علاقات » ايراني

بعد اغتيال هنية.. هل تمنع الدبلوماسية الخليجية انزلاق المنطقة لحرب؟

في 2024/08/04

متابعات-

كرة من اللهب تدحرجت سريعاً في المنطقة منذرةً باشتعال حرب إقليمية واسعة، عقب اغتيال "إسرائيل" رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية، في طهران، فجر الأربعاء 31 يوليو 2024، وقبلها بساعات القيادي في "حزب الله"، فؤاد شكر، في بيروت.

المنطقة التي دخلت مرحلة جديدة من الصراع، تمر بتوترات أمنية متصاعدة على أثر الحرب التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر الماضي، ويتوقع مراقبون أن تزداد توترًا بعد عملية الاغتيال.

وإلى وقت قريب، كان الجميع متفائلاً بإمكانية أن تقود الوساطة القطرية والاتصالات الخليجية المكثفة إلى وقف انزلاق المنطقة نحو الحرب، إلا أن اغتيال هنية وشكر مثَّلا تحولاً جذرياً في مجريات الصراع، وتحدياً كبيراً لإيران التي تعرضت لانتهاك غير مسبوق لسيادتها، وهو ما يفرض عليها ضرورة الرد وبشكل استثنائي ومختلف.

وفي ظل مخاوف اتساع رقعة الصراع، وعقب الحادثين الأمنيين اللذين هزا المنطقة، كثفت الدبلوماسية الخليجية اتصالاتها في محاولة لاحتواء التصعيد ووقف الانزلاق السريع للمنطقة نحو الحرب الشاملة، فهل تنجح الدبلوماسية الخليجية في احتواء التصعيد بعد حادث اغتيال هنية؟

ذروة التصعيد

في فجر الـ31 من يوليو الماضي، فتحت "إسرائيل" فصلاً جديداً من الحرب، باغتيال إسماعيل هنية والقيادي بـ"حزب الله" فؤاد شكر، ما أثار قلقاً إقليمياً ودولياً من احتمال تحول الحرب إلى صراع إقليمي واسع النطاق.

وتشير التحليلات إلى أن هناك عدة سيناريوهات للرد، أبرزها عمليات متزامنة من إيران والعراق وسوريا ولبنان واليمن، لتحقيق أكبر قدر ممكن من التأثير على "إسرائيل".

وتدرس إيران وحلفاؤها الإقليميون طبيعة الرد على العدوان الإسرائيلي، وبحسب مصادر تحدثت لوكالة "رويترز"، فإن مسؤولين إيرانيين سيلتقون ممثلين من لبنان والعراق واليمن، لمناقشة الرد المحتمل على "إسرائيل".

وبحسب "رويترز"، فإن المنطقة "تواجه خطر اتساع دائرة الصراع بين إسرائيل وإيران وحلفائها"، حيث اعتبر الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في أول تعليق على اغتيال شكر وهنية أنه "لم يعد هناك جبهات إسناد، بل معركة كبرى مفتوحة ساحاتها غزة وجنوب لبنان واليمن والعراق وإيران".

اتصالات خليجية مكثفة

وعلى مدار أكثر من عشرة أشهر ومنذ اندلاع الحرب في غزة، كثفت دول الخليج جهودها الدبوماسية لمنع اتساع نطاق الحرب وانجرار المنطقة إلى أتون صراع ممتد، لن يسلم منه أحد.

تحركات دبلوماسية واتصالات مكثفة أجرتها الدبلوماسية الخليجية سريعا عقب أحداث الـ31 من يوليو، فعلى لسان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، ندد المجلس في بيان رسمي، باغتيال إسماعيل هنية، داعياً إلى ضبط النفس، والتخلي عن سياسات العنف واستخدام القوة.

وأكد البديوي أن هذه العملية تأتي ضمن سلسلة جرائم قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، لافتاً إلى أنها مؤشر خطير على عدم جدية الاحتلال في الوصول إلى حل سياسي واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة.

كما أكد موقف دول مجلس التعاون الداعي إلى وقف الحرب في غزة، ووقف فوري ودائم لإطلاق النار، ودعم خيارات الشعب الفلسطيني.

وفي السياق نفسه أصدرت دول مجلس التعاون منفردةً بيانات إدانة، دعت إلى ضرورة وقف إطلاق النار وتجنب التصعيد، وهو موقف تزداد أهميته مع التصعيد الأخير، لكنه يثير تساؤلات عديدة حول كيفية التعامل مع تداعياته الإقليمية.

قطر

في الدوحة التي تخوض منذ اندلاع الحرب وساطة مع القاهرة لوقف إطلاق النار في غزة، كثفت اتصالاتها ومباحثاتها الثنائية، كان على رأسها اتصال هاتفي من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، عقب اغتيال هنية، بحث خلاله التأثير المحتمل لاغتيال هنية على عملية سير المفاوضات، وسط مطالبات بوقف مسار المفاوضات.

وذكرت الخارجية القطرية، في بيان لها، أن رئيس الوزراء وزير الخارجية تلقى اتصالاً هاتفياً، من نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، بحثا خلاله التوترات المستمرة في الشرق الأوسط.

وأكد بلينكن "أهمية استمرار العمل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستواصل العمل لضمان التوصل إلى اتفاق.

وفي وقت سابق، نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مسؤول بالخارجية الأمريكية أن بلينكن تحدث مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن عقب اغتيال هنية، وبحث معه الحفاظ على مسار التفاوض.

وأكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، "ضرورة" وقف إطلاق النار في غزة بعد مقتل هنية، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة ليست متورطة في مقتل هنية".

في غضون ذلك أجرى رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري مباحثات منفصلة مع وزراء خارجية بريطانيا ومصر وأمريكا، حول تداعيات اغتيال هنية.

وذكرت الخارجية القطرية في بيان لها، أن الشيخ محمد بن عبد الرحمن بحث مع وزيري الخارجية والدفاع البريطانيين، تداعيات اغتيال هنية، على هامش زيارتهما للعاصمة القطرية الدوحة.

وبحسب البيان، تطرق الجانبان خلال جلسة المباحثات إلى "آخر تطورات الأوضاع في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة".

كما بحث الشيخ محمد بن عبد الرحمن مع وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، تداعيات اغتيال هنية، والتطورات في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وسبل إزالة معوقات دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

السعودية

ونشطت الدبلوماسية السعودية بعدة اتصالات تلقاها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بعد نحو يوم من اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، فجر أمس الأربعاء، إثر غارة إسرائيلية على مقر إقامته بعد مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان.

ووفق وكالة الأنباء السعودية "واس"، تلقى بن فرحان، الخميس، اتصالاً هاتفياً من نظيره الأمريكي، بحثا خلاله "التطورات في المنطقة، وأهمية خفض حدة التصعيد، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة".

وعلى الصعيد نفسه، تلقى بن فرحان أيضاً اتصالاً هاتفياً من القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، بحثا خلاله آخر التطورات في المنطقة، بحسب ما ذكرته وزارة الخارجية السعودية، في بيان نشرته بوقت مبكرٍ الخميس.

الإمارات

وخلال اتصال هاتفي بنظيره الأمريكي، أكد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان (الخميس 1 أغسطس) "أهمية إنهاء التطرف والتوتر والعنف المتصاعد في المنطقة، الذي يهدد الأمن والسلم الإقليميين والدوليين".

كما بحث الوزيران خلال الاتصال "التطورات الخطيرة في منطقة الشرق الأوسط، وسبل وقف كافة أشكال التصعيد، وتعزيز المساعي المبذولة للتوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار في قطاع غزة".

وبالتزامن بحث الشيخ عبد الله بن زايد أيضاً مع نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني، تطورات الأوضاع الأمنية بالشرق الأوسط، وتداعياتها على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء الإمارات (وام).

عمان

في مسقط التي لديها علاقات متينة مع الجانب الإيراني، ذكرت الخارجية العُمانية أن الوزير بدر البوسعيدي تلقى، يوم الخميس، اتصالاً هاتفياً من القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقرب كني؛ "وذلك لتبادل وجهات النظر والتشاور حول المستجدات في المنطقة".

وبحث الجانبان، بحسب بيان للخارجية، "حالة التصعيد الخطير التي تشهدها جراء تعنت واستمرار إسرائيل في عدوانها الغاشم على الشعب الفلسطيني الأعزل والعمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية التي تمارسها لإنهاك جهود التهدئة ووقف إطلاق النار وتحقيق السلام".

وأكدا "أهمية قيام المجتمع الدولي بدوره المنوط به في اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بردع هذا العدوان الإسرائيلي الآثم، والذي لا يراعي بل ينتهك جميع الأعراف والقوانين الدولية، ومحاسبة كل معتد أثيم".

الخليج وعجلة الحرب 

وعن الجهود الدبلوماسية لدول الخليج لتجنب النزاعات، ودورها في وقف عجلة الحرب، يقول رئيس ومؤسس مركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات في الكويت، عبد العزيز العنجري، في تصريح لـ"الخليج أونلاين":

تحاول دول الخليج دائماً نزع الصواعق لمنع حدوث الأزمات أو الانفجارات السياسية والأمنية في المنطقة. ولكن إذا فشلت في ذلك وانفجرت الأزمة بالفعل، فستتخذ دور إطفائي الحرائق النشط؛ في محاولة السيطرة عليها واحتوائها ومنع تفاقمها، لأن أي تصعيد أو نزاع قريب من حدودها قد يهدد استقرارها ويفتح المجال لمتربصين يستغلون هذه الزعزعة.

ومن غير المرجح أن توقف قطر وساطتها، فهي دائماً تحمل غصن الزيتون ولن تتخلى عنه لصالح البندقية. قطر وسيط متمرس في حلحلة الأزمات واسم مقبول من جميع الأطراف، ولن تتنحى عن دورها تحت أشرس الظروف مهما زادت الأمور تعقيداً.

على العكس، قد نجد أن الولايات المتحدة هي التي تضغط على بعض دول الخليج لتكون منصات للرد على التهديدات الإيرانية أو للدفاع عن إسرائيل. في هذا السياق، قد تكون الدول التي تحتضن القواعد العسكرية في موقف ضعيف، مما يجعلها عرضة للضغوط الأمريكية في حال حدوث تصعيد، خاصة في ظل موسم انتخابي رئاسي تنافسي حاد قد يُذهب العقل والمنطق في السياسة الخارجية الأمريكية.

مسقط تمد يدها للجميع وتحتوي الجميع، وتطبخ التسويات بصمت، مما يعمق ثقة الآخرين بها. هذا يجعلها وسيطاً مقبولاً ومرشحاً للعب دور الوسيط الهادئ بعيداً عن الأضواء، وهو دور عُرفت به تاريخياً. التزامها بسياسة "عدم الانحياز" يعزز من قدرتها على لعب هذا الدور بكفاءة. في ظل تصاعد التوترات، يمكن لعُمان أن تكون جزءاً من الحلول الدبلوماسية التي تهدف إلى احتواء التصعيد.