متابعات-
عام مضى على اتفاق المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية، والذي طوى 7 سنوات من الصدام غير المباشر في عدة ساحات، أبرزها كانت الساحة اليمنية.
ففي 10 مارس من العام 2023، احتضنت العاصمة الصينية بكين اتفاقاً تاريخياً أنهت بموجبه الرياض وطهران قطيعة بينهما استمرت منذ مطلع العام 2016، لتدشنا بذلك حقبة جديدة، سرعان ما انعكست نتائجها على عدة ملفات إقليمية.
وبالرغم من خطورة الوضع في الشرق الأوسط، بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فإن العلاقات السعودية الإيرانية ظلت محافظة على تماسكها، فكيف تبدو اليوم بعد عام من المصالحة؟
الملف اليمني
لا أحد يستطيع إنكار حقيقة أن المصالحة بين السعودية وإيران انعكست انعكاساً مباشراً على عديد من الملفات الإقليمية، وفي مقدمتها الملف اليمني، الذي كان حتى وقت قريب أحد أكثر الصراعات تعقيداً ومأساوية.
وبعيداً عما أفرزه العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، منذ الـ7 من أكتوبر، فإن المصالحة السعودية الإيرانية، كان لها دور في تثبيط عجلة الصراع في اليمن تحديداً، والتي كانت تمضي بوتيرة عالية.
فاتفاق بكين منح السعودية، كما يبدو، فرصة كبيرة لطي صفحة الحرب اليمنية التي تُتهم إيران بالضلوع فيها بالوكالة، وهي الحرب التي كلفت المملكة والإقليم كثيراً من الخسائر المادية والزمنية، وأثرت -وإن بشكل غير مباشر- على جهود التغيير والطموحات التي خطّها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ملفات أخرى
تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية كان له انعكاس على ملفات أخرى، منها الملف السوري، إذ سرعان ما سعت الرياض في طريق إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، وإن تعثر هذا الأمر لأسباب تتعلق بالنظام نفسه، وفشله في التجاوب مع مطالب المنظومة العربية.
ومع اندلاع "طوفان الأقصى"، وما تلاه من حرب وحشية لا تزال مستمرة حتى اللحظة بحق الشعب الفلسطيني، سادت مخاوف من انهيار أو عودة العلاقات بين طهران والرياض إلى المربع الأول، خصوصاً أن إيران ضالعة عبر وكلائها في الحرب مع "إسرائيل"، لكن ذلك لم يحدث.
ولعل أكثر جبهة حرجة كانت ستشكل احتكاكاً جديداً بين السعودية وإيران، هي جبهة البحر الأحمر وخليج عدن، حيث ينفذ الحوثيون سلسلة هجمات على السفن الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، وتزايد الاتهامات لطهران بالضلوع والإشراف على تلك العمليات، إلا أن العلاقات بين الرياض وطهران لم تتأثر، وظلت بمنأى عن تداعيات ذلك التصعيد.
توازن ردع
ويبدو أن الرياض وطهران عازمتان على إنجاح اتفاق المصالحة الذي رعته الصين، ووفقاً للكاتب والمحلل السياسي السعودي سليمان العقيلي، فإن ذلك الاتفاق يؤذن بتغييرات جيوسياسية حقيقية في منطقة الخليج والمنطقة العربية، خاصة في ظل تداعي الموقف الاستراتيجي الأمريكي بالمنطقة، جراء اصطفاف واشنطن إلى جانب "إسرائيل".
وحول حصاد العام الأول، يرى العقيلي في مقال نشره على حسابه بمنصة "إكس"، أن البلدين "أظهرا إخلاصهما لتنفيذ المصالحة، ورغبة أكيدة في تغيير الوضع المعقد بالمنطقة الناتج عن تدخل القوى الكبرى، وعن ميراث تاريخي معقد".
ولفت إلى أن الاتفاق ألقى بظلاله على اليمن وسوريا، حيث ذُللت العقبات أمام المحادثات السعودية الحوثية، كما تم إقرار دور الوساطة السعودية في الأزمة اليمنية وخريطة الطريق المقترحة، في حين فتحت الرياض أبواب عودة دمشق للجامعة العربية، وحضر بشار الأسد قمة عربية في جدة، وقمة إسلامية في الرياض.
وأوضح العقيلي أن الرياض "اتخذت موقفاً متوازناً ومحايداً تجاه أزمة الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، ولم تصطف مع القوة الأمريكية التي ضربت هذه المرة القواعد العسكرية الحوثية"، لافتاً إلى أن "هذا تطور مهم في تموضع الدور الإقليمي السعودي وفي تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية".
وقال إن طهران التزمت بسياسة عدم التدخل في شؤون السعودية وشقيقاتها الخليجيات، لافتاً إلى أن "الرياض اختبرت العصب الثوري الإيراني بتنفيذ أحكام إعدام إرهابيين موالين لإيران قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بأيام".
ويشير إلى أن "هذه السكينة الاستثنائية في الخليج قد تساعد مستقبلاً في الوصول لتفاهم عربي إيراني حول منظومة أمنية مشتركة، بعيداً عن أي دور للأساطيل الأجنبية".
تماس استراتيجي
ولأن السعودية وإيران دولتان ذواتا وزن سياسي واستراتيجي، فإن توتر العلاقات بينهما و/أو تحسنها ينعكس سلباً وإيجاباً على المحيط الإقليمي، ووفقاً للباحث الأول بمركز "الجزيرة" للدراسات لقاء مكي، فإن العلاقات بين البلدين تمثل جزءاً مهماً من طبيعة المتغيرات التي تحصل في الشرق الأوسط.
ولفت مكي في تصريحات لـ"الخليج أونلاين"، إلى ما شهدتها السنوات الماضية من "تلامس استراتيجي بين السعودية وإيران في مناطق متعددة، مثل لبنان واليمن، وكذلك دول أخرى كان هناك تماس أقل كالبحرين والعراق وسوريا".
ونوّه بأن الانفراجة التي حصلت برعاية عدد من دول المنطقة، وفي المقدمة سلطنة عُمان وقطر والعراق، رغم أهميتها، لم تصل إلى حد حسم ملفات مهمة، من بينها ملف الرئاسة اللبنانية، فبالرغم من عودة العلاقات بين الرياض وطهران، فإنه لا يزال هناك إشكالية في انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان.
ويبيّن أن عودة العلاقات بين طهران والرياض كانت مهمة للغاية في تحسين الوضع في اليمن بشكل مباشر وواضح للغاية، مضيفاً: "انتهت الحرب، على الأقل من طرف السعودية، وتوقفت العمليات العسكرية بوضوح، رسمياً".
واستطرد مكي قائلاً: "بالرغم مما حدث بعد حرب غزة، وتدخل الحوثيين في البحر الأحمر، فإن السعودية لم تشترك في أي عمليات ضدهم، ولم تحصل أي اشتباكات أو نقاط تماس، ولم تجد الولايات المتحدة من السعودية أي عون لدعمها في البحر الأحمر في مواجهتها مع الحوثي".
وشدد على أن هذا "مهم جداً لفهم التأثير المباشر للعلاقات السعودية الإيرانية على ما جرى في اليمن ومناطق التماس الأخرى"، مشيراً إلى أن "الدور السعودي أيضاً في سوريا لم يعد قائماً، كجزء من الدور الخليجي الذي تراجع بقوة منذ عام 2015".
التفرغ للاستحقاق التنموي
ويرى الدكتور لقاء مكي أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية أثرت على الرؤية الأمنية لدول الخليج، وأيضاً على "انشغال السعودية بشكل أفضل بمستلزماتها التنموية لرؤية 2030، والضرورات المطلوبة لتحقيق هذه الرؤية".
ومن أبرزها، وفق مكي، "فك الاشتباكات ذات الطبيعة العسكرية التي استنزفت البلاد، ومحاولة التركيز على الجانب التنموي، وعلى دعم أو حماية المكتسبات الإقليمية للمملكة بدون تدخلات واسعة النطاق، أو احتكاكات مكلفة ومرهقة للسعودية يمكن أن تبعد الاهتمام عن تلك المشاريع".
ويختم بالقول: "بعد مضي عام على عودة العلاقات، فقد نجح البلدان في حماية هذا المنجز بشكل جيد، رغم التحديات الخطيرة، والضغوط التي تعرضا لها، بشكل مباشر أو غير مباشر، بسبب التحديات المتعلقة بمصالحهما الاستراتيجية، فبالرغم من تعارض رؤيتيهما، فإنهما احتفظا بمسافة واحدة في العلاقة بينهما، وحافظا على استقرار التسوية أو السلام أو الهدوء".