هآرتس - ترجمة الخليج الجديد-
خلقت إيران شبكة توازن منسوجة جيدا مع دول الخليج قبل اندلاع الحرب الحالية في غزة وتداعياتها الإقليمية، ما ترك الولايات المتحدة تائهة الآن في حرب لا تستطيع تصعيدها لتكون ضد إيران، ولكن فقط ضد جماعات تدعمها إيران، وهو ما يعني أن طهران باتت تضع الآن استراتيجيتها الناجحة في المنطقة بينما تكتفي الولايات المتحدة بردود باهتة.
ما سبق كان خلاصة تحليل نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، مشيرا إلى أن إدارة بايدن نجد نفسها الآن تخوض حربا ثانوية مستمرة ضد الميليشيات الموالية لإيران، دون جدوى، ما أضر بقوة الردع الأمريكي مجددا في نظر حلفائها بالمنطقة.
ورغم توعد بايدن بالرد على الهجوم الذي شنته ميليشيات مدعومة من إيران على قاعدة عسكرية أمريكية، شمال شرقي الأردن وأدى لمقتل 3 جنود أمريكيين، فإن واشنطن تسارع، على الجهة الأخرى، لمحاولة تهدئة المنطقة، وتسعى لوقف الحرب في غزة، ولو مؤقتا.
حرب ثانوية مرهقة
وهكذا، تجد واشنطن نفسها في حرب ثانوية مرهقة ومستمرة مع الجماعات والميليشيات وليس مع الدول.
ويقول التحليل إن حرب غزة تسببت في أضرار جسيمة لاقتصاديات دول المنطقة، التي أدركت بالفعل أن الردع الأمريكي لم يظهر نتائج حقيقية.
وبعض تلك الدول، بما فيها مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، بادرت إلى خطوات "خاصة" لم يتم تنسيقها مع الولايات المتحدة، ليس فقط في التواصل مع هذه الجماعات، بل أيضاً فيما يتعلق بإيران.
ولفت التحليل إلى ما نشره موقع "العربي الجديد"، قبل يومين، حول طلب مصر من الحوثيين قصر هجماتهم على السفن المتوجهة لإسرائيل فقط، وعدم توسيعها لتشمل سفن غربية، في محاولة لتقليل التأثير السلبي على قناة السويس، لكن الحوثيون رفضوا الطلب المصري، رغم مشاركة إيران في تلك المحادثات.
من جانبها، تواصل السعودية متابعة الخطوات الدبلوماسية نحو اتفاق السلام مع الحوثيين في اليمن، ولا تريد إفساده.
وكانت الإمارات أول الدول التي سارعت إلى التهدئة مع الحوثيين في اليمن والتوصل إلى اتفاق يحميها من هجمات الجماعة اليمنية.
أما قطر، فهي حليف قديم لإيران، وستعارض بشدة أيضا أية تحركات أمريكية ضد طهران.
شبكة أمان لإيران
ويخلص التحليل إلى أن شبكة الاتصالات التي أنشأتها إيران مع دول الخليج العربي، والتي بلغت ذروتها العام الماضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية وتحسس إعادة العلاقات مع مصر، توفر شبكة أمان تشكل جزءًا من توازن الردع الذي كانت الولايات المتحدة تحاول بناءه في أعقاب اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
والنتيجة هي أن أي إجراء تنوي واشنطن اتخاذه ضد إيران سيصطدم بحاجز دفاعي توفره هذه الشبكة من الدول العربية، يقول التحليل.
ولتوازن الردع هذا أيضا جانب دبلوماسي، بحسب التحليل، بدليل مطالبة العراق الولايات المتحدة سحب قواتها منه، بعد أن هاجم الجيش الأمريكي أكثر من 150 هدفًا أمريكيًا في سوريا والعراق منذ بداية الحرب.
وبعد أن قال الأمريكيون إنهم لا ينوون سحب قواتهم، وأنهم موجودون في العراق في إطار القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، التقى فريق من المهنيين العراقيين والأمريكيين للمرة الأولى، السبت الماضي، لمناقشة الجدول الزمني والترتيبات اللازمة لانسحاب القوات.
وترى الصحيفة أنه إذا تم التوصل إلى اتفاق الانسحاب، فسيشكل ذلك انتصاراً حقيقياً للميليشيات الموالية لإيران ولإيران نفسها.
وضمن شبكة العلاقات التي تقيد قدرتها على الرد بشكل كامل ومباشر ضد إيران، تحاول واشنطن التفاوض مع طهران لتهدئة المنطقة.
مفاوضات للتهدئة
وفي 8 يناير/كانون الثاني الجاري، قال السفير الإيراني لدى سوريا، حسين أكبري، في مقابلة، إنه "قبل عشرة أيام، نقلت الولايات المتحدة رسالة إلى إيران عبر إحدى دول الخليج [لم يذكر اسمها]، مفادها أن واشنطن مهتمة في ترتيب شامل في المنطقة وليس مجرد حلول جزئية".
وإذا كانت ادعاءات أكبري صحيحة - ولم يتم نفيها حتى الآن - فإنها تتناقض مع الرسائل التي تم نقلها إلى طهران عبر سفارة سويسرا، التي تمثل الولايات المتحدة في العاصمة الإيرانية.
وحتى الآن، صدرت بشكل رئيسي تحذيرات وتهديدات ضد تورط الجيش الإيراني في المنطقة.
وتتحدث تقارير أخرى عن مشاركة دبلوماسية مكثفة من جانب السعودية، التي تقوم، مع عمان وقطر، بنقل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة.
السعودية معنية بالتهدئة
ويشارك السعوديون أيضًا في التطورات السياسية في لبنان بهدف إخراج البلاد من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها منذ عام 2019.
ويبدو أن الرياض أصبحت شريكاً في الحديث مع طهران، وهي مستعدة لتخفيف موقفها تجاه "حزب الله" – بالقدر اللازم للتوصل إلى تسوية بشأن تعيين رئيس لبناني وحكومة لبنانية – وتسوية مسألة الحدود اللبنانية الإسرائيلية بطريقة تزيل خطر المواجهة بين إسرائيل و"حزب الله".
ويختم التحليل بالقول: المشكلة هي أن هذه التطورات، التي هي نتاج الحرب في غزة، تترك الولايات المتحدة دون خطة منظ، . فهي تتطلب من الولايات المتحدة تحديد استراتيجيتها بناءً على ردود إيران وتصرفات الميليشيات التي تخلق واقعًا دبلوماسيًا جديدًا من خلال الهجمات التكتيكية.