوير قدرة نووية. مع ذلك، حذر دفوفيتش من أنه “إذا لم تعارض إسرائيل التخصيب في السعودية، فعلى الإدارة الأمريكية والكونغرس التراجع، الأمر الذي يستدعي تداعيات مهمة بشأن انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط. لا أحد سيكون كاثوليكياً أكثر من البابا في مثل هذه الحالة”، أوضح دفوفيتش.
طرح القلق من سيناريو سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط أيضاً داخل المنظومة في إسرائيل. اثنان من رؤساء مجلس الأمن القومي السابقين، اللذين تم تعيينهما في منصبيهما في فترة نتنياهو، يعقوب نيغل ومئير بن شبات، نشرا مقالات حذرا فيها من تخصيب اليورانيوم في السعودية. الاثنان، خلافاً لمعظم كبار رجال جهاز الأمن السابقين، لا يكثران من توجيه الانتقاد لقرارات نتنياهو. بن شبات حذر من أن “انضمام السعودية إلى النادي النووي سيوسع انتشار النووي في المنطقة، ودول أخرى سترغب أيضاً في امتلاك قدرات تخصيب اليورانيوم على أراضيها”.
السفير الأمريكي السابق في إسرائيل، دان كيرتسر، نشر أمس مقالاً حول هذا الموضوع في إسرائيل والسعودية، ومثله أرون ديفيد ميلر، الذي كان مستشار شؤون الشرق الأوسط في عدة إدارات أمريكية. وعبر كلاهما عن دعم متحفظ من اتفاق سعودي – أمريكي – إسرائيلي، لكنهما أوضحا بأن على الإدارة الأمريكية تصمم على موقف متشدد في الموضوع النووي. “يجب المطالبة بأن تفي السعودية بطلبات قوية لمنع تطوير سلاح نووي، وأن تتعهد بقبول رقابة أمريكية ودولية”، أوصيا.
حسب أقوالهما، فإنه “حتى لو وافقت الرياض على هذه الطلبات، يجب على الولايات المتحدة أن تمد خطاً أحمر في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم واستكمال دائرة الوقود على أراضي السعودية. الالتزام الأمريكي بمنع انتشار السلاح النووي يجب أن يتغلب على أي اعتبارات أخرى”.