كمال صالح - الخليج أونلاين-
يوماً بعد آخر يزداد المشهد تعقيداً في محيط دول الخليج الست، يحتدم الصراع، وتمتد ناره لتصل إلى عمق بحر العرب، ما قد يقود إلى صراع أكبر يدفع ثمنه الجميع.
وبالنظر إلى انعكاسات هذه الحرب المستعرة منذ الـ7 من أكتوبر، واتساع رقعتها إلى لبنان والعراق وسوريا، ثم البحر الأحمر وخليج عدن، تأتي دول الخليج في قلب هذه العاصفة الجيوعسكرية والجيوسياسية، ومعها تصبح في مواجهة خيارات صعبة ومفصلية.
ومع دخول الحرب شهرها الخامس في غزة، يواجه الأمن القومي الخليجي تحديات تاريخية، تزداد معها أهمية وحدة الموقف والقرار، وتوحيد الجهود لما فيه مصلحة المنظومة الخليجية، وبما يضمن تجنيبها خطر وارتدادات هذه الأزمة التي يبدو أنها ستحفر آثارها عميقاً في شكل المنطقة سياسياً وعسكرياً وأمنياً وأيضاً اقتصادياً.
انعكاسات سياسية
ليس من الممكن أن تنأى دول الخليج بنفسها عن مجمل المعطيات والتطورات الراهنة، فهي القلب النابض للطاقة في العالم، وفيها بعض أسرع الاقتصادات نمواً، كما أن دورها السياسي بدأ يتعاظم، في ظل حالة الانقسام العالمية وعودة الاستقطاب بين المحاور الشرقية والغربية.
ومع اندلاع الحرب، في 7 أكتوبر، حضرت دول الخليج في قلب المشهد سياسياً، فتصدرت قطر جهود الوساطة الدولية لتخفيف الاحتقان، وهي الآن تقترب من جني ثمار جهودها، إذ تسلمت مؤخراً رد حركة "حماس" و"إسرائيل" على مقترح الهدنة، ويبدو أن الأمور -رغم التعقيدات- تتجه نحو التهدئة.
كذلك الحال بالنسبة لدول الخليج الأخرى، التي تتأثر سياسياً بشكل أو بآخر بهذا التصعيد، ما يدفعها لتبني مواقف متطابقة إزاء ما يحدث في غزة والإقليم، تصب جميعها في خانة ضرورة إيقاف العدوان على القطاع.
وإدراكاً منها لخطورة النزاعات على الأمن والمستقبل، حرصت دول الخليج على تصفير خلافاتها، وتبني استراتيجية جديدة مع خصومها، وأبرزهم إيران، حيث أعادت الدول التي قطعتها تطبيع العلاقات، وشرعت في مد جسور التعاون، وهذه المساعي أثمرت نجاحاً كبيراً في عدد من الملفات، كما هو حال الملف اليمني، إضافة إلى التنسيق الحاصل حالياً في الملف الإيراني.
عسكرياً وأمنياً واقتصادياً
ومع استمرار العدوان على غزة، وامتداد نيران الحرب إلى أكثر من منطقة، تصبح منطقة الشرق الأوسط والخليج تحديداً في قلب حالة عسكرة غير مسبوقة، فلم يسبق أن جلب العالم كل هذه الحشود العسكرية البحرية إلى محيط الخليج في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والخليج العربي، وكذلك البحر المتوسط.
كما لم يصبح الأمر متوتراً بين إيران ووكلائها، والولايات المتحدة وحلفائها كما هو عليه الآن، الأمر الذي يفرض معادلة عسكرية وسياسية غاية في الخطورة والحساسية بالنسبة لدول الخليج، ويضعها أمام استحقاقات تستدعي مزيداً من الوحدة والانضباط تجاه مستقبلها السياسي والعسكري والأمني.
وعلى الصعيد الاقتصادي ثمة ما يقلق دول الخليج، فبقاء الحرب في الشرق الأوسط، سيجعلها منطقة خطيرة، في القراءة الاقتصادية الدولية، وسيؤثر على مؤشراتها الاقتصادية، فلا شيء يطرد المال ويربك الاقتصاد كالحرب وتهديد خطوط التجارة.
وبالنظر إلى المؤشرات الحالية، يتضح حجم الكلفة التي يدفعها العالم جراء التوترات في البحر الأحمر، وتداعيات ذلك على تجارة الطاقة والسلع بين الشرق والغرب، وليس الخليج بمنأى عن كل ذلك.
أطماع خارجية
وبالنظر لخريطة الصراع الحالية في المنطقة، يتضح أن اللاعبين الخارجيين هم من يتحكمون في خيوطها، وهم من يملكون القدرة على وقف التصعيد أو إبقاء جذوته مستعرة.
ووفقاً للدكتور محمد العريمي، رئيس جمعية الصحفيين العمانية، فإن مطلب الإقليم ومطلب كل دولة من دول المنطقة هو التهدئة ووقف القتال، لكن "دائماً ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن".
وأضاف العريمي في تصريح لـ"الخليج أونلاين": "هناك نزاعات كثيرة، وهناك مصالح متضاربة، سواء في نطاق الإقليم، أو خارج الإقليم، وهناك أيضاً قوى خارجية لا تريد لهذه المنطقة أن تهدأ، ولا تريد لهذه المنطقة أن يكون فيها تنمية، ولا تريد لهذه المنطقة أن يكون فيها القرار وطني سيادي".
ولفت إلى أنه "بين الفينة والأخرى هناك تدخلات أمريكية وأوروبية، وبريطانية أيضاً، وتدخلات من قبل إيران"، مؤكداً أن "هذه المصالح المتضاربة لن تهدأ إلا إذا اجتمعت هذه الدول، وهذا مستبعد"، حسب قوله.
وقال العريمي: "ومن ثم على دول المنطقة فرادى، وأقصد دول منطقة الخليج، أن تتكاتف فيما بينها بشكل أكبر، وأن يكون التنسيق السياسي والأمني وحتى الاقتصادي بشكل أكبر مما هو عليه اليوم".
ونوّه بأن هناك "أطماعاً في المنطقة، وهناك قوى تريد أن تهيمن على مقدرات هذه المنطقة، وعليه فالكل ينادي بالسلام، والكل ينادي أن يتم الهدوء والسكينة في هذه المنطقة، ولكن الواقع مختلف عما هو معلن حقيقة".
تهديد مصالح الخليج
ويرى رئيس جمعية الصحفيين العمانية أن المعطيات لا تشير إلى أن المياه سوف تعود إلى مجاريها، مشيراً إلى أن مصالح إيران والدول القادمة من خارج المنطقة تتضارب مع مصالح دول مجلس التعاون الخليجي.
وأوضح العريمي لـ"الخليج أونلاين": "دول الخليج الـ6 لم تعد هناك مشاكل كبيرة فيما بينها، معظم المشاكل الحدودية وغير الحدودية حلت، وهناك قناعة لديها ولدى قيادات دول الخليج بأن الأنظمة السياسية الحاكمة في هذه الدول مستهدفة، ليس من إيران فقط، بل من الدول الغربية التي تدعي أنها صديقة للأنظمة في دول المنطقة".
واستطرد قائلاً: "هناك أيضاً تهديد لاستقرار هذه الأنظمة وشعوب هذه الدول، وعليه فهذا الأمر يدركه الجميع، وأعتقد أن المرحلة المقبلة تتطلب تنسيقاً أكثر، وعملاً أكثر، وتوحداً أكثر فيما بين دول الخليج الـ6".
وفيما يتعلق بهجمات البحر الأحمر، يرى العريمي أن لإيران اليد الطولى فيما يحدث هناك، مضيفاً: "أنا لا أعتقد أن ما تم في البحر الأحمر قد حدث دون تنسيق وإشارة خضراء من النظام في إيران".
التسوية مع إيران
ولفت إلى أن "لدى إيران أذرعاً كثيرة في العالم العربي، في اليمن وفي لبنان وسوريا والعراق، وهذه الأذرع تعمل لمصلحة النظام الإيراني"، متمنياً أن تتحمل القوى السياسية في الدول الأربع مسؤوليتها الوطنية تجاه دولها وشعوبها، لأن إيران -حسب قوله- لا تنظر إلا إلى مصلحتها فقط.
وتابع بالقول: "إيران عندما تتحرك تتحرك بشكل مدروس، وهي لم توجد هذه الأذرع في هذه الدول، ولم تصرف عليها طوال هذه السنوات الماضية إلا لتحقيق مصالحها، وأيضاً لعمل قوة إيران في الخارج تستعمل هذه القوى الموجودة في هذه الدولة خارج نطاق الجمهورية الإيرانية لتحقيق مصالحها، ولتهديد مصالح الآخرين، وعليه هي دعمت هذه الأذرع وصرفت عليها المليارات منذ سنوات، لتحقيق هذا التوازن في القوى، سواء ضد أمريكا، أو ضد دول المنطقة".
واختتم حديثه بالقول: "لا أعتقد أن هذه المنطقة سوف تهدأ إلا إذا تمت تسوية القضايا الكبيرة مع إيران، قضية السلاح النووي، وغيرها من المواضيع المعروفة لدى المتابعين وحتى غير المتابعين".