شيماء علي- البيت الخليجي-
في فبراير/ شباط 2024، قام وزير الخارجية السوداني بالإنابة علي الصادق بزيارة طهران في أول زيارة رسمية رفيعة المستوى منذ ما يقرب من سبع سنوات، الوزير السوداني التقى بنظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وبالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وكانت هذه الزيارة هي أحدث علامة على طريق تحسن العلاقات السريع بين الخرطوم وطهران في الفترة الأخيرة. خلال هذا اللقاء تمّت مناقشة عدة قضايا، منها، إعادة فتح السفارات وزيادة التعاون بين البلدين في المجالات الهندسية والتكنولوجية، وذلك بعد ثلاثة أشهر من الاتصالات رفيعة المستوى بين البلدين.
قبل الدخول في تفاصيل استعادة العلاقات بين السودان وإيران، لابد من تقييم العلاقة الثنائية بينهما تاريخيًا لفهم السياق الحالي لها. بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979 كانت العلاقة بين إيران والسودان سيئة للغاية خاصة عندما بدأت الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات إذ دعمت السودان حينها نظام الرئيس صدام حسين. بدأ تحسن طفيف يطرأ في العلاقة بين البلدين بعد انتهاء الحرب عام 1989، وذلك بالتزامن مع الانقلاب العسكري في السودان الذي كان مدعوماً من الجماعات الإسلامية هناك.
عندما تولّى الرئيس السابق عمر البشير مقاليد السلطة، استثمر البشير في العلاقة مع طهران وتبادل الزيارات مع الرؤساء الإيرانيين (هاشمي رفسنجاني، محمد خاتمي، و محمود أحمدي نجاد). خلال فترة التسعينات قام الحرس الثوري بتوطيد علاقته بالقوات المسلحة السودانية وزادت مجالات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات الزراعية والصناعية والتجارية والأمنية، كما بدأ التعاون العسكري بين البلدين في التنامي، من خلال قيام الحرس الثوري الإيراني بتدريب قوات الدفاع الشعبية السودانية التي تأسست عام 1989 وتُعتبر جزءاً من القوات المسلحة السودانية.
ومقابل هذا السخاء الإيراني، سمحت الحكومة السودانية آنذاك وبالتحديد بداية من عام 2011 لإيران بإرساء السفن الحربية مما دفع طهران لزيادة صادراتها من الأسلحة إلى الخرطوم مقابل ضمان حصولها على موطئ قدم على البحر الأحمر.
لكنّ هذا التعاون والعلاقة القوية مع طهران، ادخل الخرطوم في عزلة دولية وإقليمية، وبدأت علاقات السودان مع الغرب والدول الخليجية في التوتر، اتهمت واشنطن السودان بأنه دولة راعية للإرهاب نظرًا لرعايته لحركة حماس وعدد من الجماعات الإسلامية المسلحة.
بداية من عام 2014، بدأت العلاقة طهران والخرطوم تتدهور مع زيادة وطأة العقوبات الغربية المفروضة على الخرطوم والأزمات الاقتصادية المتعاقبة، عمدت الحكومة السودانية إلى النأي بنفسها عن طهران، ورأى حينها عمر البشير أن فوائد التقارب مع الدول الخليجية من الناحية الاقتصادية ستكون أكبر وأنفع من العلاقة مع إيران، سارع البشير في اتخاذ موقف مناهض لإيران لإرضاء السعودية والإمارات وذلك لتوفير الدعم المالي للسودان. نتيجة لذلك، انضمت السودان في عام 2015 إلى التحالف العسكري الذي قادته الرياض في اليمن، وانضم السودان في عام 2016 للسعودية حين قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بسبب اقتحام متظاهرين إيرانيين غاضبين لإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، السفارة السعودية في إيران.
الإطاحة بالبشير والمصالحة الإيرانية السعودية
ما بين عامي 2018 و2019 أدت الاحتجاجات الجماهيرية الحاشدة إلى الإطاحة بحكومة البشير، وسيطر الجيش السوداني على الحكم، ومن هنا، بدأ السودان في السعي لتحسين العلاقة مع إيران، وجاء الاتفاق السعودي الإيراني الذي تمّ بوساطة صينية في مارس 2023 ليعطي هذا التحسن دفعة كبيرة، خاصة أنه بعد المصالحة بين طهران والرياض بشهر واحد اندلع الصراع في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وبما أن الرياض تدعم الجيش السوداني، وجد الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني أن الاتفاق السعودي الإيراني هو الفرصة المناسبة لتحسين العلاقات مع الشريك الإيراني السابق، في نفس الوقت، رأت طهران أن تحسين علاقتها مع الجيش السوداني واستعادة الدعم الإيراني له أصبح مناسباً في ظل المصالحة مع الرياض.
وبالرغم من نأي طهران بنفسها في بداية الصراع السوداني عن دعم أي طرف، إلا أنها في الغرف المغلقة أظهرت دعمها لعبد الفتاح البرهان، وأبدت موافقتها على التعاون مع الجيش السوداني.
دوافع التقارب
كان السبب الرئيسي وراء رغبة الجيش السوداني في التعاون مع إيران هي الحاجة للحصول على مساعدة عسكرية إيرانية، خاصة بعد تعرضه لهزائم عدة في المدن السودانية الكبرى على يد قوات الدعم السريع.
خلال الفترة الماضية، زعمت تقارير غربية أن السودان حصل علي طائرات بدون طيار إيرانية (مهاجر6) الشهيرة، وأن طهران قامت بشحن هذه الطائرات إلى بورتسودان للجيش السوداني، بحسب مسئولين غربيّين تحدّثوا لوكالة بلومبرغ.
استعاد الجيش السوداني بعض المدن التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي الذي يقول بعد أعضاء الحكومة السودانية أنه يتلقى دعمًا إماراتيًا. اتاحت الطائرات الإيرانية للجيش السوداني فك الحصار عن قواته في مدينة ام درمان بعد معاناة لأشهر.
تشير تقارير إلى أن الوزير السوداني الصادق طلب من القادة الإيرانيين تزويد الجيش السوداني بالمزيد من الطائرات المسيرة والصواريخ المحمولة على الكتف، بالإضافة إلى أسلحة خفيفة. من الممكن أن يساهم الدعم العسكري الإيراني للجيش السوداني في تعزيز موقعه وأن يُزيد من قدرته على التفاوض أمام قوات الدعم السريع.
بالإضافة إلى التعاون العسكري، لا يمكن اغفال الروابط الأيديولوجية بين طهران والجيش السوداني، ترتبط الجماعات الإسلامية في السودان بعلاقات تاريخية مع طهران، ويمكن تفسير التقارب مع إيران على أنه استعادة لنفوذ هذه الجماعات في داخل الجيش السوداني.
إن زيادة نفوذ الجماعات الإسلامية في الجيش السوداني يٌقلق الكثيرين، سواء داخل السودان أو خارجه، الأهم من ذلك، هو أنه من الممكن أن يُعرض الجيش السوداني لفقدان الدعم من جانب الولايات المتحدة ودول الغرب.
بالنسبة لطهران، تستحق فوائد التقارب مع الخرطوم المحاولة، تطبيع العلاقات مع السودان يتماشى مع استراتيجية حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي نحو تحقيق نجاحٍ إضافيِّ لاستعادة أصدقاء إيران القدامى. يقدم تحسن العلاقات الإيرانية السودانية موطئ قدم جديدة لإيران على ساحل البحر الأحمر وداخل أفريقيا.
يمكن للتدخل الإيراني في الصراع دخل السودان أن يعرض طهران لتضارب مصالح جديد مع الإمارات، لأبوظبي طموحات كبيرة في البحر الأحمر، وتريد أن تلعب دوراً أكبر في تلك المنطقة وأن يمتد نفوذها إلى ما هو أبعد من استثماراتها الحالية في السودان أو دعمها لطرف من طرفي النزاع، تُعتبر الإمارات المستثمر الأكبر في أغلب موانئ القرن الأفريقي وهو ما يُعزز من شبكتها التجارية في هذه المنطقة.