شؤون خليجية-
يناير 2016.. هل يكون شهر الحسم لمسارات أهم ملفات الصراعات الإقليمية بالمنطقة المتعلقة بسوريا واليمن، والتي تشكل تهديدًا مباشر للأمن القومي السعودي والخليجي والعربي، فيناير موعد مفاوضات المعارضة السورية والنظام، واستئناف جولة جديدة من المفاوضات اليمنية، في هذه الأجواء المحتقنة والأسابيع المفصلية في تاريخ هذه الأزمات، برزت دعوة الجزائر للتفاوض المباشر بين إيران والسعودية لحل أزمات المنطقة.
يعد هذا "التفاوض المباشر" إن تم التمهيد له جيدًا مع تهيئة أجواء بناء الثقة وحسن النية، أقصر الطرق للتوصل لحل ناجز وبأقل الخسائر، نظرًا لخوض الطرفين حربًا بالوكالة في اليمن وسوريا، وسط احتمالات لتمدد الصراع لمناطق أخرى، وما زاد الأمر تعقيدًا تدشين الرياض لتحالف إسلامي عسكري لم يتضمن إيران، يستهدف محاربة داعش وتحجيم النفوذ الإيراني، الأمر الذي قد يجر المنطقة لحرب مذهبية سنية شيعية، بحسب مراقبين.
من المعروف أن إيران تهيمن على الفريق التفاوضي لوفد النظام السوري، ومتغلغلة بهياكله الأمنية ومؤسسات الجيش، وتسيطر على وفد جماعة الحوثي "الشيعية المسلحة"، وتعد طهران الفاعل الرئيس بميادين الحرب البرية في سوريا والعراق معًا، وتهيمن على ميليشيات الحشد الشعبي وحزب الله وميليشيات أجنبية وشيعية، بعضها هدد بضرب الرياض، كذلك تمارس استعراض القوة العسكرية بإطلاق صواريخ بالستية، مع تعزيز قدراتها الدفاعية والجوية بدعم روسي، بحسب مراقبين.
ومع تعثر مسار حل الأزمات سياسيًا والاتجاه للحلول العسكرية في حال فشل المفاوضات المقبلة، يبقى الحوار بين أهم قوتين إقليميتين خيارًا غير نمطي وتفكيرًا خارج الصندوق قد ينزع فتيل الأزمة، وينهي الحرب بالوكالة الدائرة، ويمنع تحولها لسيناريو الحرب المباشرة.
وساطة جزائرية
صرح مصدر دبلوماسي جزائري، أمس الأحد، بأن بلاده عرضت على إيران والسعودية، التفاوض المباشر، حول النزاعات المسلحة في سوريا والعراق واليمن، من أجل إعادة الاستقرار للمنطقة العربية.
وأكد مصدر يعمل في الخارجية الجزائرية (رفض ذكر اسمه)، أن "الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قدم المبادرة لكل من النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، الذي زار الجزائر يومي الأربعاء والخميس الماضيين، في حين تم إبلاغ المبادرة لمبعوث خاص، للملك سلمان بن عبد العزيز، زار الجزائر الأسبوع الماضي، والتقى وزير الخارجية والرئيس بوتفليقة".
وحسب المصدر الدبلوماسي "تتضمن المبادرة الجزائرية دعوة البلدين إلى التفاوض المباشر للمساهمة في حل النزاعات المسلحة في المنطقة العربية، من خلال استغلال علاقات ونفوذ كل بلد للتهدئة وإعادة الاستقرار للمنطقة". وأضاف المصدر أن تفاصيل المبادرة تتوقف على رد البلدين عليها وموقفهما منها، الأمر الذي لم يتم بعد.
من جهة أخرى أعلنت الرئاسة الجزائرية، الثلاثاء الماضي، أن بوتفليقة، استقبل بالجزائر العاصمة، الأمير سعود بن محمد العبد الله الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، المبعوث الخاص للعاهل السعودي.
رغبة دولية
والدعوة للحوار بين الرياضة وطهران ليست اختراعًا، بل تصاعدت عقب توقيع الاتفاق النووي وبضغوط أمريكية غربية، حيث نشر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف رسالة مفتوحة طرح خلالها مبادرة تجاه المملكة، مطالبًا إياها ببدء "حوار إقليمي"، و"البحث عن آليات تساعد جميع دول المنطقة على اجتثاث جذور التوتر وعوامله".
كذلك نشر موقع "إيران ريفيو" باللغة الإنجليزية، مقالًا مترجمًا عن الفارسية لـ"محمد علي صبحاني"، المدير العام سابقًا لقسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإيرانية، تحدث فيه عن أن السعودية وإيران تسيران في اتجاه تحسين العلاقات بينهما، وأن الشعور العام الدولي يسعى لإحداث تفاعل بين إيران والسعودية أكثر من أي وقت مضى، من أجل تقليص الدمار في المنطقة والعالم كله، مضيفًا أن "مثل هذا التوجه موجود حتى بين بعض الدول العربية في المنطقة".
وكان الكاتب السعودي جمال خاشقجي، قد ألمح في مقال له، السبت الماضي، عن إمكانية الحوار مع إيران بشكل غير مباشر، حين تحدث عن الحلم بشرق أوسط سعيد نابع من رحم واقع مأزوم وسوداوي ومحزن، محذرًا من الاستسلام للعقبات، ومنها ازدواجية خطاب إيران.
مفاوضات متعثرة
تأتي المبادرة الجزائرية بينما تمر الأزمة اليمنية بمفترق طرق بين الأمل بحل سياسي يحقن دماء اليمنيين، وبين حل عسكري اضطراري إذا فشل الخيار السياسي، حيث أعلنت الأمم المتحدة إحرازها في المشاورات التي استمرت 6 أيام، الاتفاق على عقد جولة مفاوضات جديدة في 14 يناير المقبل، بعد فشل المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة من (15- 20 ديسمبر) الجاري، في تثبيت وقف إطلاق النار.
وهيمنت إيران على المفاوضات، فقد ذكرت مصادر لصحيفة «الشرق الأوسط» أن «ناصر أخضر وهو عضو فاعل في حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، كان بين الموجودين مع الوفد الحوثي بسويسرا». وأشارت لوجود دبلوماسيين وخبراء إيرانيين إلى جانب عناصر أخرى في بلدة بيال التي دارت فيها المشاورات اليمنية.
حروب بالوكالة
في محاولة منها للضغط على السعوديين لوقف حملتهم العسكرية في اليمن، أعلنت جماعة (الحوثيين)، عن إدخال 300 هدف عسكري، ومنشأة حيوية سعودية، ضمن أهداف قوتها الصاروخية، وذلك بعد ساعات على انتهاء المفاوضات بين الحكومة اليمنية و"الحوثيين"، في سويسرا، دون التوصل لاتفاق، وصعّد الحوثيون، خلال اليومين الماضيين، من عملية إطلاق الصواريخ البالستية، صوب مواقع سعودية.
مخطط تطويق الرياض ليس فقط من ناحية الجنوب، بل من ناحية العراق أيضًا، حيث هددت ميليشيات "سيد الشهداء" التي تعمل تحت لواء "ميليشيا الحشد الشيعي" في العراق بضرب السعودية.
حماية لأمنها القومي تخوض الرياض حربًا بالوكالة ضد إيران بدعم المعارضة السورية المعتدلة المستهدفة الآن، من قبل حلف "موسكو – طهران"، ونجحت السعودية في توحيد مواقف المعارضة وتشكيل هيئة عليا للتفاوض مقرها الرياض، ومع صمود المعارضة برغم مرور قرابة ثلاثة أشهر على الحرب البرية الإيرانية بإسناد جوي روسي، وتزايد الخسائر البشرية بصفوف الحرس الثوري الإيراني، تشتد المواجهة بين المحور السني بقيادة السعودية في مواجهة النفوذ الروسي - الإيراني.
فهل تنجح الوساطة الجزائرية في نزع فتيل كل هذه الأزمات، وترجح خيار الحل السياسي بما لا يجهض التضحيات والمكاسب العسكرية والاستراتيجية؟