إلدار محمدوف/ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد-
سلط الخبير الاستراتيجي الأذربيجاني، إلدار محمدوف، الضوء على تداعيات توسيع مجموعة بريكس، وفق قرار قمة المجموعة، التي عقدت في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا هذا الأسبوع، والتي قبلت انضمام دولا بينها: إيران والسعودية.
وذكر محمدوف، في تحليل نشره بموقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" وترجمه "الخليج الجديد"، أن أحد الجوانب البارزة لتوسع "الانفجار الكبير" ببريكس يتمثل في أن إيران أصبحت عضوا كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في عام 2022، فيما أصبحت السعودية "شريك حوار" في هذا المنتدى الأمني الأوراسي الذي تقوده الصين (مع احتمال العضوية الكاملة)، وبذلك أصبحت بريكس الآن ثاني منصة للتعاون والحوار بين الرياض وطهران.
وأضاف أن الانضمام المتزامن إلى مجموعة بريكس، والانضمام المرتقب للسعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون، يمكن أن يزيد من تعزيز عملية التطبيع الثنائي الناشئة بين طهران والرياض.
خلل وظيفي
لكن المتشككين يشيرون إلى خلل وظيفي مزعوم في مجموعة بريكس، التي تفتقر، على النقيض من الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي، إلى معايير انضمام واضحة وتجمع دولاً ليس بينها على ما يبدو الكثير من القواسم المشتركة باستثناء بعض عدم الرضا عن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن هذه المرونة وغياب "القواعد" الصارمة يمكن أن تكون ميزة أكثر من كونها عيبًا، بحسب محمدوف، موضحا أن ما يهم إيران والسعودية هو المسار واحتمال التطبيع طويل الأمد وليس النتائج الفورية والتوقعات غير الواقعية.
بعبارة أخرى، يمكن لمنتدى مثل مجموعة بريكس، أن يكون ساحة مناسبة لبناء الثقة المتبادلة بشكل تدريجي بين السعودية وإيران، بحسب محمدوف، الذي أكد في الوقت ذاته أن "مثل هذا الاحتمال ليس حتميا على الإطلاق".
وكانت ردود أفعال طهران والرياض على الدعوة للانضمام إلى بريكس مختلفة بشكل ملحوظ من حيث اللهجة والجوهر، ففي حين كان المسؤولون الإيرانيون مبتهجين بهذا الاحتمال، كان السعوديون أكثر حذراً وأشاروا إلى الحاجة إلى مواصلة دراسة تفاصيل ما ستترتب على العضوية قبل تأكيد نيتهم الانضمام.
وينبع هذا التفاوت من اختلاف احتياجات البلدين: فبالنسبة لإيران، من الضروري التغلب على ما أسمته تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي، بدور الولايات المتحدة "كحارس البوابة" في المجتمع الدولي.
ومن هذه الزاوية، فإن الانضمام إلى بريكس له تأثير دبلوماسي أكبر بكثير على إيران من منظمة شنغهاي للتعاون، فخلافا للأخيرة، فإن بريكس عالمية حقا، ولا يمكن استبعادها باعتبارها ناديا للأنظمة الاستبدادية الأوراسية، إذ تضم المجموعة أنظمة ديمقراطية بين أعضائها، مثل: البرازيل، والهند، وجنوب أفريقيا.
ولا يمكن تصنيف أي من هذه البلدان على أنها دولة استبدادية مناهضة لأمريكا، ومع ذلك، فإن علاقاتها الغربية وحكمها الديمقراطي لم تكن عقبات في منحها الضوء الأخضر لانضمام إيران إلى بريكس، ولذا يرى محمدوف أن طهران محقة في اعتبار ذلك نجاحا دبلوماسيا.
مصلحة سعودية
من ناحية أخرى، لا تحتاج السعودية إلى كسر أي أسقف للدبلوماسية، بل على العكس من ذلك، إذ يتم التودد إليها من الولايات المتحدة لإبرام صفقة من شأنها أن تنطوي على ضمانات أمنية أمريكية للمملكة مقابل تطبيع المملكة مع إسرائيل.
ومع ذلك، فإن الانضمام إلى بريكس يتناسب مع استراتيجية سعودية أوسع نطاقا لتنويع العلاقات الخارجية، وعلى وجه الخصوص، بناء علاقة أوثق مع الصين.
وإزاء ذلك، يتوقع محمدوف، أن تقبل السعودية، في نهاية المطاف، دعوة الانضمام لبريكس، لكنه أشار إلى أن الأمور قد تكون أكثر تعقيدًا مع الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، إذ أن أحد مطالب الولايات المتحدة الهادئة من المملكة مقابل المزايا الأمنية المعروضة هو الابتعاد عن فلك الصين.
وفي هذا السياق، قد تكون العضوية الكاملة بمنظمة شنغهاي للتعاون بمثابة جسر بعيد المنال بالنسبة للرياض.
ومع ذلك، فإن مثل هذه العضوية ليست وشيكة على أي حال. وفي الوقت نفسه، فإن وضع شريك حوار منظمة شنغهاي للتعاون، الذي حصلت عليه المملكة في وقت سابق من عام 2023، يوفر لها رابطًا آخر مع إيران، العضو الدائم.
وفي نهاية المطاف، لا يمكن لمنصات مثل بريكس وشنغهاي إلا أن تساعد التطبيع الثنائي السعودي الإيراني، لكنها لا تحل محله، وبينما يستمر الحوار بين طهران والرياض من خلال اجتماعات رفيعة المستوى لوزراء الخارجية وكبار مسؤولي الدفاع، فإنه لا يزال في مراحله الأولى.
تهديد الخلافات
وعلى الرغم من الجداول الزمنية المتفائلة، فإن عمل البعثات الدبلوماسية في كلا البلدين لم يستأنف بشكل كامل بعد، ولم يتم حل الخلافات حول حقل غاز أراش/ الدرة المتنازع عليه، والذي يضع السعودية والكويت في مواجهة إيران.
وتصر السعودية على أنه سيتعين على إيران، على المدى الطويل، معالجة استراتيجيتها الإقليمية للدفاع عبر الاعتماد على حركات وتنظيمات وكيلة، ما تعتبره المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تهديدًا.
فبعد عقود من التوترات التي يعود تاريخها إلى عام 1979، أصبح انعدام الثقة المتبادل عميقا، ولا تزال أسبابه البنيوية بعيدة عن الإزالة، حسبما يرى محمدوف، مشيرا إلى أن الأمر الأكثر إلحاحًا بالنسبة لطهران في هذه المرحلة هو توضيح السعودية أنها لن تسعى للحصول على إعفاءات من العقوبات الأمريكية على إيران ما لم يكن هناك نوع من الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، وهو حدث غير مرجح بالنظر إلى دخول الولايات المتحدة موسما انتخابيا جديدا، لن يرغب فيه أي من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) في الظهور بمظهر المهتم بإيران.
والمعنى الضمني هو أن الفوائد الاقتصادية المتوقعة من التقارب السعودي الإيراني قد تكون بطيئة في التحقق، بحسب محمدوف.
وفي ضوء هذه التشابكات الأعمق، فمن المرجح أن تشهد العلاقات السعودية الإيرانية المزيد من المد والجزر، وإذا اتخذ البلدان منحى أكثر تصادمية فقد يؤثر ذلك سلباً على تماسك مجموعة بريكس، حيث سيستخدم كلا الجانبين أي نفوذ لديه على حساب الآخر.
وفي هذه الحالة، قد يندم الأعضاء الحاليون في بريكس على استيراد المنافسات الجيوسياسية من الخليج إلى المجموعة، وهذا من شأنه أن يكون ضاراً بالنظرة الذاتية لبريكس باعتبارها منتدى للتعاون بين الدول، على النقيض من المؤسسات التي يهيمن عليها الغرب، مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبريتون وودز، وحلف شمال الأطلسي، التي تستند إلى الهيمنة الأمريكية.
غير حتمي
ومع ذلك، لا يرى محمدوف أن هذه الحالة حتمية بالضرورة، خاصة أن العلاقات بين الصين والهند لا تخلو من التوترات، ويرجع ذلك جزئيًا إلى نزاع حدودي طويل الأمد: ففي عام 2020، قُتل العشرات من الجنود الهنود والصينيين في مناوشات مسلحة، ومع ذلك، تسعى كل من بكين ودلهي أيضًا إلى الحفاظ على الحوار والعلاقات الاقتصادية الوثيقة.
وحتى الآن، لم تسمح الصين أو الهند لخلافاتهما بالوقوف في طريق بريكس، وكان التوسع الطموح للمجموعة هذا الأسبوع دليلاً على أن الغلبة للبرجماتية فيها.
ولا يوجد سبب يمنع طهران والرياض من إدارة خلافاتهما بطريقة مماثلة، بحسب محمدوف، خاصة أن الصين، وهي قوة رائدة في كل من بريكس وشنغهاي، لعبت دورًا حاسمًا في إطلاق التقارب السعودي الإيراني، ومن المتوقع أن تستثمر في هذه العملية بشكل أكبر.
والأهم من ذلك، أن كلاً من طهران والرياض ترى أن هناك مصلحة وطنية ثابتة في المضي قدماً في خفض التصعيد وتطبيع العلاقات.
وفي المستقبل القريب على الأقل، يرجح محمدوف أن تحافظ السعودية وإيران على هذا المسار، على الرغم من المخاطر التي تعترض الطريق.