شيماء علي- البيت الخليجي-
في شهر سبتمبر 2023 قال ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان آل سعود لقناة فوكس نيوز الأمريكية “كل يوم نقترب من تطبيع العلاقات مع إسرائيل”. قبل هذه المقابلة انتشرت تقارير غربية نقلت عن مسؤولين سعوديين وأمريكيين تأكيدهم بأنّ مفاوضات اتفاق التطبيع بين السعودية وإسرائيل، والتي تتم برعاية الولايات المتحدة، تسير بشكل جيد. وكانت السعودية قد توصلت مع خصمها الإقليمي إيران إلى اتفاق مصالحة في شهر مارس 2023، بواسطة صينية. وافقت الرياض على مفاوضات اتفاق التطبيع مع تل أبيب بشروطها الخاصة التي تدور حول أمرين رئيسين: التوصل إلى اتفاق أمني مع واشنطن والحصول على أسلحة متطورة، والبدء في تأسيس برنامج نووي سعودي مع القدرة على تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى تصريحات مسؤولين سعوديين حول أن تطبيع الرياض مع تل أبيب سيصب في مصلحة الفلسطينيين من خلال الحصول على المزيد من التنازلات الإسرائيلية فيما يخص مسألة حل الدولتين. الآن، وبعد الهجوم الذي قامت به كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية المقربة من إيران، على المجتمعات الإسرائيلية في غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، وما تلاه من اشتعال حرب ضارية بين إسرائيل وغزة، يبرز سؤالان: ما هو مصير مفاوضات التطبيع المحتمل بين الرياض وتل أبيب؟ وكيف سيكون رد الفعل الإيراني في حالة حدوث تطبيع بين السعودية وإسرائيل؟
بالنسبة للسؤال الأول، نقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة على تفكير الرياض أنّ المفاوضات من أجل التطبيع بين إسرائيل والسعودية قد تم تجميدها في الوقت الحالي، وقالت مصادر سعودية أيضًا أنه سيكون هناك تأخير في مفاوضات التطبيع مع تل أبيب بالإضافة إلى التركيز على حقوق الفلسطينيين والاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة بالطبع. وإذا ما سلمنا بأن التطبيع السعودي الاسرائيلي سيتم في نهاية المطاف بعد انتهاء حرب غزة، وأن السعودية ستحصل على مزايا تعزيز قدراتها الاستراتيجية وبناء قوة نووية في حالة موافقة تل أبيب والكونجرس الأمريكي، فما هو موقف طهران من كل هذا؟ منذ بدء إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في تسهيل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول الخليجية، عارضت إيران هذا الأمر وانتقدت بلهجة حادة، فاقتراب إسرائيل من حدود إيران أمر غير مقبول ومقلق بالنسبة للقادة في طهران، وانتقد المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، مرارًا وتكرارًا عمليات التطبيع العربية مع إسرائيل واصفًا إياها بأنها خيانة للعالم الإسلامي والعالم العربي والقضية الفلسطينية. كما تأتي احتمالية التطبيع السعودي الإسرائيلي في وقت حساس بالنسبة لإيران التي نجحت بشكل كبير في الأشهر القليلة الماضية في تحسين علاقاتها مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية في مارس الماضي. تحسين العلاقات مع الدول العربية والمصالحة مع السعودية، يجعل موقف إيران أصعب تجاه التطبيع الإسرائيلي السعودي المحتمل، ذلك أن طهران تنظر إلى المصالحة مع السعودية على أنها رصيد سياسي إيجابي كبير يجب الاستفادة منه في ظل توتر علاقات طهران مع الغرب. لكن في الوقت ذاته، يرى القادة الإيرانيون أن هناك خطرًا يهدد تحسين العلاقات مع الرياض بسبب التطبيع المحتمل بين الرياض وتل أبيب، لذلك سيصبح أمام الجمهورية الإسلامية طريقتين للتعامل مع هذا الأمر.
الطريق الأول: هو محاولة إيران عرقلة الاتفاق المحتمل للتطبيع من خلال تعزيز قدراتها العسكرية والاستراتيجية وخاصة الدفاعات الصاروخية والطائرات بدون طيار، خاصة وأن الحظر المفروض على إيران بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 أو ما يعرف بالاتفاق النووي الإيراني، على واردات الأسلحة والتكنولوجيا قد تم رفعه في شهر أكتوبر 2023. تعزيز إيران لقدراتها العسكرية يعطي رسالة للرياض بأنها قادرة على تهديدها مرة أخرى كما فعلت في سبتمبر 2019 باستهداف أنصار الله لمنشآت أرامكو السعودية، هذا بالإضافة إلى قدرة إيران على استخدام وكلائها في اليمن: جماعة أنصار الله المعروفة بالحوثيين وتهديد خطوات السلام البطيئة بينهم وبين الرياض لإنهاء حرب اليمن، في تهديد واضح لكل من السعودية والإمارات، كما فعلت في السابق. واذا وافقت الولايات المتحدة وإسرائيل على منح السعودية قدرات نووية، فهذا سوف يقلق إيران التي ستحاول بشتى الطرق تطوير برنامجها النووي بوتيرة أسرع، كما سيساهم الأمر في تقوية موقف المتشددين داخل الجمهورية الإسلامية الرافضين لأي اتفاق نووي مع الغرب وواشنطن لتقليص البرنامج النووي الإيراني. في الأوساط الغربية، هناك من يعتقد أن هجوم حماس الأخير ضد إسرائيل وتوقيته المتزامن مع سير المفاوضات بين إسرائيل والسعودية لتطبيع العلاقات، كان بدافع من طهران لعرقلة هذا الاتفاق، لأنه سيضع الرياض في موقف صعب بعد الحرب القاسية التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، لكن طهران أكدت مرارًا على أن لا علاقة لها بموعد هجوم حماس، وهذا ما أكده أيضًا أعلى سلطة في الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي. يُعتقد أن هذا الطريق سيُكبد إيران المزيد من الخسائر، وسُيزيد من حجم التوترات والصراعات الاقليمية والتي تحاول إيران بشتى الطرق التخلص منها وتقليل عداوتها في المنطقة من أجل تعزيز وضعها الخارجي والداخلي، وانتشال اقتصادها من الانهيار. يجدر بنا ألا ننسى أن الهجوم الكبير علي منشآت أرامكو النفطية السعودية في عام 2019 بطائرات بدون طيار، والتي ألقت الولايات المتحدة فيه باللوم على إيران، كان أحد الأسباب والدوافع الرئيسية التي حفزت السعودية على الذهاب إلى التفاوض من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مقابل الحصول على اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة. خاصة أن إدارة دونالد ترامب، لم تحاول الدفاع عن الرياض في هذا الهجوم، هذا الأمر هو أيضًا ما دفع الرياض للمصالحة مع إيران.
أما بالنسبة للطريق الثاني المحتمل أمام إيران فهو الإصرار على الحصول على أقصى الفوائد من المصالحة مع السعودية، والاستمرار في سياستها الخارجية الجديدة لتحسين علاقاتها مع الجيران العرب، مع استمرارها في تعزيز قدراتها العسكرية والاستراتيجية، وهو المسار الأقرب للحدوث. هناك من ينادي داخل إيران بضرورة تبني نهج أكثر واقعية في السياسة الخارجية وأن أفضل الطرق لمواجهة التطبيع السعودي الاسرائيلي، هو تعزيز العلاقات الدبلوماسية والتجارية والسياسية بين طهران والرياض، خاصة وإن كان التطبيع بين السعودية وإسرائيل لن يعرض الأمن القومي الإيراني للخطر.
يبدو أن القادة في إيران سيميلون أكثر للطريق الثاني، من أجل تخفيف مستوى التوتر في المنطقة. لا يبدو أن إيران متلهفة لخوض أي صراعات جديدة في المنطقة.